الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حكم الدين في معاملات الـ الفوركس FOREX المالية.. كل الأدلة أجمعت على الحرمة

المعاملات المالية
المعاملات المالية

وردت إلى دار الإفتاء المصرية أسئلة كثيرة تطلب بيان الحكم الشرعي في معاملة مستحدثة وقد اصطلح على تسمية هذه المعاملة اختصارًا بــ(الفوركس FOREX) وهي تتعلق بمبادلة العملات الأجنبية في عدد من الأسواق العالمية؛ ويطلبون الحكم الشرعي عنها.

 

وقالت دار الإفتاء، إن (الفوركس FOREX) فيها يدفع العميل مبلغًا من العملات الأجنبية يقوم بإيداعه لوسيط، هو شركة سمسرة أو بنك أو غير ذلك، ويقوم الوسيط في المقابل بإضافة مبلغ من العملات لرفع مقدار ذلك الرصيد المُودَع في حسابه؛ وذلك لتعظيم القدر المالي الذي يدفعه المتعامل لزيادة نسبة المتاجرة في صفقات التبادل، وقد يصل المقدار الذي يضعه الوسيط في حساب العميل من خمسين ضعفًا إلى خمسمائة ضعف مما أودعه المستثمر في حساب هذه الصفقة، ويقوم الوسيط بمبادلتها بعملات أخرى لصالح هذا العميل.

 

وأكدت دار الإفتاء، أنه بعد بحث ودراسة مستفيضة لهذا النوع من التعامل ترى دارُ الإفتاء المصريةُ تحريمَ معاملة الفوركس والمنعَ من الاشتراك فيها. وقد أفتت بذلك أيضًا بعض المؤسسات الفقهية؛ كمجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة.

 

وقالت إن انتشار معاملة بعينها يتطلب عند الإفتاء فيها قدرًا كبيرًا من الحرص والتحري في كل مراحل الإفتاء الأربع: التصوير، والتكييف، والحكم، وإصدار الفتوى؛ حيث تتناسب الحاجة للبحث والتحري طرديًّا مع انتشار المعاملة، فالفتوى من حيث انتشارُها ثلاثة أنواع:
فتوى شخصية، وفتوى عامة، وفتوى أمة.


