تعتبر دورة الحياة لدى الثدييات بسيطة جدا، فقط يمكن أخذ بويضة وإضافة الحيوانات المنوية والانتظار، لكن بحث جديد يظهران أن هناك طريقة أخرى لتحقيق تلك الدورة في ظل توفير الظروف المناسبة حيث يمكن أن تنقسم الخلايا الجذعية وتنظم نفسها.
وبحسب ما ذكرته دراسة نشرت في مجلة “نيتشر” العلمية المتخصصة، أفادت مجموعتان من الباحثين أنهما طورا أجنة فئران اصطناعية، حيث نمت الأجنة لمدة 8.5 يومًا، وهي فترة كافية لتكوين أعضاء مميزة تشمل قلب نابض، وأنبوب أمعاء، وحتى طيات عصبية.
العملية بعيدة عن الإكتمال.
يطور جزء صغير فقط من الخلايا هذه الميزات وتلك التي لا تحاكي تمامًا الجنين الطبيعي، لكن العمل لا يزال يمثل تقدمًا كبيرًا سيساعد العلماء على رؤية تطور الأعضاء بتفاصيل غير مسبوقة.
ويقول جانبينج فو، وهو مهندس بيولوجي في جامعة ميتشيجان: 'هذا مثير جدًا جدًا، ومن المحتمل جدًا أن يكون الحدث التالي في هذا المجال هو جنين بشري يعتمد على الخلايا الجذعية الاصطناعية'.
وحقق الفريقان البحثيان الإنجاز باستخدام تقنيات مماثلة.
وتعمل الباحثة، مجدالينا زرينيكا جوتيز، عالمة الأحياء التنموية والخلايا الجذعية مع مختبرات في جامعة كامبريدج بالمملكة المتحدة، ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسادينا، على هذه المشكلة منذ عقد.
وتقول جوتز: 'لقد بدأنا بالخلايا الجذعية الجنينية فقط منذ سنوات.. يمكنهم تقليد المراحل المبكرة من التطوير، لكننا لم نتمكن من المضي قدمًا في ذلك سابقا".
وقبل بضع سنوات، اكتشف فريقها أنه عندما أضافوا الخلايا الجذعية التي تؤدي إلى ظهور المشيمة والكيس المحي، فإن أجنتهم تتطور بشكل أكبر.
وفي العام الماضي، أظهروا أنهم يستطيعون استخدام هذه التقنية لزراعة الأجنة حتى اليوم السابع.
وفي أحدث بحث لهم، نُشر المجلة، يصف فريق العالمة جوتيز، كيف نمت الأجنة لمدة 1.5 يومًا أخرى.
أجنة في زجاج
نفذ فريق جوتز ذلك بمساعدة تقنية طورها جاكوب حنا، عالم أحياء الخلايا الجذعية في معهد وايزمان للعلوم في إسرائيل، والذي يعمل أيضًا على حل هذه المشكلة منذ سنوات.
وفي العام الماضي، أفاد فريق حنا بأنهم طوروا جهازًا سمح لهم بزرع أجنة الفئران الطبيعية لفترة زمنية غير مسبوقة خارج الرحم.
هذه الحاضنة، التي أبقت الأجنة مستمرة من اليوم الخامس إلى اليوم الحادي عشر، تأخذ جوانب تقنية سابقة - حيث توجد الأجنة في قوارير زجاجية تدور على نظام يشبه عجلة فيريس - وتضيف التهوية. ويتحكم نظام التهوية في خليط الأكسجين وثاني أكسيد الكربون الذي يدخل القوارير والضغط.
وبعد نشر بحث حنا العام الماضي، شارك فريقه جزءًا من حاضنتهم مع علماء أحياء آخرين في مجال النمو والخلايا الجذعية.
ويقول فريق البحث، الذين قاموا بتعديلها قليلاً من أجل تجاربهم: 'لقد شاركنا دماغ هذه الآلة مع كل من طلبها'.
وفي ورقة بحثية نُشرت في 1 أغسطس، يصف فريق حنا، كيف استخدموا النظام أيضًا لتنمية الأجنة لمدة 8.5 يومًا، ويبلغ الحمل الكامل في الفئران حوالي 20 يومًا.
وهذه الفترة طويلة بما يكفي لتطور مناطق الدماغ، ويبدأ القلب في النبض، وتتكون الأنابيب العصبية والأمعاء.
