الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

يوم المحمل ودار الخرنفش.. تاريخ مصر مع كسوة الكعبة المشرفة |تفاصيل

المحمل بإحدى شوارع
المحمل بإحدى شوارع القاهرة

رفع قواعدها نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، وحظيت بكل الرعاية حتى هذا اليوم؛ فهى مقام البيت الأول الذي وضع للناس، وقبلة المسلمين. 

 

يقال أن  خليفة المسلمين عمر بن الخطاب أوصى بكسوة الكعبة بالقماش المصري المعروف بالقباطي، حيث تمتع الصناع المصريون بالمهارة في نسج أفضل وأفخر أنواع الثياب والأقمشة.

تاريخ مصر مع كسوة الكعبة 

 

نالت مصر شرف صناعة كسوة الكعبة مع بداية الدولة الفاطمية حيث أهتم الحكام الفاطميين بإرسال كسوة الكعبة كل عام من مصر، وكانت الكسوة في ذلك الوقت بيضاء اللون . 

 

الدولة المملوكية  


في عهد السلطان الظاهر بيبرس كانت كسوة الكعبة تُرسل من مصر أيضًا، حيث كان سلاطين المماليك يرون أن هذا شرف لا يجب أن ينازعهم فيه أحد حتى و لو وصل الأمر إلى القتال، فقد أراد ملك اليمن "المجاهد" في عام 751 هـ أن ينزع كسوة الكعبة المصرية ليكسوها كسوة من اليمن، فلما علم بذلك أمير مكة أخبر المصريين فقبضوا عليه، وأرسل مصفداً في الأغلال إلى القاهرة.

 كما كانت هناك أيضا محاولات لنيل شرف كسوة الكعبة من قٍبل الفرس والعراق، ولكن سلاطين المماليك لم يسمحوا لأى أحد أن ينازعهم في هذا، وللمحافظة على هذا الشرف أوقف الملك الصالح إسماعيل بن عبد الملك الناصر محمد بن قلاوون سلطان مصر في عام 751 هـ وقفًا خاصًا لكسوة الكعبة الخارجية السوداء مرة كل سنة، وهذا الوقف كان عبارة عن قريتين من قرى القليوبية هما قريتي "باسوس وأبو الغيث" ، وكان يتحصل من هذا الوقف على 8900 درهم سنوياً، وظل هذا هو النظام القائم إلى عهد السلطان العثماني سليمان القانوني.

 وكان سلاطين مصر المملوكية يلقبون بـخدَّام الحرمين الشريفين، وكان المحمل يطوف القاهرة لمدة ثلاثة أيام يصاحبه الطبل والزمر والعديد من الإحتفاليات؛ كتزيين المحلات التجارية والرقص بالخيول، وكان الوالي أو نائب عنه يحضر خروج المحمل بنفسه الذى يحمل كسوة الكعبة التي تعتبر أقدس الأماكن الإسلامية قاطبةً. 

 

موكب المحمل 

 

وكان موكب المحمل عبارة عن جمل متزين بالحرير الملون والفضة، وكانت رقبة الجمل ورأسه وسائر أعضائه يُحلّى بالجواهر، ويحلى رسنه (مِقوده) بالجواهر أيضًا، ويخضب جسمه بالحناء وعليه هودج فارغ، أما الكسوة نفسها فكانت توضع فى صناديق مغلقة وتحملها الجمال وخلفها الجمال التى تحمل المياه وأمتعة الحجاج.


وخلف الجميع كان الجند الذين يحرسون الموكب حتى الحجاز، ومن ورائهم رجال الطرق الصوفية الذين يدقون الطبل ويرفعون الرايات .

ولم يكن المحمل يخرج بالحجاج المصريين فقط، بل كان يصحبه سائر الحجيج من بلاد المغرب الإسلامي بما فيه الأندلس وبلاد إفريقيا، وأحيانا كانت ياتى معهم حجاج السنغال وحجاج دارفور  والإقليم الغربي لجنوب السودان ( التكروريون) وباقي السودان أو القادمين عن طريق البحر من البلاد الإفريقية.


وكذلك كان كثيرًا ما يأتي أمراء وملوك تلك البلاد قاصدين الحج فكانوا جميعًا يجتمعون بالقاهرة ليتوقفوا بتلك المحطة الهامة التى كانت لها أثر كبير فى صورة وشخصية مصر بمخيلة زوارها 

ويحفل التراث الإسلامي  بالكثير من المؤلفات التى صنفها الرحالة والأدباء المارين بمصر في رحلة الحج، وكانت وفادتهم إلى القاهرة واختلاطهم بالمصريين لها أثر فكري وثقافي واجتماعي عميق على امتداد التاريخ المصري.

 وصف كثير من الرحالة الذين زاروا مصر خروج كسوة الكعبة من مصر كابن بطوطة وناصر خسرو وغيرهما، ومن أهم المشاهد التى سجلتها نصوص الرحالة والمؤرخين أيضاً صورة المحمل أو قافلة الحج عبر عصورها المختلفة، إذ تعتبر تلك النصوص من أكثر المصادر التى حفظت لنا تفصيلات دقيقة عن المحمل وكسوة الكعبة فيذكر لنا الرحالة إبن بطوطة عن هذا المشهد المهيب وكيفية خروج المحمل المصري من القاهرة في حضور أرباب الدولة.