والحاجة للتحري والبحث في فتاوى الأمة تكون في أعلى درجاتها، تليها في ذلك الفتاوى العامة، ثم الفتاوى الشخصية.
ومعاملة الفوركس FOREX يمكن تصنيفها على أقل تقدير لحجم انتشارها أنها من الفتاوى العامة؛ وهذا يعني أنها تحتاج لمزيد من التحري والبحث؛ لعموم البلوى بها.
وكلمة الفوركس FOREX هي اختصار لكلمتَي Foreign Exchange ومعناهما: صرف العملات الأجنبية.
والصورة الغالبة على هذه المعاملة: أنها تتم من خلال ما يعرف بـالهامش -المارجن Margin-.
ويُقصَد بهذه الصورة: أن يدفع العميل مبلغًا من العملات الأجنبية يقوم بإيداعه لدى الوسيط في حساب الصفقة التي يريد إتمامها، ويقوم الوسيط في المقابل بإضافة مبلغ من العملات لرفع مقدار ذلك الرصيد المُودَع في حسابه، وقد يصل المقدار الذي يضعه الوسيط في حساب المستثمر في هذه الصفقة من خمسين ضعفًا إلى خمسمائة ضعف مما أودعه المستثمر في حساب هذه الصفقة؛ ولذلك يُسمَّى الهامش.
والغرض من المعاملة بالهامش: منع إجمالي حساب المستثمر من السقوط إلى ميزان سلبي في سوق سريعة شديدة التقلب.
ويمكن تفصيل المارجن على النحو التالي:
1. حساب المارجن Margin Account: وهو إجمالي المبلغ المودع في حساب المتاجرة؛ شاملًا ما دفعه العميل وما دفعه الوسيط.
2. المارجن المطلوب Required Margin: وهو المال المطلوب من العميل إيداعُه لدى الوسيط لفتح صفقة متاجرة، ويُسمَّى الهامش، وتكون نسبته من 1: 50 إلى 1: 400 من إجمالي المبلغ المودع في حساب المتاجرة؛ بحسب النظام الذي يتبعه الوسيط، ويظهر كنسبة مئوية 20% للنسبة 1: 500، و0.25% للنسبة 1: 400، و0.50% للنسبة 1: 200، و1% للنسبة 1: 100، و2% للنسبة 1: 50 ... وهكذا.
وبناء على المارجن الذي يطلبه السمسار يمكن للعميل أن يحسب قوة الرفع القصوى في حسابه التي يسوغ له أن يستخدمها في تجارته.
3. المارجن المستعمل Used Margin: وهو المال الذي يدفعه الوسيط كرافعة مالية لإجراء الصفقات للعميل، ويكون تحت يد الوسيط لفترة يتم فيها تغطية صفقات العميل المفتوحة، وهي أموال مختصة بالعميل لكنه لا يستطيع أن يستردها إلا إذا أرجعها الوسيط في حالة مكسبه، أما إذا خسرت التجارة فإن الوسيط يقوم باستيفاء جزء من المارجن أو المارجن كله ليضمن رد الأموال؛ فهو في قوة التأمين، وإذا لم يغلق العميل تجارته بنفسه ووصلت خسارته إلى حد المارجن فإنه يتم تسليم العميل رسالة (نداء الهامش) لتصفية كل صفقاته أو بعضها، ونداءُ الهامش يُمَكِّن العميلَ من مراقبة رصيد الحساب بشكل منتظم جدًّا لتقليل الخطر؛ فيمكنه إصدار أوامر توقف الخسارة على كل صفقة مفتوحة.
4. المارجن الصالح للاستعمال Usable Margin: هي كمية المال المسموح بالتصرف فيها في حساب العميل للدخول في صفقة جديدة بعد حجز المارجن المستعمل أو التأمين الذي يضمن به الوسيط رد الخسائر.
والفوركس FOREX منتج اقتصادي مالي ابتكره سماسرة العملات الأجنبية لجذب الأفراد الراغبين في استثمار أموالهم وتحقيق أرباح عالية إلى ممارسة الاتجار في العملات النقدية الدولية؛ حيث تتم المضاربة عن طريق شراء وبيع العملات الأساسية التي تحوز على الحصة الأساسية من العمليات في سوق صرف العملات الأجنبية Foreign Exchange Market، وهي عملات: الدولار الأمريكي (USD) (العملة الأساسية)، واليورو (EUR)، والجنيه الإسترليني (GBP)، والفرنك السويسري (CHF)، والين الياباني (JPY).
وتُستَخدَمُ في هذه المعاملة نظم إلكترونية رقمية حديثة تُوظَّف من خلال شبكة الاتصالات والمعلومات العالمية (الإنترنت)، في سوق مفتوحة طوال ساعات اليوم.
وتتم عمليات صرف العملات الأجنبية في هذه السوق من خلال ما يعرف بـأزواج العملات وذلك في مقابل الدولار الأمريكي أو أية عملة مقابل عملة أخرى في القيمة، ويُحدَّدُ سعرُ تحويل العملة المعينة بالنسبة لعملة أخرى من خلال آلية العرض والطلب للتحويل الذي لا بدَّ فيه من موافقة الطرفين على السعر وإتمام عملية التحويل.
وسوق صرف العملات الأجنبية هو سوق افتراضي؛ حيث تتم الصفقات فيه عن طريق الاتصال الهاتفي والإنترنت في وقت واحد بين مئات البنوك حول العالم بمئات الملايين من الدولارات تُباع وتُشتَرَى كل بضع ثوانٍ.
ويجمع سوق الفوركس أربع أسواق إقليمية: الأسترالية والآسيوية والأوروبية والأمريكية.
وتستمر عمليات المتاجرة فيه كل أيام العمل، ويعمل السوق على مدار الساعة (أي 24 ساعة في اليوم)، ويُلاحَظ هدوء نسبي من الساعة 20.00 الثامنة مساء وحتى 01.00 الواحدة صباحًا بتوقيت جرينتش؛ ويُعزى ذلك لإغلاق بورصة نيويورك في الثامنة مساء وبدء بورصة طوكيو العملَ في الواحدة صباحًا، والحجم اليومي لتداول العملات في سوق الفوركس يصل إلى 3 ترليون دولار.
ويتنوع المتعاملون في سوق صرف العملات الدولية: بين البنوك المركزية، والبنوك، وسماسرة النقد الأجنبي، والأفراد، والشركات.
ومن خلال هذا البيان لحقيقة معاملة الفوركس FOREX يتضح أنها ليست المعاملة الوحيدة التي تجري في سوق صرف العملات الأجنبية Foreign Exchange Market، بل هذه السوق مجالٌ لممارسة هذه المعاملة ومعاملات أخرى غيرها.
ومن أهم المعاملات ذات الصلة بمعاملة الفوركس FOREX التي تمارس في سوق النقد الأجنبي: المعاملات في البنكنوت، وفي التحويلات، والمعاملات الحاضرة (Spot)، والمعاملات الآجلة (Forward)، والمستقبليات (Futures)، ومقايضة العملات (Swaps)، والاختيارات (Options).
ومعاملة الفوركس من المعاملات ذات التفاصيل الفنية الدقيقة، وهناك عدد من الممارسين لهذه المعاملة في سوق تبادل العملات.
وقد قابَلَتْ أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية عددًا من الخبراء الذين يمثلون أهم نوعين من هؤلاء الممارسين لهذه المعاملة؛ فقابلت: خبراء يمثلون البنوك، وخبراء يمثلون شركات السمسرة. وكان من أهم ما نبَّه عليه خبراء البنوك في هذا السياق:
- أن التعامل بنظام الفوركس مع البنوك يضيف عنصرًا من الحماية للمستثمر يتمثل فيما يتعلق بالأعراف والتقاليد البنكية التي تجعل البنوك عند الخلاف مع المستثمر حريصة على حل هذا النزاع بصورة تحافظ على سمعتها البنكية.
- وأن الوسطاء (السماسرة) يدربون المستثمر على نماذج (Demo، Software) عند بداية التعامل، وهذه النماذج لا تعبر عن الحركة الحقيقية للتعامل في أسواق تبادل العملات؛ فإن الثَّانيةَ تؤثر فيها.
- وأن الخبرة عامل مهم جدًّا في عالم الوساطة في هذه المعاملة، وخاصة في جانب تقليل احتمالات الخسائر، ولكن تبقى هذه الاحتمالات هي الأعلى في الأسواق المالية.
وكان من أهم ما نبَّه إليه خبراء الشركات العاملة في نشاط الفوركس:
- أن كثيرًا من الشركات التي تقوم بجمع الأموال من المستثمرين الراغبين في العمل في هذه المعاملة وتقوم بدور السمسار قد تكون في الحقيقة مجرد سمسار لشركة أكبر هي التي تنفذ عمليات التبادل في سوق تبادل العملات.
- وأن هناك شركات كبرى تعمل في هذا النشاط ذات قوانين صارمة تحاول من خلالها الوصول لثقة المستثمر، ولكن يبقى الأساس في تعامل المستثمر مع هذه الشركات هو الثقة بها.

