الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حواس يحكي ذكرياته داخل القاهرة الخديوية رفقة صديقه نور الشريف|عروض كتب

صدى البلد

خلال كتابه الأخير "الحارس" الصادر عن دار نهضة مصر، يحكي الدكتور زاهي حواس وزير الآثار المصري السابق وعالم الآثارالشهير سيرته الذاتية وكذلك التحولات الكبرى التي عاشها طوال رحلته الطويلة مع الآثار.

يبدأ حواس الفصل الأول من كتابه الذي حمل عنوان "الهروب من الآثار" بجملة افتتاحية يقول فيها :أبدًا لم تكن الآثار مساري الذي سعيت لهُ.. بل جاء غرامها قدرًا".، وخلال هذا الفصل يحكي حواس عن هذا المقدر وعن مغامراته الطويلة التي قادته في النهاية للآثار، إذ التحق بالوظيفة الحكومية وكان عمره وقتها 21 سنة “كان مسماي الوظيفي «مفتش آثار مساعد بمصلحة الآثار» التابعة لوزارة الثقافة. وكانت المصلحة تقع خلف المتحف المصري مباشرة، وعلى جانبها كان هناك مبنى مركز تسجيل الآثار، وقد أزيلت هذه المباني منذ سنوات”. 



محاولات فاشلة!



يضيف حواس: قبل بدء العمل منحونا برنامجًا تدريبيًا، وكان لكل العاملين في وزارة الثقافة، وضم العاملين بالمسرح ومؤسسة السينما والثقافة الجماهيرية والآثار. أما مقر التدريـب فكان في نقابة الصحفيين، وقـد أصبح بعض ممن رافقوني في التدريب مـن نجوم المجتمع فيها بعد، ومنهم «نور الشريف» و«عبد العزيز مخيون». وكان التدريـب عبـارة عن محاضرات في جميع مجالات الثقافة والسياسـة وفـروع العلم المتعددة على يد نخبة من الشخصيات اللامعة في تلك المجالات. وقتهـا لم يكـن لـدي مكان مستقل لأقيم فيه، فسكنت مع طلاب من بلدتي يعملون في القاهرة في منطقة تعرف باسم «أبو قتادة» بالقرب من جامعة القاهرة. وكانت هذه الفترة مهمة جدا في حياتي، فقد بدأت التعرف على القاهرة والذهاب إلى العديد من الأماكن الأثرية فيها. وكان راتبي كغيري من موظفي الحكومة لا يتجاوز 17 جنيهـا. وكان أجمل الأوقات عندما ألتقي أصدقائي، ثم نمشي في شوارع وسط القاهرة الخديوية تبهر عيوننا مبانيها بنظامها المعماري والهندسي الذي منح شوارع تلك المنطقة لمسات أوروبية واضحة خلدت اسم «الخديوي إسماعيل في سجل بناء مصر الحديثة، وقد اعتبر المصريون تلك المنطقة قلب القاهرة وبخاصة أنها حوت أماكن رائعة للجلوس فيها. مثل مقهى ريش، وجروبي عدلي وسليان باشا، والإكسلسيور، وغيرها من الأماكن التي أتمنى عـودة رونقها مع تطوير القاهرة الخديوية. كما كنا نرتاد السينما، ونتجمع لتناول الطعام في مطاعم الحسين، ويبهرنا زميلنا «نور الشريف» لأنه الوحيد المشهور بيننا، حيث شارك وقتها في مسلسل القاهرة والناس، وكان يستعد لأداء دوره في فيلم «قصر الشوق» المأخوذ عن رواية الأديب المصري العالمي «نجيب محفوظ». بعد انتهاء فترة التدريب توجهت إلى مصلحة الآثار، وكان معي بعض العاملين في الدفعـة، وفي اليـوم الأول وقفـت لـكـي أوقـع في دفتر الحضور والانصراف، فوجدت موظفا كبيرا في السـن يقف ومعـه ورقة وقلم يكتب فيها شيئا لم أتبينه، فسألته عما يكتب، فقال: «أكتب اسم الشخص الذي وقع بدلًا مـن زميله ، فقد أحتاج له في المستقبل»!! ذهـلـتُ مـن إجابته فهو فكر لا يتسق مع الأخلاق أو الضمير أو سـن الرجل. ولا أعرف لماذا شعرت يومها بالرغبة في ترك مصلحة الآثار لأنها ليست مكاني. وقررت أن أبحث عن مكان آخـر، فطرقت كل الأبواب للانتداب لهيئة المسرح. كانت مصر في ذلك الوقت تشهد نهضة مسرحية وسينمائية جعلتها درة الشرق الأوسط في فـن التمثيل؛ فمسرح الدولة يعرض مسرحيات شـديدة الجاذبية وعميقة الفكر حتى الكوميدي منها، والسينـا تقـدم روائعها بأعمال كبار أثروا الحياة الفنية. ولكنني فشلت بالعمل بالمسرح، ففكرت بالعمل في العمل بالسياحة، وحاول كثير من أقارب بالقاهرة مساعدتي، ولكن باءت محاولاتهم بالفشل".

