يصادف اليوم الثامن والعشرين من شهر يونيو ذكرى وفاة الشاعر المصري محمد عفيفي مطر، والذي يعتبره النقاد أحد أصعب شعراء العصر الحديث قراءة، إذ رحل في مثل هذا اليوم من عام 2010، عن عمرٍ ناهز 65 عامًا.
وُلد محمد عفيفي مطر في قرية "رملة الأنجب" بمحافظة المنوفية عام 1935، وتخرج في كلية الآداب قسم الفلسفة، من جامعة عين شمس، وعمل مدرسًا.
ويُعّد من أبرز شعراء جيل الستينات في مصر، وقد تنوّعت مجالات عطائه بين المقالات النقدية وقصص الأطفال، فضلًا عن كتاباته النثرية وترجماته.
رؤية المتوكل طه
يقول عنه الشاعر الفلسطيني المتوكل طه: "لقد استطاع محمد عفيفي مطر- هذا الشاعر المنسي أو المُغيَّب - أن يقدم صيغة مبدعة لعلاقة الشاعر المثقف بالسلطة وإفرازاتها وهيمنتها وما تضعه حولها من نخب تتبنى وتردد أطروحاتها، خالقة بذلك ظلاماً كثيفاً يمنع الرؤيا ويقتل الرؤية ويغتال البصيرة والحياة. إنّ مفردة "الظلام" التي يستعملها الشاعر محمد عفيفي مطر هي من أكثر المفردات تكراراً في دواوينه الظلام الذي يعيشه الشاعر ليس فقط، في زنزانته التي يسميها "جحيماً" وإنما في لحظته المعيشة وفي تاريخه. إن ما يعانيه ويكابده الشاعر جعله يرى الأشياء من جديد ويقرأ التاريخ بعيون وروح جديدة، أو لنقل، بنظرية جديدة هي نظرية "الخوف من الخوف". وما بين الظلام والخوف يكون الموت، وفي هذه الكآبة، والقتامة، تلد قصيدة الشاعر محمد عفيفي مطر، قصيدة تضجّ بالألم والفزع والكوابيس والرؤى المقتولة والأماني المغدورة ووجوه الأحبة الموتى والمدن التي يسكنها الأشباح، كما أنها قصيدة مُركّبة تستند إلى الأسطورة التي يُعيد إنتاجها بلغة حداثية فلسفية، تؤكد أن صاحبها شاعر رجل يستحق الاحترام.
من أعماله
صدرت أعماله الكاملة عن دار الشروق عام 2000، ومن أبرز أعماله: ديوان «الجوع والقمر» الذي صدر في دمشق عام 1972، وديوان «يتحدث الطمي» الذي صدر في القاهرة عام 1977، ورباعية «الفرح»، وصدر في لندن عام 1990، واحتفالية «المومياء المتوحشة»، وصدر في القاهرة عام 1992،فاصلة إيقاعات النمل، شهادة البكاء في زمن الضحك،رسوم على قشرة الليل، و كتاب الأرض والدم.
الجوائز
حصل محمد عفيفي مطر العديد من الجوائز المحلية والعربية والعالمية، ومنها: جائزة الدولة التشجعية في الشعر عام 1989، جائزة العويس الإماراتية عام 1999، وجائزة الدولة التقديرية عام 2006، وجائزة كفافيس اليونانية، وجائزة من جامعة أركنسو الأمريكية، وجائزة المؤسسة العالمية للشعر في روتردام الهولندية.
تجربته الشعرية
تتغذى تجربة محمد عفيفي مطر وأعماله المختلفة من مصادر ريفية وترابية، وما يتفرع عنها من عناصر تكوينية وطقوس ومعتقدات. فهذه «المجمرة» التي نعت بها بواكير قصائده، التي تنصهر في داخلها روح الشاعر ولغته، لم تنطفئ جذوتها مع الزمن. وإن اتخذت أشكالاً متعددة من العلاقة بالمكان وتقاليده وخفاياه.
وفي عمله اللاحق «الجوع والقمر» تشكل الطفولة، ببعديها المشهدي والنفسي، الأساس للنصوص، وتتداخل العناصر الواقعية المحضة بالعناصر السحرية، وبعوالم الخرافات التي يختلط فيها البشر بالجن والغيلان. كما يرتفع الحجاب الفاصل بين ما هو أرضي وما هو سماوي، ويتكفل القمر والشمس والأمطار والنجوم بحمل الرسائل المتبادلة بين البشر المتعبين والجوعى، وبين العوالم الخفية.
رأى الشاعر في الطمي الذي يتسبب به النيل ما يجسد الرمزية والتناقض، وأطلق البعض عليه لقب «شاعر الطمي»، وهو الذي أفرد لهذه المادة مجموعة كاملة بعنوان «يتحدث الطمي»، كما أن تلك المفردة تتكرر بشكل دائم في تعابيره وصوره واستعاراته. وقد يتخذ الطمي صورة الريح أو الأنثى.
ويُعّد محمد عفيفي مطر أحد أكثر الشعراء الذين يمكن لشعرهم أن يكون مادة خصبة للتحليل النفسي، وفق دراسة متميزة للناقد المصري عز الدين إسماعيل. ففي الجهة الأولى، تبدو العلاقة الوثيقة بالأم محوراً للعديد من القصائد. وهي إذ تتحد مع الأرض واللغة في بعضها، تتخذ في بعضها الآخر بعداً أوديبياً يسهل اكتشافه من خلال النكوص النفسي إلى زمن الطفولة، كما من خلال الصور الحسية الواضحة، كقول الشاعر: «خذي رأسي على ساقيكِ يا أمّاه\ ضعي رأسي على أرجوحة العطر التي تهتزّ في الزنّار والجلبابْ».
ومن جهة أخرى، فإن شعر مطر يتغذى من عوالم أسطورية، وما قبل دينية، بقدر ما ينهل من ينابيع دينية وإسلامية، تتمظهر في صورتها الشعبية عبر الإيمان الفطري والاعتقاد بكرامات الأولياء، فضلاً عن نزعته الصوفية المتماهية مع رموز تراثية بارزة، كابن عربي والسهروردي والنفري وغيرهم.
غير أن أي قراءة نقدية عميقة لتجربة محمد عفيفي مطر يصعب أن تستقيم دون الالتفات إلى كونه أحد الشعراء القلائل الذين اعتبروا الشعر مشروعاً معرفياً ورؤيوياً، وليس مجرد تطريزٍ جمالي أو تنفيسٍ بالغناء عن وحشة الكائن. أما ميله الواضح إلى الربط بين الشعر والفلسفة، فهو على الأرجح ناجم عن تخصصه بهذه الأخيرة، وتدريسه لها لعقدين من الزمن.