تحل اليوم ذكرى ميلاد الروائي ياسوناري كواباتا، أول أديب ياباني يحصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1968، حيث تميز إبداعه النثري بلغة شعرية راقية وغامضة، وترجمت أعماله للغة الإنجليزية وبعضها للعربية، ولا تزال مقروءة إلى اليوم.
طفولة مليئة بالموت
وُلد ياسوناري كواباتا يوم 14 يونيو 1899، في مدينة "أوساكا"، وفقد والديه في الثانية من عمره ليقوم جداه بتربيته بعد ذلك، لكن الفقد لم يفارقه؛ ماتت جدته وهو في السابعة من عمره، وتُوفيت شقيقته التي رآها مرة واحدة منذ موت والديه عندما أصبح في العاشرة، وعندما صار في الخامسة عشرة توفي جده، وقد تركت تلك الفواجع كبير الأثر في طفولته؛ إذ ولّدت لديه الشعور بالفقدان والأسى الذي أثر في كتاباته لاحقاً، وأُطلق عليه لقب «سيد الجنائز».
[[system-code:ad:autoads]]
انتقل للإقامة مع عائلة والدته، ثم انتقل في يناير 1916 إلى بيت داخلي بالقرب من مدرستة الثانوية، وبعد تخرجه منها عام 1917، انتقل إلى طوكيو حيث التحق بكلية الدراسات الإنسانية ليتخصص في اللغة الإنجليزية.
تأثير الحرب
مارس ياسوناري كواباتا الكتابة الأدبية، كما عمل مراسل لصحيفة "ماينيتشي شيمبون" من أوساكا وطوكيو، ورغم أنه رفض المشاركة في التعبئة العسكرية التي رافقت الحرب العالمية الثانية، فإنه لم يتأثر بالإصلاحات السياسية اللاحقة في اليابان. ومع موت أفراد عائلته بينما كان في سن مبكرة، أثرت الحرب بشكل كبير عليه، وبعد انتهاء الحرب بوقت قصير قال بأنه لن يستطيع أن يكتب إلا المراثي.
بداياته الأدبية
بينما كان لا يزال طالبًا في الجامعة، أعاد كواباتا إصدار مجلة جامعة طوكيو الأدبية «اتجاهات الفكر الجديدة»، وفيها نشر قصته القصيرة الأولى «مشهد من جلسة أرواح»، وخلال سنواته في الجامعة بدل اختصاصه إلى الأدب الياباني، وكتب أطروحة تخرج بعنوان: «تاريخ موجز للروايات اليابانية».
تخرج من الكلية في مارس 1924. وفي أكتوبر 1924 بدأ كواباتا، ويوكوميتسو ريتشي مع عدد من الكتاب الشبان صحيفة أدبية جديدة سُميت «عصر الأدب». وكانت رد فعل للمدارس الأدبية اليابانية الراسخة القديمة، خصوصًا المدرسة الطبيعية، بينما وقفت في الوقت عينه ضد أدب العمال أو المدارس الاشتراكية/الشيوعية. كانت إحدى حركات الفن للفن، وتأثرت بالتكعيبية، والتعبيرية، وغيرها من الأنماط الأوروبية الحديثة.
ابتكر كواباتا ويوكوميتسو مصطلح «شينكانكاكوها» لوصف حركتهما الانطباعية الجديدة، المعتمدة على منظور أحاسيس مختلف في الكتابة الأدبية.
بداية سريالية
انجذب ياسوناري كاواباتا في بداياته إلى الأسلوب السريالي ومن ثم الانطباعي في الأدب، ولهذا اعتمد على الغموض وإطلاق خيال القارئ ليصل إلى مغزى كتاباته التي تميزت بشاعرية سوداوية تقترب إلى حد بعيد من التراث الأدبي الياباني القديم، وخاصة شعر «الرينغا» الذي انتشر في القرن الخامس عشر، ولكنه تحرر من الشكل، وانطلق بسلاسة متدفقة كما في «بلد الثلج».