وعليه: فالفوركس مشتملة على صورة مركَّبة منهي شرعًا عن اجتماع أفرادها. ثم إنها مشتملة أيضًا على الجمع بين عقدي البيع والسمسرة الذي هو في معنى القراض (المضاربة)، وقد منع المالكية كما ذكرنا من الجمع بينهما.
وهذا كله يتجه البحثُ فيه على قول من يمنع إحداث عقود جديدة؛ بسيطة أو مركبة، من غير الفقه الموروث، ويلتزم بالعقود المسمَّاة في الفقه الموروث، والتحقيق الذي عليه العمل والفتوى: جواز ذلك، بشرط الخلو من الغرر والضرر.
والحق أن معاملة الفوركس على كلا الرأيين حرام شرعًا، ويجب منعها: أما على القول بضرورة الالتزام بالعقود المسمَّاة وعدم جواز إحداث عقود جديدة: فإن معاملة الفوركس قد أصابها الخلل الذي يمنع من تركيب العقود من جهات أخرى.
وأما على ما عليه التحقيق من جواز إحداث عقود جديدة من غير المسمَّاة في الفقه الموروث: فإن ذلك الجواز مشروط بخلو العقود المستحدثة من الغرر والضرر، وهذه المعاملة قد تحقق فيها الغرر والضرر في أشد صورهما:
أما الغرر: فقد اتفق الاقتصاديون وخبراء المال على أن معاملة الفوركس قد حوت أكبر قدر من الغرر في العقود المالية الحديثة على الإطلاق، وأنها أصبحت بذلك أشبه بالمقامرة التي تؤدي إلى الخراب المالي على مستوى الأفراد والجماعات والمؤسسات؛ لِمَا تحويه من المخاطرة الكبيرة التي تشتمل عليها هذه المعاملة في أصلها؛ حيث تعدُّ أشدَّ المعاملات في الأسواق المالية خطورة، وتزداد احتمالات الخطورة ضراوة عند ممارسة هذه المعاملة مع الرافعة المالية؛ بحيث تصبح ضربًا من المجازفة التي لا يستطيع معها أحد توقع حجم الخسائر التي تلحق بالعميل.
وأما الضرر: فلما اشتملت عليه هذه المعاملة من ضرر بالغ يتمثل في إذعان العميل بتحمله الكامل لنتائج هذه المعاملة الشديدة المخاطرة دون أدنى مسئولية على البنك أو السمسار.


