أكّد متخصصون في علم التاريخ أنّ تدوين وتوثيق وكتابة التاريخ في عصر الرقمنة والتكنولوجيا، تحتاج إلى دقة وموثوقيّة وأمانة أكثر من أي وقت مضى، مشيرين إلى أنّه في الوقت الذي تعتبر فيه المتاحف بأنواعها التقليدية أو الرقمية أداة رئيسيّة في توثيق التاريخ، فلا يُمكن الاستغناء عن الذاكرة الذهنيّة في نقل هذا التاريخ كما يجب، لافتين إلى أنّ السؤال الجدلي «من يكتب التاريخ؟» سيبقى محل خلاف بفعل اختلاف الأجندات والمصالح والأمانة في نقل الأحداث كما حصلت.
هذا ما تمحورت حوله ندوة «كتابة التاريخ في العصر الرقمي» التي استضافها معرض الشارقة الدولي للكتاب، حيث استضافت الجلسة كلاً من شيخة الجابري، الباحثة والكاتبة الإماراتيّة، وكريستيان غريكو، عالم المصريات الإيطالي، وأدارت الجلسة الإعلامية إيمان اليوسف.
وقالت شيخة الجابري: «مهمة كتابة التاريخ حسّاسة وخطيرة جداً، فالتساؤل دائماً يكمن حول هل يُكتب هذا التاريخ على حقيقته، أم أنّ هناك اعتبارات بغض النظر عن طبيعتها؟، لهذا كان اهتمام دولة الإمارات بهذه القضيّة منذ البداية، حيث عمل المغفور له الشيخ زايد رحمه الله على تأسيس متحف في مدينة العين حتى قبل قيام الاتحاد، ليعمل على توثيق تاريخ الإمارات والمنطقة على حقيقته، فالإمارات ومنطقة الخليج بشكل عام شهدت حضارات مختلفة ومتعددة غائرة في التاريخ، ولذلك نحن نفخر اليوم بتاريخ دولتنا وما تحمله من إرث وثقل يستند إلى جذور راسخة تنقلها بأمانة إلى أجيال المستقبل».
توثيق التاريخ
وأضافت: «في هذا العصر الذي يشهد تغيرات تكنولوجية وتقنيّة هائلة، من الأهميّة بمكان أن نعمل على بناء وتأسيس أجيال شابة ويافعة تحمل محتوى تاريخياً نغذّيه بأمانة ومهنيّة، حتى يكون قادراً على توثيق الحاضر وحفظ الماضي، ويصبح مُخوّلاً بالتعامل مع عصر الرقمنة وهو على أتمّ الاستعداد لذلك. لا بدّ لأجيالنا أن تعي ما هو التاريخ، ومدى أهميته في بناء الحاضر والمستقبل، لأنّه لا يُمكن أن نعتمد فقط على المتاحف في حفظ هذا التاريخ وتوثيقه، حتى لو كانت متاحف رقميّة، فكل هذه الأدوات في نهاية المطاف تلجأ إلى الذاكرة الذهنيّة إذا أرادت أن تكتب فعلاً بأمانة ودقة».
بدوره قال كريستيان غريكو: «في الوقت الذي تعدّ فيه المتاحف والمكتبات أدوات فعّالة لحفظ التاريخ، أرى أنّه لا بدّ من تعزيز الاستثمارات العامة في ترسيخ هذا التوجّه بعيداً عن الشركات التجاريّة التي لديها اعتباراتها الخاصة. وانطلاقاً من مجال عملي كعالم مصريّات، أستطيع أن أشاهد حجم التوثيق والحفظ الذي تمكّنت من خلاله المتاحف وحتى المقابر المصريّة القديمة من حفظ التاريخ الموثّق فيها، وأصبحنا نستطيع أن نقرأ من خلالها ما كتبه الملوك القدامى، ولذلك أوروبا اليوم تضمّ أكثر من 18 ألف متحف، كما أن هنا في الشارقة تجربة رائعة جداً في هذا المجال، بما تحويه من متاحف إسلاميّة متخصصة أو متاحف عامة».
وأضاف: «اليوم مع التطور التقني الذي نشهده، يُمكن كذلك للمتاحف الرقميّة أن تؤدي مهمة رائعة في حفظ التاريخ إذا ما تمّ تغذيتها بأمناء رقميين عن المحتوى، وكذلك مفهوم متاحف الميتافيرس يُمكن أن تشكّل ثورة هائلة في هذا المجال. وفي الوقت الذي تنتشر فيه المنصّات الفرديّة التي تتحدّث عن التاريخ وتنقله، فبالرغم من أهميتها، ولكن لا بدّ من معرفة ومتابعة المصادر التي تستند إليها والدقة والمنهج العلمي الذي تسير وفقه، وباعتقادي فإنّ ذلك يكمن بالأساس عبر توظيف الاستثمارات العامة التي تُعنى بتوثيق التاريخ بعيداً عن الأغراض التجاريّة».