 يوم المحمل 


وهو يوم دوران الجمل، حيث يركب القضاة الأربعة ووكيل بيت المال والمحتسب، ويركب معهم أعلام الفقهاء وأمناء الرؤساء وأرباب الدولة قاصدين باب القلعة؛ فيخرج إليهم المحمل على جمل وأقامه الأمير المعين لسفر الحجاز (يقصد به أمير الحج) ومعه عسكره، ويجتمع لذلك أصناف الناس من رجال ونساء ثم يطوفون بالجمل بمدينة القاهرة ويكون ذلك فى شهر رجب.

بعد زوال دولة المماليك فإن العثمانيين قد عهدوا إلى ولاة مصر بأن يجهزوا الكسوة، وظل الأمر على ما هو عليه إلى انقطاعها عن مصر في ستينات القرن العشرين.

 وكان يشرف على تصنيع وتطريز كسوة الكعبة مسئول يسمى "ناظر الكسوة"، وتُنقل للحجاز  تحت إشراف"أمير الحج"، وعند اقتراب المحمل من مكة؛ يخرج أميرها لإستقبال المحمل والجمل حامل الكسوة.

وكان المسئول عن حماية القافلة وحمل الكسوة شخصية عسكرية كبيرة هو الذى لقب بأمير الحج، وبلغ من الأهمية إلى حد أنه وضع فى المرتبة الثالثة بعد كل من الباشا والدفتردار، وكان يخرج فى كل عام فى موكب كبير وسط إحتفالات شعبية عارمة.‏ 

 

رحلة المحمل من مصر إلى الحجاز 

 

 في البداية كان المحمل يسافر إلى السويس ثم إلى قلعة نخل وسط سيناء، ثم العقبة وبعد ذلك يتجه جنوبًا ويسير بحذاء البحر حتى ينبع، ثم إلى مسكنه في مكة المكرمة.


وظل هذا الطريق قائماً حتي عام 1885 ميلادية، عندما انتقل الحج من الطريق البري إلي الطريق البحري. وبعد انتهاء موسم الحج  كان المحمل يعود حاملاً الكسوة القديمة للكعبة بعد إبدالها بالكسوة الجديدة، وتقطع إلى قطع وتوزع على النبلاء والأمراء وما زالت هذه القطع موجودة فى متحف كسوة الكعبة، وبعضها في قبور العائلة المالكة من أسرة محمد علي في مصر، حيث زينوا بها أضرحتهم. 

الدولة العثمانية 


إستمرت مصر في نيل شرف كسوة الكعبة بعد سقوط دولة المماليك وخضوعها للدولة العثمانية، فقد أهتم السلطان سليم الأول بتصنيع كسوة الكعبة وزركشتها وكذلك كسوة الحجرة النبوية، وكسوة مقام إبراهيم الخليل.

وفي عهد السلطان سليمان القانوني أضاف إلى الوقف المخصص لكسوة الكعبة سبع قرى أخرى لتصبح عدد القرى الموقوفة لكسوة الكعبة تسعة قرى، وذلك للوفاء بالتزامات الكسوة، و ظلت كسوة الكعبة ترسل بانتظام من مصر بصورة سنوية يحملها أمير الحج معه في قافلة الحج المصري.

 

عهد محمد علي  


في عهد محمد علي باشا توقفت مصر عن إرسال الكسوة بعد الصدام الذي حدث بين أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الأراضي الحجازية و قافلة الحج المصرية في عام 1222ه‍ الموافق عام 1807 ملادية، ولكن أعادت مصر إرسال الكسوة في العام 1228هـ.

 

 العصر الحديث 
 

 تأسست دار لصناعة كسوة الكعبة بحي "الخرنفش" في القاهرة عام 1233هـ، وما زالت هذه الدار قائمة حتى الآن وتحتفظ بآخر كسوة صنعت للكعبة داخلها.

تُنقل الكسوة إلى ميدان محمد علي فَيسير أمامها بلوكان من أورطة المشاة التاسعة بموسيقاها وعلمها، وتتبع الجماهير هذا الموكب حتى الميدان، وفي المساء تُعرض الكسوة في المصطبة ويتوافد الناس لرؤيتها بحضور جمهور عريض من الأمراء والأعيان يدار عليهم المرطبات والحلوى.

 أما فى القرن العشرين، فيمدنا الدكتور "فؤاد الماوي" في كتابه‏ ‏«العلاقات الإقتصادية والمالية بين مصر والحجاز» بتفاصيل كثيرة عن نفقات الكسوة التي كانت تعلق على الكعبة الشريفة،‏ فهى غطاء مطرز بالذهب،‏ ونهاية حوافه مطرزة بالفضة وملبسة بقشرة من الجواهر، وكانت يشرع فى صنعها فى شهر ربيع الثاني لتصبح جاهزة خلال ستة أشهر، وكان الوالي يفتش عليها بين الحين والآخر، ويقوم بوزنها الذى كان يصل عادة إلى سبعة عشر قنطارًا من الحرير، وثلاثة قناطير من الفضة الخالصة‏.