الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مليون وربع متظاهر ضد 11 ألف شرطي.. القصة الكاملة لأزمة سن التقاعد والإضراب بفرنسا.. ورسالة غضب من الشعب لـ ماكرون

اضراب فرنسا
اضراب فرنسا
  • إضراب واسع يشل فرنسا بسبب خطة رفع سن التقاعد
  • أكثر من مليون وربع مواطن ضد الحكومة الفرنسية
  •  المعركة تحسم تحت قبة البرلمان 

"إلى أين تذهب الأوضاع في فرنسا؟" .. سؤال يشغل بال من يتابع الأزمة المندلعة في فرنسا، بعد أن قرر أكثر من مليون وربع مواطن فرنسي النزول إلى الشارع ضد خطة الحكومة الفرنسية لرفع سن التقاعد للموظفين من 62 عاما، إلى 64 عاما، وما يجعل الأمور مثار قلق حقيقي هو الظروف المحيطة بتلك التظاهرات، وضغوط الحرب الأوكرانية الروسية على الحكومات والشعوب الأوروبية، ولا يقف الحديث عند فرنسا، ولكن نحن نتحدث عن معظم دول الاتحاد الأوروبي.

وأفادت وسائل إعلام، بأن الشرطة الفرنسية أطلقت الغاز المسيل للدموع على احتجاجات ضد رفع سن التقاعد في باريس، حيث ينظم الإضراب الثاني على مستوى البلاد، أمس الثلاثاء، ضد رفع سن التقاعد في فرنسا، مع أكثر من 200 احتجاج في جميع أنحاء البلاد، شارك فيها ممثلو الصناعات المختلفة، والمنظمات اليسارية والشبابية، وأنصار حركة السترات الصفراء، وراديكاليون من حركة الكتلة السوداء.

الواقع على الأرض.. 11 ألف شرطي بمواجهة المولوتوف

في حدث لم يتكرر منذ 10 سنوات، تجمع أكثر من مليون وربع فرنسي في شوارع فرنسا - أكبر تجمع منذ رفع الرئيس اليميني نيكولا ساركوزي سن التقاعد من 60 إلى 62 في عام 2010 – وقام المتظاهرون بتنظيم أكثر من 200 فاعلية على مستوى فرنسا، وقام بعض المشاركين في طابور الاحتجاج بإلقاء الزجاجات الحارقة والحجارة على قوات الشرطة، وهو ما أدى إلى مواجهات مع الشرطة، حيث قامت الأخيرة بإطلاق الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين العنيفين، وحتى الساعات الأولى من الصباح ظلت هناك اشتباكات بين ضباط إنفاذ القانون والمتظاهرين في منطقة مونبارناس.

ويبدو أن الحكومة الفرنسية تدرك حجم الغضب المتوقع، حيث كان قد أعلن وزير داخلية فرنسا، جيرالد دارمانين، إنه سيتم نشر 11 ألف شرطي لضمان الأمن في مظاهرات على مستوى البلاد احتجاجا على مشروع إصلاح نظام التقاعد، منهم 4000 شرطي في باريس وحدها، بالتالي، سيكون هناك 1000 ضابط شرطة أكثر مما كان عليه في اليوم السابق من المظاهرة في جميع أنحاء البلاد، وذلك بعد أن جرت الموجة الأولى من المظاهرات ضد تلك الخطة في 19 يناير.

رسالة غضب ... إضراب واسع يشل البلاد 

ولم يتوقف المواجهة مع الحكومة على المظاهرات، ولكن صاحب ذلك إضراب واسع تم الدعوة إليه، ولاقى استجابة كبيرة من الشعب الفرنسي، حيث تعرض قطاع النقل والمدارس والطاقة إلى إضراب أمس الثلاثاء، وتعطلت الحافلات والقطارات والترام المحلية في المدن من باريس إلى نيس، وكذلك القطارات الإقليمية وعالية السرعة في جميع أنحاء البلاد ، "بشكل كبير للغاية" ، وفقًا لمشغلي السكك الحديدية.

وقالت الخطوط الجوية الفرنسية إنه يتم إلغاء واحدة من كل 10 رحلات قصيرة ومتوسطة المدى، وأضرب حوالي نصف معلمي الحضانة والمدارس الابتدائية ، بحسب نقابة المعلمين الرئيسية، فيما أغلقت بعض المجالس البلدية التي يديرها اليسار كليا أو جزئيا تضامنا مع الاحتجاجات، بما في ذلك قاعة مدينة باريس، مما أثار غضب الوزراء. 

رسالة إلى الحكومة .. غالبية الشعب ترفض الخطة 

وبجانب التظاهر والإضراب، كانت هناك وسائل أخرى، مفادها رسالة إلى الحكومة بأن أغلبية الشعب ضد تلك الخطة، تمثلت في تصريحات السياسيين، واستطلاعات الرأي، فقد قال فيليب مارتينيز من اتحاد CGT اليساري في مسيرة باريس: "لقد خسرت الحكومة المعركة الأيديولوجية"، وقال إن الإقبال في البلدات والقرى الصغيرة في جميع أنحاء فرنسا أظهر أن "السياسيين يجب أن يستمعوا إلى الناس"، وهو ما قاله لوران بيرغر، رئيس أكبر نقابة في فرنسا ، CFDT المعتدل، وشدد على أن الحكومة لا يمكنها تجاهل الاحتجاجات.

