وصلت أزمة مشروع التعديلات القضائية في إسرائيل إلى ذروتها عندما تمسك رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بموقفه ودافع عن إقرار الكنيست لأحد التعديلات الرئيسية في خطة الإصلاح القضائي التي تسببت في انقسام حاد في الشارع الإسرائيلي، واعتبرها خطوة ديمقراطية ضرورية.
إسرائيل نحو المجهول
وأقر المشرعون الإسرائيليون تعديلا على بند "المعقولية" الرئيسي في خطة نتنياهو، والذي كان يسمح للمحكمة العليا بممارسة رقابة قضائية على السلطة التنفيذية والهيئات الرسمية التابعة لها، ويلغي التعديل إمكانية نظر القضاء في "معقولية" قرارات الحكومة.
وأيد التعديل 64 نائبا من أصل 120 مشرعا في الكنيست الإسرائيلي، وتبع التصويت تصريحات تلفزيونية لنتانياهو قال فيها: "أقرينا تعديل بند المعقولية حتى تتمكن الحكومة المنتخبة من تنفيذ سياسة تتماشى مع قرار غالبية مواطني البلاد".
وحسب تحليل في صحيفة نيويورك تايمز، فإن خطوة نتنياهو تسببت في تمزق في المجتمع وبات كثير الإسرائيليين يتساءلون حول ما إذا كان هذا الضرر يمكن إصلاحه، وما إذا كان رئيس الوزراء بإمكانه إدارة تبعات هذه المواجهة التي بدأها.
وقاطع نواب المعارضة التصويت وهتف بعضهم هذه حكومة دمار وأعداء إسرائيل، في إشارة إلى الحكومة التي يسيطر عليها اليمين المتطرف.
وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل تتجه نحو المجهول، وأن نصف المجتمع الإسرائيلي بات يتساءل عما إذا كانت إسرائيل في ظل إدارة نتنياهو وحكومته يتجهون بإسرائيل نحو "نظام حكم استبدادي ديني".
رئيس حكومة إسرائيل
وقال الدكتور أيمن الرقب أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إن بالرغم من الوساطات الأمريكية والضغوط الداخلية مرر ائتلاف نتنياهو قرار المعقولية أمس بتصويت كل اعضاء الائتلاف الأربعة وستون وامتناع المعارضة عن التصويت بشكل نهائي.
وأوضح الرقب ـ في تصريحات خاصة لـ "صدى البلد"، أن هذا القرار يعني الحد بشكل كبير في صلاحيات تدخل أو ابطال المحكمة العليا قرارات الحكومة، وهو خطوة من خطوات الإصلاح القضائي الذي وعد ائتلاف نتنياهو ناخبيهم بتنفيذه لوقف سطوة القضاء على السلطة التنفيذية، وتقوية السلطة التنفيذية في إدارة دولة الاحتلال، لذلك رأينا بعد تمرير هذا القرار ارتفاع قوة نتنياهو في أحدث استطلاع للرأي بعد تراجعه في الأشهر الأخيرة.
وتابع: ابطال قرار المعقولية امس بمثابة طوق نجاة لنتنياهو وحلفاؤه خاصة بعد أن حصن نتنياهو موقعه و وزراءه في قرارت سابقة ومنع المحكمة العليا إسقاط الصفة السياسية عنهم، وهذا القرار سيؤسس لعودة اريه درعي زعيم حزب شاس ووزير الداخلية الاسرائيلي الذي أسقطت المحكمة العليا عنه موقعه السياسي لأنه اتهم سابقا بملفات فساد وقضى في السجن ثلاث سنوات.
وواصل: المعارضة تخشى أن يستمر نتنياهو في خطة الانقلاب القضائي كما يطلقون عليه وبالتالي يتحول نظام الحكم لدكتاتوري، وخاصة أن دولة الاحتلال تتباهى بأنها دولة ديموقراطية ولديها استقلال وفصل بين السلطات.
واستطرد: صحيح أن الأشهر وبالتحديد الايام الماضية شهدت توترا بين البيت الأبيض و حكومة نتنياهو مما دفع الكاتب السياسي الامريكي المشهور توماس فريدمان إلى الطلب من الرئيس الأمريكي التدخل لإنقاذ دولة اسرائيل من الانهيار ووقف جموح نتنياهو و الذي دفع بايدن لمهاتفة نتنياهو لتأجيل التصويت ودعوته لزيارة واشنطن ولكن دون جدوى لان هذه القرارات بالنسبة لنتنياهو هي طوق نجاه و جداره الأخير.