 


أهم دبلوماسي مصري



يحكي حواس عن الظروف الصعبة التي عاشها في بداية حياته العملية  إذ كان يرغب في الالتحاق بالسلك الدبلوماسي ووزارة الخارجية "كانت كل الظروف والملابسات تبعدني عن الآثار والعمل فيها، وباتت تمثل لي بعبعا لا أريـد الاقتراب منه على الإطلاق. حتى وجدت إعلانـا في الصحف عن مسابقة اختيار دبلوماسيين للعمل بوزارة الخارجية، فقلت لنفسي إن هذا أنسب شيء بالنسبة لي، وذهبت للقاء بعض الدبلوماسيين الذين أعرفهم بالوزارة لمساعدتي، وكان منهـم السـفير «بدير الغمراوي» و«علي فخري» ابـن عالم الآثار المعروف «أحمد فخري» وغيرهما؛ فنصحاني بالقراءة في كل التخصصات وفي علم السياسة والدبلوماسية والعلاقات الخارجية. وبالفعـل بـدأت في قراءة الكتب في مجالات مختلفة ومتنوعة، مثل السياسة الخارجية وإفريقيا والقانـون الـدولي وغيرهـا مـن الموضوعات التي يتضمنها الامتحان التحريري. ودخلت الامتحان وحدث يومها موقف لا يمكن نسيانه؛ كانت هناك طالبة بدا للجميع اهتمام لجنة الامتحان بها ومحاولة مساعدتها بين الحين والآخـر في أداء الامتحان، وقد كان ذلك واضحا وكنا جميعا نشعر بالاستياء من ذلك، وفجـأة قام طالب من مقعده ومد يده بورقته للمراقب لتسليمها وقد ظهر عليه الضيق مما يحدث ، ثم قال - بصوت عال سمعناه جميعا – لرئيس اللجنة: «أنا عايز أقول لحضرتك بيت شعر شهير جدًا: يا بلد فيكي حاجة محيراني.. نزرع القمح في سنين.. يطلع القرع في ثواني". أنهيت الامتحان التحريري وظهرت النتيجة بنجاحي فيه وانتظرت موعد الامتحان الشفهي وأنا أدعـو الله أن يوفقني في الخارجية وكان زملائي جميعهم يتحدثـون عـن أهمـيـة الـواسـطة في النجاح في ذلك الامتحان. وقتها كان وزير الخارجيـة دكـتـور «مراد غالب»، وهو إنسـان طـيـب للغاية وكان زميلا لابن عم والدي الدكتور «أحمد رياض» ، فكلمت عمي الآخر اللواء «محمود رياض» – وقد كان ضابطا بالجيش – وأخذني وذهبنا لمنزل شقيقه الدكتـور «أحمد رياض» لكي يتوسط لي عند وزير الخارجية «مراد غالب»، وقبل الامتحان الشفهي بأيام قليلة أقيل مراد غالب من منصبه وعين مكانه دكتور «حسن الزيات»، وكنا نعرفه جيدًا هو الآخر فهو من بلدة شرباص المجاورة لبلدتي، ولكن كانت هناك صعوبة في الاتصال به، ولذلك فقد دخلت الامتحان الشفهي معتمدا على الله، وعلى قدراتي ومذاكرتي. تشكلت لجنة الامتحان مـن العديد من رجال السياسة والاقتصاد ومعهـم أحد السفراء بالخارجية وكان ضابط جيش ونقـل إلى وزارة الخارجية، فسألني سؤالًا غريبًا لا زلت أذكره وهـو: ما علاقة الآثار بالخارجية؟ وشعرت بالحنق من سؤاله، وأدركت أنه سيتم استبعادي فأجبته بقولي: «حضرتك ضابط فما هي علاقة ذلك بالعمل بوزارة الخارجية ؟». وهكذا انتهت محاولتي للالتحاق بالسلك الدبلوماسي، ولكنني أذكر أنني وبعد سنوات طويلة وبعد أن بات اسمي معروفـا في عالم الآثار على المستوى العالمي، كنت ألقي محاضرة في «دالاس» بالولايات المتحدة الأمريكية على هامش معرض لمقتنيات الملك «رمسيس الثاني»، وجاء قنصل مـصر العام في ولاية «هيوستن» لحضـور المعرض وتقديمي للجمهـور الحـاضر في المحاضرة. كان القنصـل هو السفير «بدير الغمراوي» وحكـي للحضور في أثناء تقديمه لي عـن لقائه بي قبل الامتحان التحريري للخارجية ومحاولتي الالتحاق بالعمل الدبلوماسي وفشلي في ذلك وكنت قد نسيت هـذه الأيام، ثم قال لهـم بـود وتقدير: «لقد أصبح دكتور زاهي حواس من الآن أهم دبلوماسي مصري".