بدأ كواباتا في جذب الانتباه إليه بعدد من القصص القصيرة بعد تخرجه بوقت قصير، وهُلل لقصته «راقصة آيزو» في 1926، وهي قصة بزوغ حب جديد إيروتيكي، ومعظم أعماله اللاحقة تستكشف ثيمات مشابهة. بلد الثلج واحدة من أشهر رواياته، بدأت في 1934 ونُشرت مسلسلة منذ 1935 حتى 1937. حكاية حول علاقة حب بين شاب يهوى الفن من طوكيو، وغيشا من إحدى المقاطعات، تدور أحداثها في مدينة بعيدة ربيعها حار؛ مكان ما في الغرب قرب جبال اليابان الشاهقة. رسخت كواباتا كأحد أبرز الكُتاب اليابانيين، وأصبحت مباشرة إحدى الكلاسيكيات. وصفها إدوارد ج.شايدنسترايكر بأنها قد تكون تحفة كواباتا الأدبية.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، تواصل نجاح كواباتا مع أعماله اللاحقة: طيور الكركي الألف، صوت الجبل، بيت الجميلات النائمات، جمال وحزن، والعاصمة القديمة.
اعتبر كواباتا كتابه «سيد الغو» الصادر عام 1951 أفضل أعماله، والذي ترجمه للعربية الناقد والمترجم السوري صبحي حديدي، رواية شبه خيالية عن مباراة غو كبرى في 1938، كان كواباتا قد كتب عنها في صحيفة ماينيتشي. كانت آخر مباراة في مسيرة المعلم شوساي المهنية، وخسرها لصالح متحديه الأصغر سناً، ليموت بعد سنة أو أكثر بقليل. وبالرغم من أن الرواية تتحرك على السطح كإعادة حكاية لكفاح مشوق، فإنها اعتبرت كرواية رمزية توازي هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية.
القصص القصيرة
كتب كاواباتا أيضاً أكثر من مئة وأربعين قصة قصيرة، كان يطلق عليها قصص كف اليد (the palm of the hand).
في العام 1968، حاز ياسوناري كاواباتا جائزة نوبل للأدب، وذلك لبراعته السردية التي تعبر بحساسية كبيرة عن جوهر الفكر الياباني.
لغز انتحاره بالغاز
في السادس عشر من أبريل 1972، وُجد ياسوناري كاواباتا جثة هامدة، إثر انتحاره بالغاز، وكان عمره 72 عامًا، ولعل الانتحار - على رغم أنه يوجد تقليد في اليابان يبيح الموت الإرادي - أكثر أشكال الموت غرابة وغموضًا وسرية، تمامًا ككتاباته التي تتميز بغموضها وألغازها، وكأنها دعوة للقارئ نفسه ليكون مفسرًا لها.
الموت في أدب ياسوناري كاواباتا
تحتل فكرة الموت حيزاً جوهرياً في كتابات ياسوناري كاواباتا؛ إنها رحم إنتاجه. ففي يومياته يصف نزاع جده وموته ، وفي رواية «هندباء برية» التي تركها غير مكتملة، يروي قصة “إينكو” التي تركتها أمها وحبيبها في مصح للأمراض النفسية، لمعاناتها من حالة غريبة من العمى، الذي يجعلها عاجزة عن رؤية جسد حبيبها على رغم عدم تأثر بصرها، فتنهار. ويبقى السؤال لمعرفة مصدر مرض إينكو: هل هي الصدمة المرتبطة بموت والدها الذي "رأته من دون أن تراه؟". نلاحظ هنا تأثر أدب كاواباتا بطفولته الكئيبة وبحياته
وفي "بلد الثلج" تلميح في مواضع عدة إلى الموت ومأساته. فحين كان يوكيو محتضراً، رفضت كوماكو زيارته على رغم إلحاح يوكو وشيمامورا. تقول لشيمامورا: "لا أريد أن أراه. لا أريد أن أرى إنساناً يموت".
كما أن كتاباته الأخرى لا تخلو من هذا الموضوع. نجد مثلاً في "قصص بحجم راحة اليد" الكثير من المواضع التي يتطرق فيها إلى موضوع الموت والجنائز والانتحار.
يكتب كامل يوسف حسين مترجم "قصص بحجم راحة اليد" إلى العربية في مقدمة الكتاب، أن ياسوناري كاواباتا "يطيل في تصوير الأجسام النائمة، وربما يحس القارئ بفظاعة الانحلال والموت، ذلك الموت الذي يشدد عليه كاواباتا كثيراً، والذي يؤكد لنا في أكثر من موضع أن الجمال، وحده، هو الرد على فظاعة الموت".