أمريكا وتأييد إسرائيل
أضاف: ورغم هذا التوتر وتوقع البعض أن البيت الأبيض سيعيد تقييم علاقة مع دولة الاحتلال، إلا أني لا اتوقع أي تغير في العلاقة وذلك للطبيعة الوظيفة للاحتلال الإسرائيلي في المنطقة والذي يخدم الرؤية والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط خاصة والعالم بشكل عام ، كما أن المخزون الاستراتيجي للأسلحة الأمريكية في المنطقة في دولة الاحتلال ، إضافة لدور اللوبي الصهيوني وماله في التأثير على السياسة الأمريكية ، و بتجارب سابقة الرؤساء في البيت الأبيض ليسوا أصحاب القرار بل المؤسسات الأخرى مثل الكونجرس والذي ايد دولة الاحتلال بشكل كامل الأيام الماضية.
وقال: على الصعيد الداخلي في دولة الاحتلال فأستبعد ما ذهب إليه البعض بانهيار دولة الاحتلال وانهيار جيشها وان الحرب الأهلية على الابواب ، والبعض شطح في خياله بأننا قد نرى دولتين دولة لليمين ودولة لليسار ، وهذا ضرب من الخيال ، فما يحدث داخل دولة الاحتلال هو أعلى درجات الديموقراطية، ونتنياهو انتخبه الشارع الاسرائيلي وهو يعرف أنه مدان بملفات فساد وينوي إحداث تغييرات في شكل الحكم داخل دولة الاحتلال.
وتابع: اتوقع أن تستمر المظاهرات وتتصاعد دون الوصول لحرب أهلية التي كان أقصاها ما حدث في تل آبيب امس والذي نتج عنه عدة اعتقالات من قبل الشرطة الاسرائيلية، واستبعد أن تتطور الإضرابات والاعتصامات لمقاطعة الجيش النظامي للعمل وفقط بعد وحدات الاحتياط ، وإذا شعر نتنياهو ان الأمور قد تفلت من يده فسيشن حرب على غزة أو جنوب لبنان و بالتالي تعود الجبهة الداخلية موحدة .
واختتم: واقصى سيناريو متوقع هو العصيان المدني ولكن لن يكون بالشكل الذي يتوقعه البعض الذي سيدفع لانهيار الدولة وخاصة نظامها الاقتصادي.
إسرائيل تكتوي بالنار
من جانبه، قال الدكتور جهاد الحرازين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إن ما يحدث بدولة الاحتلال من مظاهرات وانقسام واضرابات يأتي في سياق محاولات اليمين الإسرائيلي المتطرف السيطرة على كافة مناحي الدولة وسلطاتها.
وأوضح الحرازين ـ في تصريحات خاصة لـ "صدى البلد"، أن حكومة إسرائيل في سباق مع الزمن في محاولة تمرير المشاريع والقوانين التي تضمن بقاءهم في السلطة والاستئثار بها ولذلك بعد التصويت بالكيسة على حجة المعقولية وسلب صلاحيات المحكمة العليا وسيطرة الحكومة بعد فشل المفاوضات الامر الذي ادخل دولة الاحتلال الى حالة التوتر وهذا الامر الذي بدات ملامحه تتحول الى حالة من الاضرابات الكاملة بداخل إسرائيل.
وتابع: بدأ ينكشف الوجه الحقيقي لهذه الدولة ومساراتها العنصرية ووجها الاحتلالي الرافض لأي حلول سياسية ويواصل التهويد والاستيطان وقتل حل الدولتين ولذلك فان الاحداث ستستمر إذا لم تتدخل الولايات المتحدة بثقل كبير وقوى لوقف هذا التطرف الذي يجتاح الشارع الإسرائيلي ووقف رعايتها لنتنياهو وحكومته بالإضافة الى دور للمجتمع الدولي ليرى بعينه طبيعة العنصرية التي يمارسها الاحتلال حتى في داخل مجتمعه.