ومما يدل على تحريم هذه المعاملة أيضًا: أنها تشتمل على كثير من المخالفات الشرعية الأخرى؛ وأهمها:


1- جهالة العملاء الممارسين لهذه المعاملة للقواعد المهنية التي يجب اتباعها لتخفيف احتمالات الخسائر.


2- وممارسة هذه المعاملة تشهد بعدم قدرة العملاء على متابعة العمليات المنفذة بما يجعلهم لا يستطيعون القيام بالمراقبة التي تسمح لهم بالتأكد من تنفيذ البنك أو السمسار لعملية المضاربة في الأوقات التي تم فيها إصدار الأمر لهم بالشراء.

 


وهذا يرجع لارتفاع مقابل تأجير الشاشات التي تسمح للعملاء بذلك، بجانب أن كثيرًا من الشاشات التي تتوفر للعملاء تكون مجرد شاشات محاكاة للشاشات الأصلية بما يعني وجود فارق زمني بين هذه الشاشات والشاشات الأصلية، وهذه المعاملة يعدُّ عنصرُ الوقت من أهم العناصر فيها؛ مما يقتضي أن الخلل فيه سيؤثر بلا شك على ممارستها على الوجه الصحيح.


3- وأن العميل ليس لديه سبيل يستطيع الاعتماد عليه في معرفة مهنية السماسرة العاملين في هذه المعاملة إلا بالتعامل معهم؛ بحيث يكون التعاقد معهم مبنيًّا بدرجة كبيرة على الثقة فيهم دون وجود قواعد مهنية يمكن التحاكم إليها.

 


4- تهدد هذه المعاملة اقتصاديات الدول بصورة واضحة كما سبق أن ذكرنا؛ فمن الممكن أن يؤثر يومُ عملٍ في سوق العملات على عملة دولة، وما وقع في الثمانينيات في دول شرق آسيا شاهد على ذلك.

 


5- عدم توافر الحماية القانونية في كثير من الدول للمتعاملين بهذه المعاملة؛ حيث يحصل السماسرة على تراخيص مستخرجة من دول أجنبية، كما هو الحال في معظم السماسرة في مصر الذين يحصلون على تراخيص شركاتهم من قبرص؛ بما يعني عدم قدرة العميل على مقاضاة السمسار إذا خالف أوامر العميل أو ارتكب خطأ مهنيًّا جسيمًا ترتب عليه خسارةُ العميل.

 


6- واقع المعاملة يكشف عن نوع خفي من التغرير بالعملاء؛ وهو أن السمسار الذي يجمع الأموال من العملاء يظهر وكأنه هو المضارب بنفسه، مع أنه ليس إلا مجرد وكيل لسمسار آخر. فإذا وقع أي خلل كان العميل غير قادر على الوصول بأي سبيل لحقه في الضمان.


وقد ذهب لمنع التعامل في الفوركس بعض المؤسسات الفقهية؛ كمجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة.
ولذا نرى تحريم معاملة الفوركس والمنع من الاشتراك فيها؛ لِمَا تشتمل عليه ممارستها من مخاطر على العملاء والدول.