يقول حنا إن هذه الأجنة الاصطناعية تشبه إلى حد كبير الأجنة الطبيعية التي تتكون عندما تلتقي الحيوانات المنوية بالفأر بالبويضة، لكنها 'لم تكن متطابقة بنسبة 100٪'. 'يمكنك رؤية بعض العيوب وبعض التغييرات في حجم العضو.'
تنمية الدماغ
أجرى فريق العالمة زرينيكا، أيضًا تجربة قاموا فيها بإخراج جين يسمى Pax6 ، والذي يلعب دورًا رئيسيًا في نمو الدماغ، وعندما أزالوا هذا الجين، لم تتطور رؤوس الفئران بشكل صحيح، محاكية ما يحدث في الأجنة الطبيعية التي تفتقر إلى هذا الجين، وتظهر النتيجة 'أن النظام يعمل بالفعل' ، كما تقول زيرنيكا.
ويقول مارتن بيرا، عالم أحياء الخلايا الجذعية في مركز مختبر جاكسون للوراثة الدقيقة في بار هاربور بولاية مين، إن هاتين الورقتين تقويان بعضهما البعض.
وأضاف: يمكن لمجموعتين ماهرتين جدًا أن تسفر عن نتائج متشابهة إلى حد ما بشكل مستقل.
بالنسبة للباحثين، تتمتع هذه النماذج الاصطناعية بالعديد من المزايا مقارنة بالأجنة الطبيعية التي تم إنشاؤها من البويضات والحيوانات المنوية، لأنها تنمو خارج الرحم، ويسهل ملاحظتها، كما أنه من الأسهل معالجتها باستخدام أدوات تعديل الجينوم.
يقول فو: 'يمكننا التشويش، ويمكننا التلاعب ويمكننا القضاء على كل جرثومة ممكنة من الفئران أو الجينات البشرية'.
يمكن أن يجعلها مفيدة للكشف عن دور الجينات المختلفة في العيوب الخلقية أو اضطرابات النمو.
ويأمل حنا في استخدام هذه التقنية لتطوير أجنة بشرية اصطناعية يمكن أن تكون مصدرًا لأعضاء وأنسجة جديدة للأشخاص الذين يحتاجون إليها.
ماذا عن البشر؟
لكن ترجمة هذا العمل إلى البشر لن يكون سهلاً، فقد قام الباحثون بتكييف الخلايا الجذعية البشرية لتصبح كيسات أريمية وحتى لتقليد بعض جوانب تنظيم المعدة - عندما يتشكل الجنين المبكر في طبقات مميزة تتكون من أنواع مختلفة من الخلايا، لكن الوصول إلى مرحلة تكوين الأعضاء في الخلايا البشرية، والتي تحدث بعد حوالي شهر من الإخصاب، يمثل تحديًا تقنيًا كبيرًا.
ولا يزال علي بريفانلو، عالم الأحياء التطورية بجامعة روكفلر في نيويورك، متفائلاً في هذا الشأن. 'الحقل ليس بعيدًا جدًا.'
وكلما تقدمت هذه الأجنة، زادت المخاوف الأخلاقية، حيث أحد الأسئلة الرئيسية هو ما إذا كان ينبغي اعتبار هذه الهياكل الاصطناعية أجنة، وهي نقطة نقاش في هذا المجال، و لطالما نصحت الجمعية الدولية لأبحاث الخلايا الجذعية بعدم زراعة الأجنة البشرية بعد اليوم الرابع عشر (أي ما يعادل اليوم السادس على الفئران) - تقريبًا عندما تظهر 'شريحة اللحم البدائية'، وهي البنية التي تمثل بداية عملية المعدة.
وفي عام 2021، ألغت الجمعية الحد، وأصدرت إرشادات إخبارية تقول إن مثل هذا البحث يجب أن يكون له أساس علمي مقنع، ويجب أن يستخدم الحد الأدنى من الأجنة اللازمة لتحقيق الهدف العلمي.
ومع ذلك، يرى بيرا أن هناك حاجة إلى حوار مستمر حول أخلاقيات مثل هذه النماذج، وكان الباحثون يعملون على نماذج الأجنة البشرية لسنوات دون معارضة كبيرة، لكنه يشعر بالقلق من رد الفعل العكسي عندما يبدأ الباحثون في تطوير نماذج أجنة بشرية تبدأ في تطوير الأعضاء.
رد الفعل على ذلك يمكن أن يعرض للخطر هذا المجال البحثي برمته، كما يقول بيرا: 'من المهم أن يعرف الناس ما يتم اقتراحه وأن يتم ذلك مع نوع من الإجماع الأخلاقي.. علينا أن نتحلى بحذر.