انقسام واسع بالبلاد
وقال المؤرخ الإسرائيلي، يوفال نوح هراري، إنه "ربما تكون هذه هي الأيام الأخيرة للديمقراطية الإسرائيلية، ربما نشهد ظهور ديكتاتورية عنصرية يهودية في إسرائيل، والتي لن تكون فقط أمرا مروعا بالنسبة للمواطنين الإسرائيليين، بل للفلسطينيين وللتقاليد اليهودية وربما للشرق الأوسط بأكمله".
وانتقدت الولايات المتحدة الحكومة الإسرائيلية بسبب إصرارها على تمرير التعديلات القضائية، ووصفت تعديل أمس بأنه "مؤسف".
وأقر الكنيست الإسرائيلي، الاثنين، تشريعا جديدا ضمن مشروع الإصلاح القضائي المثير للجدل، من شأنه أن يحد من قدرة المحكمة العليا في البلاد على مراجعة "معقولية" قرارات الحكومة.
واعتبر الصحفي الإسرائيلي، أنشيل بفيفر، الذي كتب السيرة الذاتية لنتنياهو مؤخرا، أن ما حدث هو "انتصار مكلف"، مضيفا أن "كل المؤسسات الإسرائيلية وبينها حكومة نتانياهو، تم إضعافها بواسطة الأحداث التي جرت".
وتسببت خطة الإصلاح القضائي في انقسام واسع في البلاد، وعلى إثرها خرجت احتجاجات كبيرة في إسرائيل منذ مطلع يناير الماضي، في أعقاب إعلان الحكومة عن المقترح.
وكانت الشرطة الإسرائيلية استخدمت خراطيم المياه واعتقلت متظاهرين خارج الكنيست، قبيل التصويت على مشروع القانون الذي أثار ضجة واسعة في الشارع الإسرائيلي.
وأعلنت حوالي 150 شركة كبرى، من بينها بنوك، الإضراب، الاثنين احتجاجاً على ذلك.
ووصف الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتزوغ، البلاد بأنها "في حالة طوارئ وطنية" وحض القادة السياسيين على التوصل إلى حل وسط.
أخطر الأزمات المحلية
وحاولت الشرطة تفريق المتظاهرين الذين كانوا يغلقون شارعاً خارج الكنيست، في القدس، بخراطيم المياه وسحبتهم من الطريق بالقوة، وسط صخب الطبول والأبواق التي أطلقها المتظاهرون.
وأفادت وسائل إعلام محلية، أن أحد المتظاهرين أصيب وأُلقي القبض على ستة، وأحاط متظاهرون آخرون بسيارة شرطة وهم يهتفون "العار" في وجه الضباط.
وحاول المتظاهرون الذين ساروا لمسافة تقدر بنحو 70 كيلومتراً من تل أبيب إلى القدس في نهاية الأسبوع الماضي، عرقلة إقرار مشروع قانون حزمة الإصلاحات القضائية.
ويُنهي ما يُعرف بقانون "تقليص حجة المعقولية" سلطة المحكمة العليا في إلغاء قرارات حكومية، قد تراها المحكمة قد تجاوزت الحدود المعقولة.
ووصل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلى البرلمان للمشاركة في جلسة التصويت بعد أن خضع لعملية جراحية يوم السبت، لتزويده بجهاز تنظيم ضربات القلب، وخرج من المستشفى صباح الاثنين.
وأدت الإصلاحات المثيرة للجدل إلى حالة استقطاب شديدة في إسرائيل، ما تسبب في واحدة من أخطر الأزمات المحلية في تاريخ البلاد.
وظل مئات الآلاف من المتظاهرين يخرجون إلى الشوارع أسبوعياً منذ بداية العام، احتجاجاً على ما يقولون إنه اعتداء على الديمقراطية.
وتقول الحكومة إن الإصلاحات تعمل على تعزيز الديمقراطية، وتبرر ذلك بأن المحكمة العليا قد راكمت الكثير من السلطات في الاشراف على الملفات السياسية خلال العقود الأخيرة.
وانتقد الرئيس الأمريكي جو بايدن هذه الإجراءات، ودعا في أكثر من مناسبة، إلى تأجيل مشروع القانون الذي وصفه بأنه "مثير للانقسام".