كتب الدكتور محمد حمزة الحداد، العميد السابق لكلية الآثار بجامعة القاهرة، وأستاذ الآثار الإسلامية، على صفحته الشخصية على موقع التواصل فيسبوك بتخصيص يوم للتراث المصري.
اجتماع تاريخي
وقال محمد حمزة: في تلك المرحلة المهمة من تاريخ مصر هو ما يتعلق بتراث مصر والمشروعات القومية التي تهدف إلي استعادة الوجه الحضاري المشرق لمصر؛ فإنه علي الرغم من أهمية تلك المشروعات، المشروعات، فإن الرئيس قد انتصر للمواقع التراثية والأثرية في القاهرة التاريخية وذلك في اجتماعه التاريخي يوم الأربعاء 7 يوليو 2021 فقد وجه بضرورة تدقيق الدراسات والبيانات ذات الصلة في محور صلاح سالم لأنه يمر في المناطق التاريخية والتراثية بالقاهرة التاريخية وهو ما تحدثنا عنه تفصيلاً في مقال سابق في 7 يوليو 2021، واتبعناه بمقال آخر في 9 يونيو 2023 وهو (وماذا بعد نصرة الرئيس السيسي للمواقع الأثرية والتراثية في القاهرة التاريخية).
[[system-code:ad:autoads]]
تقييم الموقف بشأن نقل المقابر
وأضاف حمزة: يوم الإثنين 12 يونيو 2023، كان التوجيه التاريخي الثاني بتشكيل لجنة برئاسة رئيس الوزراء لتقييم الموقف في إطار خطط التطوير الجارية المتعلقة بنقل مقابر السيدة عائشة والسيدة نفيسة والإمام الشافعي وإنشاء مقبرة الخالدين ووضع الحلول وطرح البدائل، من أجل الخروج بتوصيات نهائية يعلنها رئيس الجمهورية للرأي العام في 1 يوليو 2023، وهو ما تحدثنا عنه تفصيلاً في مقال سابق (المؤرخ والشكر واجب للسيد الرئيس) في 12 يونيو 2023.
الأصالة والمعاصرة
واستطرد: الحق أن اهتمام الرئيس وتوجيهاته الدائمة المشار إليها بل وفي غيرها من المناسبات تنطلق من حرصه الشديد على تراث مصر وإيمانه العميق بثقلها الحضاري ومقوماتها الثقافية بمختلف مراحلها وتنوعاتها الكبرى يعبر عن الفهم العميق والإدراك الواسع للتجربة التاريخية المصرية التي درسها ووعاها جيداً، ولذلك يوجه دائماً إلى الجمع بين الأصالة والمعاصرة وتراث الماضي المجيد والعصرنة. إذ يجب أن نكون في مستوى مصرنا بالنسبة للذات وفي مستوى عصرنا بالنسبة لغيرنا والآخر.
قيمة تاريخية نادرة
وبالتالي على الجهات التنفيذية المسؤولة عن هذه المشروعات أن تكون على قدر الحدث والتوجيه السامي، فتسير وفق رؤية الرئيس و تلتزم حرفياً بتوجيهاته بمنتهى الأمانة والدقة والوطنية. فلو فقدنا الماضي في تلك البقعة الطاهرة المقدسة من قرافة القاهرة وجبانتها الرئيسة التي لقبت بالبقيع الثاني و بغراس أهل الجنة، والتي تضم أعلاماً ورموزاً ورجالاً ونساءا؛ قل أن يجود الزمان بمثلهم ويجتمعا سوياً في صعيد واحد من جهة ومع تنوع وإبداع وروعة معمارية وفنية وأدبية لا يماثلها شئ في أي مكانٍ آخر سواء في مصر أو خارجها من جهة ثانية ومع قيمة تاريخية أثرية وتراثية نادرة أيضاً تزيد عن 1420عاماً من عمر الحضارة المصرية في العصور الوسطى والعصر الحديث، وهو مالا يتوفر في مكان آخر في مصر وخارجها أيضاً، من جهة ثالثة ومع نسيج عمراني و معماري وبيئي وبصري متسق ومتلاحم مع كل عواصم مصر الإسلامية الفسطاط والعسكر والقطائع والقاهرة وأسوارها الأيوبية، ثم القلعة التي كانت بمثابة السوار حول المعصم ويشد تلك الأسوار بعضها ببعض من جهة رابعة؛ ثم إن مايجري على أرض القرافة لايتسق مع الدستور والقانون ولا مع توجيهاتكم السديدة من جهة خامسة.
التراث العالمي والإسلامي
وتساءل: هل يعقل أن نفقد هذه المنطقة الأثرية والتراثية والتاريخية ذات النسيج الواحد المتلاحَم مع القاهرة التاريخية المسجلة على قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ عام1979، وعلى قائمة التراث الإسلامي بالإيسيسكو منذ عام 2019.
وعلى ضوء توجيهات رئيس الجمهورية في هذا الشأن والتي تعد كالقانون واجب النفاذ والتنفيذ في الحال؛ يجب أن تكون توصيات اللجنة متسقة ومتوافقة مع رؤيتكم الثاقبة وتوجيهاتكم السديدة حفاظاً على تراث مصر الأصيل ومقوماتها الثقافية المتنوعة والممتدة عبر أكثر من 1420عاماً، لأن قرافة القاهرة وجبانتها الرئيسة ووفقاً لكل المعايير المحلية والدولية هي مقبرة الخالدين في حد ذاتها؛ وبالتالي لايجوز هدم أي مبنى أثري وتراثي منها وفيها؛ وتهدم فقط العشوائيات المعتدية على القرافة في ظروف سابقة لا مجال للحديث عنها في هذا المقام. مع تطوير المنطقة من خلال مسارات وبدائل أخرى لا تعرض المنطقة لخطر الإزالة والهدم والتشويه وتقطيع أوصالها ونسيجها العمراني والبيئي والبصري وحرمها وخطوط التجميل الممتمدة لها.
مقبرة الخالدين
أما بخصوص مقبرة الخالدين التي وجهتم بإنشائها؛ فهي يجب أن تكون خاصة بكل الرموز والقامات المصرية المسلمين والمسيحيين على السواء، بل والأجانب الذين كان لهم دور في تاريخ هذا الوطن الحبيب من مختلف العصور التاريخية. وبالتالي تصبح هذه المقبرة الجديدة بهذه الصورة وذلك التصور سابقة حضارية وثقافية لشخصكم؛ سوف يسجلها التاريخ بأحرفٍ من نور. ولذلك فإنها يجب أن تقام في موضع مناسب ليس مكانه القرافة كما أنه ليس شرطاً أن تضم رفاة.
أمنية الشعب المصري
وأكمل: التاريخ سوف يسجل بأحرفٍ من نور حفاظكم على تراث مصر في قرافة القاهرة وجبانتها الرئيسة بمسمياتها المختلفة. وهو القرار التاريخي الذي ينتظر أن يسمعه الشعب المصري كله مسلمين ومسيحيين بل وشعوب العالم أجمع المتابعين لكل مايجري على الساحة في مصر في 1 يوليو 2023.
وإذا ما تحقق ذلك وأعُلن على مسمع ومرئى الجميع في ذلك اليوم؛ فإني أتمنى كما يتمنى كل المصريين إعلان أن يكون ذلك اليوم الأول من يوليو من كل عام هو يوم التراث المصري، ليكون عيداً لكل المصريين يحتفلون فيه مع رئيسهم بتراثهم وثقافتهم وحضارتهم وقوتهم الناعمة التي هي مصدر إنبهار وإبهار وافتخار للعالم أجمع.