يصادف اليوم الثامن والعشرين من يونيو، ذكرى ميلاد الأديب والفيلسوف جان جاك روسو، أحد أهم كتاب عصر التنوير الذي أثرت أعماله في التعليم والأدب والسياسة، وساعدت فلسفته في تشكيل الأحداث السياسية التي أدت إلى قيام الثورة الفرنسية.
وُلد جان جاك روسو في مدينة جنيف، عام 1712، وكانت أسرته من أصل بروتستانتي فرنسي، وتُوفيت أمه عقب ولادته مباشرة، تاركة الطفل لينشأ في كنف والده، الذي عُرف بميله إلى الخصام والمشاجرة، ونتيجة لإحدى المشاجرات، ترك والده جنيف؛ فتولى عمه مسئولية تربيته.
[[system-code:ad:autoads]]
تعلم روسو حِرفة النّقش على يد أحد النّقاشين “دي كوفان”، وكان يعامله بشكلٍ سيئ، وعلى الرّغم من قسوة هذا النّقاش بقي روسو مولعاً بالقراءة فكان يقرأ الكتب في أي مكان وبشكلٍ مستمرٍ.
وفي عام 1728، هرب “روسو” من جنيف، وبدأ حياة من الضياع، ومن التجربة والفشل في أعمال كثيرة. كانت الموسيقى تستهويه دوماً، وظل لسنوات مترددًا بين احتراف الكتابة أو الموسيقى.
وبعد وقت قصير من رحيله عن جنيف، وهو في الخامسة عشرة من عمره، التقى روسو بالسيدة لويز دي وارنز، وكانت أرملة موسرة.
وتحت تأثيرها، انضم روسو إلى الكنيسة الرومانية الكاثوليكية.
ومع أن روسو كان أصغر من السيدة دي وارنز باثني عشر أو ثلاثة عشر عامًا، إلا أنه استقر معها بالقرب من مدينة شامبيري، في دوقية سافوي. وقد وصف سعادته بعلاقتهما في سيرته الذاتية الشهيرة «اعترافات»، ولكن العلاقة لم تدم، فقد هجرها روسو أخيرًا عام 1740.
البحث عن الشهرة
وفي عام 1742، كان روسو في باريس يجري وراء الشهرة والثروة، وقد سعى إلى احتراف الموسيقى.
وكان أمله يكمن في وضع نظام جديد للعلامات والرموز الموسيقية قد كان ابتكره.
وقدم المشروع إلى أكاديمية العلوم، ولكنه أثار قدرًا ضئيلاً من الاهتمام.
في باريس، اتَّصل روسو بالفلاسفة وهى جماعة من مشاهير كتاب وفلاسفة العصر.
وحصل على التشجيع المادي من مشاهير الرأسماليين.
ومن خلال رعايتهم، خدم روسو أمينًا للسفير الفرنسي في البندقية خلال عامي 1743، 1744.
تعرض روسو للهجوم بسبب الكتب الدينيّة الّتي كان يؤلّفها، حيث تمّ حظرها في كلّ من جنيف وفرنسا، وبسببها هرب روسو أكثر من مرّة ولجأ إلى الفيلسوف ديفيد هيوم في إنجلترا إلّا أنّه أصبح فيما بعد يعاني من أوهام حول مؤامرات تُحاك ضده، وكان يعتقد أنّ ديفيد هيوم كان متورطاً فيها، وعاد بعد ذلك إلى فرنسا في عام 1767م تحت اسم مستعار، وبعد ثلاث سنوات سُمح له بدخول فرنسا بشرط ألا يقوم بنشر أيٍّ من كتبه، إلّا أنّه بدأ بكتابة اعترافاته، فقامت الشّرطة بإيقاف كتاباته ولم تَظهر هذه الاعترافات إلّا بعد وفاته.
فلسفة جان جاك روسو
نظر روسو إلى نظرية حالة الطبيعة الافتراضية كدليل معياري نظرًا لتشاركه مع الفلاسفة الآخرين في عصره.
انتقد هوبز لتأكيده على «كون الإنسان شريرًا بشكل طبيعي لعدم امتلاكه أي فكرة عن الخير في حالة الطبيعة، وأنه شرير لأنه لا يعرف الفضيلة».
نظر روسو إلى الموضوع بشكل معاكس، فرأى أن الأخلاق الفاسدة تسود في حالة الطبيعة.
أكد روسو أن مرحلة التطور البشري المرتبطة بما أسماه الوحشية كانت الأفضل أو الأنسب في التطور البشري، وذلك بين أدنى المرحلة الأنسب للحيوانات الوحشية من ناحية وأقصى الحضارة المنحلّة من ناحية أخرى.
آراء جان جاك روسو
ظهرت آراء روسو في العديد من مؤلفاته ومن أهم هذه الآراء: معارضة ممارسة الناس للسيادة من خلال جمعية تمثيلية أو وكلاء، وذكر أن الناس يجب أن يضعوا القوانين بشكلٍ مباشر، كما هاجم روسو الملكية الخاصة بشكل كبير، وكان يرى أن من أهداف الحكومة ضرورة ضمان المساواة والحريات للناس جميعاً في الدولة بغض النظر عن رأي وإرادة الأغلبية.
وذكر روسو في كتاب إيميلي أنّه من الضروري تعليم الطفل كيفية العيش بطريقة صحيحة، وأنّ أحد الأمور المهمة في التعليم هو التعلم من خلال التجربة، كما كان له رأي في تثقيف النساء من خلال تربيتهن وتعليمهن ليحكُمن بدلاً من أن يُحكمن.