فيما تظهر استطلاعات الرأي أن غالبية الفرنسيين لا يوافقون على خطة ماكرون لرفع سن التقاعد من 62 إلى 64، مع دعم معظم الناس للاحتجاجات، فقد انضمت جميع النقابات العمالية الكبرى في عرض نادر للوحدة، وتعد مظاهرات الشوارع الكبيرة أول اختبار كبير للفترة الثانية للرئيس الوسطي في منصبه.

لماذا هذا الغضب؟ 

في 10 يناير، قدمت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن مشروع قانون لإصلاح نظام التقاعد، حيث تخطط الحكومة لتنفيذه في سبتمبر، وفقا لخطة بورن، وستبدأ الحكومة الفرنسية في رفع سن التقاعد في البلاد بمقدار ثلاثة أشهر سنويا اعتبارا من 1 سبتمبر، وزيادته تدريجيا من السن الحالي البالغ 62 إلى 64 عاما بحلول عام 2030.

وأخبر ماكرون الشعب الفرنسي مرارًا وتكرارًا أنهم "بحاجة إلى المزيد من العمل" وجعل من إصدار المعاشات التقاعدية علامة على هدفه لتغيير فرنسا وإصلاح نموذجها الاجتماعي ونظام الرفاهية، وفي الأيام الأخيرة ، شددت الحكومة نبرتها للإصرار على أن التغييرات ستحدث، سواء رفع سن التقاعد لمعظم الناس وكذلك زيادة سنوات الاشتراكات المطلوبة للحصول على معاش تقاعدي كامل.

وقال الرئيس ليلة الإثنين إن التغييرات "ضرورية عندما نقارن أنفسنا ببقية أوروبا" وأنه يجب إجراء تغييرات "لإنقاذ" نظام المعاشات التقاعدية الحكومي الفرنسي. سن التقاعد الفرنسي البالغ 62 هو الأدنى في أي اقتصاد أوروبي رئيسي. 

الرأي الآخر ... النظام الحالي لا يحتاج تغيير فهو متوازن

وفي الوقت الذي تجادل فيه الحكومة بأن التغييرات ضرورية لضمان التمويل المستقبلي لنظام المعاشات التقاعدية، والذي من المتوقع أن يتحول إلى عجز في السنوات القليلة المقبلة، يرى المعارضون السياسيون والنقابات العمالية غير ذلك، ويجادلون بأن النظام متوازن حاليًا، مشيرين إلى أن رئيس المجلس الاستشاري للمعاشات التقاعدية المستقل أبلغ البرلمان مؤخرًا أن "الإنفاق على المعاشات التقاعدية ليس خارج نطاق السيطرة ، إنه محتو نسبيًا".

ورغم قول رئيسة الوزراء إليزابيث بورن بإن رفع سن التقاعد إلى 64 "غير قابل للتفاوض"، إلا أنها تتعرض لضغوط لتعديل المقترحات، خاصة للأمهات اللواتي توقفن عن حياتهن المهنية لرعاية الأطفال واللائي قد يجدن أنفسهن في وضع غير موات مقارنة بالرجال، حيث ضمت العديد من مظاهرات الشوارع في جميع أنحاء فرنسا نساء من جميع الأعمار احتججن على عدم المساواة في نظام المعاشات التقاعدية، وقال كليمانس غيتي ، من حزب "لا فرانس إنسوميز" اليساري الراديكالي ، إن الفجوة بين الجنسين في الرواتب والمعاشات التقاعدية "غير مقبولة".

حسم المعركة تحت قبة البرلمان 

وبالتأكيد سوف تلقى تلك الاحتجاجات بظلالها داخل البرلمان الفرنسي، حيث لا تزال التغييرات في المعاشات بحاجة إلى أن تمر عبر البرلمان، خصوصا وأن رئيس الوزراء الفرنسي ماكرون، فقد تجمعه الوسطي أغلبيته المطلقة، فقد قدمت المعارضة اليسارية أكثر من 7000 تعديل لمشروع القانون في محاولة لإبطاء مسارها عبر البرلمان. 

وكانت الحكومة تأمل في تمرير مشروع القانون بسرعة بدعم من بعض المشرعين من اليمين الجمهوري ، لكن رئيس الوزراء لا يزال يواجه تحدي حشد الدعم داخل وخارج التجمع الوسطي لماكرون، وقد أظهر استطلاع للرأي أجرته شركة Odoxa لصالح محطة تلفزيون سينات العامة والصحف الإقليمية، الثلاثاء ، أن شعبية ماكرون وبورن تراجعت بخمس نقاط في شهر واحد.