مع مضي 7 أشهر على نشوب الحرب الروسية الأوكرانية، لا تلوح في الأفق أي بادرة على تسوية تُسكت المدافع، وفي مناخ يهيمن عليه التشاؤم ترتفع أسعار موارد الطاقة بإطراد نتيجه العقوبات الغربية المفروضة على قطاع الطاقة في روسيا.
التأميم .. الحل الذي حاربته أوروبا عشرات السنين
أصبحت دول القارة الأوروبية، وبالتحديد تلك الداعمة لأوكرانيا والتي تفرض عقوبات ضد روسيا الأكثر تضررًا من أزمة نقص موارد الطاقة وارتفاع أسعارها، لا سيما مع اقتراب شتاء لا يعرف الكثير من الأوروبيين كيف سيتجاوزونه دون تأمين ما يكفي من الطاقة لتشغيل شبكات التدفئة.
ولم تجد بعض حكومات أوروبا مفرًا من الاتجاه لتأميم شركات الطاقة، في محاولة لحمايتها من الانهيار والإفلاس، من خلال ضخ مليارات اليورو لشراء أو توسيع حصص الحكومات من ملكية تلك الشركات.
وربما تكمن المفارقة الساخرة في أن الحرب ضد روسيا (بمعناها الواسع لا العسكري فحسب) أجبرت دول أوروبا الرأسمالية على اتباع أكثر ما ترفضه الليبرالية الاقتصادية، وهو تدخل الحكومات في توجيه الاقتصاد، وبعبارة أخرى أصبحت دول الغرب الرأسمالي تفعل ما حاربت ضده وضد روسيا بسببه لعقود طويلة إبان الحرب الباردة، عندما كان الاتحاد السوفيتي السابق يتزعم الكتلة الاشتراكية والشيوعية، أي الأنظمة القائمة على التخطيط الاقتصادي المركزي وتحكم الدولة في النشاط الاقتصادي.
ولا نغفل أن هناك فارق كبير بالطبع بين التأميمات الثورية للدول الاشتراكية والشيوعية إبان الحرب الباردة، والتي كانت تعني الاستيلاء على المؤسسات الخاصة بالقوة ودون تعويض أصحابها في معظم الحالات، وبين التأميمات الأوروبية الحديثة في سياق أزمة الطاقة، والتي لا تزيد عن شراء أو توسيع حصص الحكومات في ملكية شركات بعينها لحمايتها من الانهيار، لكن جوهر التأميم يظل نقطة تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، وهو ما ترفضه الرأسمالية المتبناة على نطاق واسع في الغرب، إلا أن التجربة تبرهن من جديد على أن للضرورة أحكام.
ألمانيا.. تأميم يونيبر وشركات مملوكة لروسيا
أعطت الحكومة الألمانية اليوم الأربعاء الضوء الأخضر لتأميم شركة "يونيبر"، أكبر شركة مستوردة للغاز في البلاد، لتوسع تدخل الدولة في الصناعة ولمنع نقص الطاقة الناتج عن الحرب الروسية في أوكرانيا.
وتعتمد الصفقة مع "يونيبر" على حزمة إنقاذ تم الاتفاق عليها في يوليو وتتضمن زيادة في رأس المال بنحو 8 مليارات يورو ستمولها الحكومة. وكجزء من الاتفاقية، ستحصل الحكومة على حصة 99 في المائة في "يونيبر"، والتي كانت حتى الآن تحت سيطرة شركة "فورتوم" ومقرها فنلندا. وتمتلك الحكومة الفنلندية الحصة الأكبر في "فورتوم".
وتغطي شركة "يونيبر" حوالي 40% من احتياجات الغاز في ألمانيا، وقبل الحرب اشترت حوالي نصف غازها من روسيا. إلا أن خسائرها تضاعفت مع قيام الكرملين بقطع إمدادات الغاز الطبيعي عن الدول الأوروبية التي تدعم أوكرانيا. وارتفعت أسعار الوقود الضروري لتدفئة المنازل، وتوليد الكهرباء ومصانع الطاقة، مما أثار مخاوف من تراجع نشاط الأعمال والركود مع برودة الطقس.
وأشار وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك إلى أن الصفقة ضرورية بسبب الأهمية، التي تلعبها شركة "يونيبر" بمجال سوق الغاز الألمانية، ولكن لا تزال هذه الصفقة بحاجة إلى موافقة المفوضية الأوروبية. وللتدليل على أهمية شركة "يونيبر" لسوق الغاز الألماني قال هابيك إن الحكومة اختارت تأميم الشركة "من أجل ضمان أمن الإمدادات لألمانيا".
وفي خطوة مشابهة يوم الجمعة الماضي، أعلنت الحكومة الألمانية فرض وصايتها على ثلاث مصاف مملوكة لروسيا لضمان أمن الطاقة. وتم وضع شركتين تابعتين لشركة النفط الروسية العملاقة روسنفت تحت إدارة وكالة الشبكة الفيدرالية الألمانية.
وتمثل روسنفت نحو 12% من طاقة تكرير النفط في ألمانيا، وتستورد نفطا بما قيمته مئات الملايين اليوروهات شهريا، وفقا للحكومة التي قالت إن الوصاية كان من المقرر أن تستمر لستة أشهر في البداية.
وتم تكليف الشبكة الفيدرالية الألمانية بالوصاية على الفرع الألماني لشركة غازبروم في أبريل الماضي، وهو قرار قالت الحكومة إنه ضروري لتحقيق "النظام وفقا للشروط" في الشركة بعد أن قطعت الشركة الأم التي يسيطر عليها الكرملين العلاقات فجأة مع الفرع الألماني.
فرنسا.. تأميم أكبر شركة كهرباء في العالم
تخطط الحكومة الفرنسية للاستحواذ على شركة "إي دي إف"، التي تعد أكبر شركة لإنتاج وتوريد الكهرباء في العالم بحلول نهاية هذا الشهر. وحالياً، تمتلك الحكومة الفرنسية 83.9% من رأس مال الشركة.
وكان مسئولون فرنسيون قد أعلنوا في وقت سابق عزم الحكومة شراء الحصة المتبقية في شركة الطاقة العملاقة، إلا أن الخطة تأجلت بسبب تعقيد التفاصيل المالية للصفقة.
وقالت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن خطاب ألقته أمام البرلمان في يوليو: "يجب أن نمتلك السيطرة الكاملة على إنتاج الكهرباء وأدائها". وبعد إعلان بورن عن نية شراء الشركة، هددت جمعية من المساهمين في EDF بإمكانية اتخاذ إجراءات قانونية ضد الحكومة، حيث زعموا أن القرار يتحدى مصالح مساهمي الشركة الأقلية.
وتحاول الحكومة الفرنسية الاستحواذ على الحصة المتبقية من أسهم الشركة بسعر 12 يورو للسهم، وبتكلفة 9.7 مليار يورو، فيما يطالب عدد من مساهمي EDF بسعر عرض أعلى، بحجة أنه من غير العادل مطالبتهم بدفع فاتورة قرار حكومي لحماية المستهلكين من ارتفاع أسعار الطاقة، وهي السياسة التي تقدمت على أساسها EDF بمطالبة قانونية بـ 8.3 مليار يورو كتعويض من الدولة.