تناول الدكتور محمد حمزة الحداد، العميد السابق لكلية الآثار بجامعة القاهرة، وأستاذ الآثار الإسلامية، على صفحته الشخصية على موقع التواصل “فيسبوك”، الحديث عن نقل رفات الإمام الشافعي ونبش قبره برغبة من الوزير نظام الملك الطوسي، حيث استهل قائلاً:
وُلد الإمام الشافعي بغزة عام 150 هجرية، وجاء إلى مصر عام 198 ه، وتُوفي عام 204 ه، حيث دفن في مقبرة بني زهرة أولاد عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري؛ وتربة أولاد بن عبد الحكم بالقرافة الكبرى في ذلك الوقت.
غير أن ما يعنينا في هذا المُقام هو مايتعلق بموضوع نقل رفاته إلى بغداد، وقد عد ذلك من أبدع ماحُكي عن منتقبه.
[[system-code:ad:autoads]]
نقل رفات الشافعي إلى بغداد
تبدأ الحكاية برغبة الوزير السلجوقي الداهية “نظام الملك الطوسي” في نقل رفاة الإمام الشافعي من مقبرته إلى مدرسته النظامية في بغداد، التي أنشاها عام 459 هجرية؛ ولذلك قام في عام 474 هجرية بمراسلة أمير الجيوش بدر الجمالي – صاحب مشهد الجيوشي أعلى المقطم وأسوار القاهرة الحالية وبواباتها – وزير الخليفة المستنصر الفاطمي، وطلب منه ذلك ومع طلبه هدية جليلة؛ فركب أمير الجيوش في موكب ومعه أعيان الدولة ووجوه المصريين من العلماء وغيرهم، وقد اجتمع الناس لرؤيته فلما نبش القبر؛ شق ذلك على الناس وماجوا وكثر اللغط وارتفعت الأصوات وهموا برجمه والثورة عليه أسكتهم؛ فأخبر الخليفة بذلك وبرغبة نظام الملك فأمر الخليفة بتفيذ رغبة نظام الملك، وقرئ كتابه أي الخليفة على الناس عند القبر وطردت العامة والغوغاء من حوله، ووقع الحفر حتي انتهوا إلى اللحد، وأرادوا قلع ما عليه من الطين؛ وحينئذ خرج من اللحد رائحة عطرة دوخت وأسكرت جميع الحاضرين حتى وقعوا صرعى ولم يفيقوا إلا بعد ساعة؛ فإستغفروا وأعادوا ردم القبر كما كان وانصرفوا. وكان يوما مشهوداً ومن الأيام المذكورة، وقد أدى ذلك إلى تزاحم الناس على القبر وزيارة لمدة 40 يوماً بلياليها، حتى ما كان يتوصل إليه إلا بعد عناء ومشقة زائدة.
هدية عظيمة
واستطرد: كتب بدر الجمالي كل ماحدث في محضر وبعث به مع هدية عظيمة إلى نظام الملك؛ وقرئ ذلك وسمع بالمدرسة النظامية بغداد أمام جموع غفيرة فكان يوما مشهودا، بل زن نظام الملك كتب إلى بلدان المشرق من حدود الفرات إلى ما وراء النهر( الجمهوريات الإسلامية الست الحالية بآسيا الوسطى التابعة لدول الكومنولث والمنفصلة عن الاتحاد السوفيتي السابق عام 1980م) وبعث مع كتابه كتاب بدر الجمالي المحضر وتم قراءة ذلك في كل بلدان المشرق المذكورة فزاد قدر الإمام الشافعي عند الكافة في تلك الأقطار. ولم يكن هذا هو حال قبر الشافعي فقط بل قبور الصحابة والصالحين والعلماء وأولياء الله الصالحين، وافتر عنهم الكتب لذكر مناقبهم والحث على زيارتهم سواء في كتب مستقلة أو ضمن كتب خطط مزارات القرافة والتي كانت تتضمن فصلاً عن هؤلاء يعرف بإسم (اللمعة في ذكر السبعة)
مطالبة بالكشف عن المقابر والأحواش
ولدينا قائمة كبيرة بأسماء هؤلاء وغيرهم من الأئمة والعلماء المحققين، قبور بعضهم معروفة، وقبور غيرهم في انتظار بعثة أثرية مصرية من المجلس والقطاع، أسوة بما يحدث بحثاً عن المقابر المصرية القديمة بسقارة وغيرها؛ للكشف عنها والعثور عليها وسط مقابر القرافة وأحواشها المترامية الأطراف شرقاً وغرباً وشمالاً، ولذلك مايجري على أرض القرافة الطاهرة المقدسة المباركة المعروفة بغراس أهل الجنة، والمنطقة المحيطة والقريبة من الإمام الشافعي المعروفة بالبقيع الثاني كلها أرض الصالحين، ولذلك دفن بجواره الأعيان والأعلام والنخبة والرموز ؛ حتى ينالوا بركتهم مصداقا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم { إن الميت ليتأذى بالجار السوء كما يتأذى به الحي}. ولدينا من الموروث (الجار قبل الدار)، وطبق المصريون ذلك أثناء حياتهم وبعد مماتهم حكاماً ومحكومين، وهو ماتشهد عليه وتؤكده المقابر الآثرية والتراثية بالقرافة.
وختاماً فإن القبر من أعظم النعم التي أنعم الله بها علي الإنسان وخليفته في الأرض بدلالة قوله تعالى وهو الحق {ثم أماته فأقبره}، أي جعله ممن يقبر أي يدفن، تمييزاً له عن سائر المخلوقات والتي تطرح في أي مكان فتلتهمها السباع والذئاب والضياع والكلاب وغيرها؛ ولذلك فإن أول قبر في التاريخ كان إلهاماً بإشارة من غراب، حتى يواري أحد ولدي آدم، الذي لم يقبل الله قربانه بعد أن قتله، لأن الله قد تقبل قربانه وهي المشهورة طبقاً للتوارة أو العهد القديم بقصة هابيل وقاين(قابيل)، ولكن سبب القتل كان على غير ماورد في القرآن، و مايعنينا هنا هو مضمون و مغزى قصة أول قبر في التاريخ. وفقاً لما ورد في الكتاب المقدس والقرآن.