عارض الأشخاص الذين يريدون إبعاد الشباب عن الحب ويصورونه وكأنه جريمة، فهو يرى أن فطرة الشباب سوف تُلهمهم وليست الدروس المضللة الخادعة كما وصفها.
تبنى بعض الآراء في الحضارة والعلم، فقد كان يرى أنّ الحضارة ليست من الضروري أن تكون أفضل من الحياة البسيطة، كما تحدث عن تعرض الناس للفساد بأشكال مختلفة في داخل المجتمع الحضري المتقدم.
التعليم وتربية الطفل
تركز فلسفة روسو في مجال التعليم على تطوير شخصية التلميذ وإحساسه الأخلاقي، وذلك ليتسنى له تعلم التمكن من الذات والبقاء فاضلاً حتى في المجتمع غير الطبيعي والناقص الذي سيضطر إلى العيش فيه.
يعتقد روسو أن الريف بيئة طبيعية وصحية أكثر من المدينة، . شعر روسو أن الأطفال يتعلمون الصواب والخطأ من خلال تجربة عواقب أفعالهم بدلًا من العقاب البدني.
تنبأت بعض أفكاره بالأفكار الحديثة بطرق عديدة ولم يفعل ذلك بعضها الآخر، إذ آمن بالتفوق الأخلاقي للعائلة الأبوية على النموذج الروماني العتيق.
الثورة الفرنسية
لاحظ إدموند بيرك تأثير روسو على الثورة الفرنسية، وانتقدها روسو في كتيبه السياسي بعنوان «تأملات حول الثورة في فرنسا»، وانتشر هذا النقد في جميع أنحاء أوروبا مما دفع كاثرين العظيمة إلى حظر أعماله. استمرت هذه العلاقة بين روسو والثورة الفرنسية (خاصة الإرهاب) خلال القرن التالي. قال المؤرخ فرانسوا فوريت: «يمكننا أن نرى أن روسو كان في قلب تفسير الثورة لكل من معجبينها ونقادها طوال القرن التاسع عشر».
التأثير على الثورة الأمريكية
ترك روسو تأثيرًا بسيطًا على الآباء المؤسسين للولايات المتحدة بغض النظر عن أوجه التشابه بين أفكارهم كما قال بعض العلماء. شاركوا معتقداتهم فيما يتعلق بالدليل الذاتي على أن جميع الرجال خلقوا متساويين، والاعتقاد بأن مواطني الجمهورية يتعلمون بنفقة عامة. يمكن الموازاة بين مفهوم دستور الولايات المتحدة عن الرفاهية العامة ومفهوم روسو عن الإرادة العامة.
توجد المزيد من القواسم المشتركة بين الديمقراطية الجيفرسونيّة وثناء روسو على سويسرا واقتصادات كورسيكا للمنازل المعزولة والمستقلة، وتأييده للميليشيا المنظمة بشكل جيد مثل تلك الموجودة في الكانتونات السويسرية.
اعترافات روسو
مثلت كتابات روسو للسير الذاتية مثل كتاب «الاعترافات» الذي ألفه في عام 1769، ونُشر بعد وفاته والذي أسس السيرة الذاتية الحديثة وكتابه غير المكتمل بعنوان «أحلام يقظة جوال منفرد- عصر الحساسية» في أواخر القرن الثامن عشر، وأظهرت زيادة التركيز على الذاتية والتأمل اللتين ميزتا الكتابة الحديثة في وقت لاحق.
في التربية
كتب روسو كتابًا رئيسيًا في التربية اسمه «في التربية: إميل نموذجًا» على هيئة قصة طفل. وتبدأ القصة بنشأة الطفل إميل وتنتهي بزواجه وهو في سن 25 سنة. يربي النشء على طبيعته بدون إجباره على حفظ العلوم والثقافات، بذلك يتعلم النشئ من طبيعة ميوله وبالتجربة الشخصية.
وأهم ما يصبوا إليه روسو أن ينشأ في الطفل الشعور الاجتماعي. وكما يؤكد روسو على استقلالية النشء، فيجب أن يكون هذا مقترنا بتوجيه خفي بحيث تتفق ميول النشء مع ما يريده المعلم. ففي كتاب «إميل أو التربية» يقول روسو:«اتبعوا مع النشء الطريقة العكسية، وهي أن يشعر النشئ بأنه هو صاحب الاختيار. فلا توجد استجابة وتكريس إلا بالشعور بأن المرء حرا فيما يتعلمه. هذا هو التكريس الحقيقي».
ويرى روسو أن النشء الذي ينشأ على تلك الطريقة الحرة هو الأصلح لمجتمعه.انتشرت طريقتة في تربية النشء سريعًا في مختلف الدول الأوروبية، وهى تعتبر حتى يومنا هذا الطريقة الأساسية لطرق التعليم الحديثة.
نفوذه الأدبي
مهد روسو لقيام الرومانسية، وهي حركة سيطرت على الفنون في الفترة من أواخر القرن الثامن عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر الميلاديين؛ فلقد ضرب روسو، سواء في كتاباته أو في حياته الشخصية، المثل على روح الرومانسية، من خلال تغليبه المشاعر والعواطف على العقل والتفكير، والنزوة والعفوية على الانضباط الذاتي. وأدخل روسو في الرواية الفرنسية الحب الحقيقي المضطرم بالوجدان، كما سعى إلى استخدام الصور الوصفية للطبيعة على نطاق واسع، وابتكر أسلوبًا نثريا غنائيًا بليغًا. وكان من شأن اعترافاته أن قدمت نمطًا من السير الذاتية التي تحوي أسرارًا شخصية.
الوفاة
رحل جان جاك روسو في الثاني من يوليو عام 1778، عن عمرٍ ناهز 66 عامًا.