خلال الأسبوع الماضي قدمت مؤسسة كلوني الخيرية في واشنطن نتائج تحقيق قامت به، إذ خلصت نتائجه لوجود روابط بين شراء الأعمال المنهوبة وتمويل المنظمات الإرهابية والجماعات المسلحة، لا سيما في العراق وسوريا وليبيا واليمن، فهذه المبادرة هي أحد المشاريع التي أطلقتها مؤسسة كلوني للعدالة، والتي أنشأها ممثل هوليوود وزوجته المحامية أمل كلوني. ويهدف التقرير الذي نشرته "ذا دوكيت"، وهو ضمن أحد المبادرات التي أطلقتها المؤسسة، لتعزيز الملاحقات الجنائية ضد مختلف اللاعبين في هذا السوق غير القانوني، فقد أشار التقرير الذي حصلت عليه "صدى البلد" إلى وجود شبكة دولية عالية التنظيم، يستفيد ممثلوها - على وجه الخصوص - من الثغرات القانونية والاختلافات في التشريعات بين البلدان لتحقيق الازدهار المالي، مع الإفلات التام من العقاب.
تطرق التقرير إلي أنه حتى الآن لم تمنع السياسات والإجراءات التنظيمية وكذلك الإجراءات القانونية التي تركز على الانتهاكات الجمركية أو التهرب الضريبي، فكرة التجارة غير المشروعة في الآثار المنهوبة. فهناك إجماع متزايد على أن الملاحقات الجنائية فقط للمتعاملين في السوق - والتي من شأنها أن تكشف علاقتهم ودورهم في ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وتمويل الإرهاب - ستضع حدًا للأعمال غير القانونية في نهاية المطاف، وتمنع المزيد من نهب وتدمير التراث الثقافي، وتحقيق الإنصاف الذي تشتد الحاجة إليه للمجتمعات المتضررة.
ممرات العبور
قامت مؤسسة كلوني بتجميع معلومات مفصلة عن أكثر من 300 حالة نهب على مدى العقد الماضي في سوريا أو العراق وليبيا وكذلك اليمن، وقد شملت جماعات ومليشيات إرهابية، منها القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وكذلك أنصار الشريعة وجبهة النصرة. فقد أوضح التقرير أنه في سوريا نُهبت عشرات الآلاف القطع الأثرية من المواقع الأثرية وسرق ما لا يقل عن 40 ألفًا من المتاحف، وفي العراق، نهب تنظيم الدولة الإسلامية مدينة الموصل، بما في ذلك الجامعات والمكتبات والمتاحف والعديد من المواقع الأثرية، أما في اليمن، فقد سُرق حوالي 12000 قطعة من متحف ذمار و120 ألف قطعة من متحف صنعاء الوطني.
ومن بين الجماعات المختلفة التي حددها التقرير، فإن تنظيم "داعش" هو الذي احترف عمليات تهريب الآثار إلى أبعد مدى، إذ اعتبر التنظيم أن عمليات بيع الآثار هي مصدر التمويل الثالث بعد تهريب النفط وعمليات الخطف. حتى أنه كان لدى التنظيم كيانًا مخصصًا مسؤولاً عن إصدار تصاريح النهب وفرض الضرائب على العناصر المكتشفة في المناطق الخاضعة لسيطرته.
جرائم ضد الإنسانية
ويوضح التقرير مدى تعقيد عمليات النهب التي قام بها تنظيم داعش الإرهابي، إذ سلكا القطع الأثرية المنهوبة طرقًا معقدة للوصول إلى بلدان السوق، في أوروبا والولايات المتحدة. فالأشياء المنهوبة في العراق وسوريا تمر بشكل أساسي عبر تركيا ولبنان، بينما الأشياء المنهوبة من ليبيا كانت تتم عبر مصر وتونس، بينما تمر الأشياء المسروقة من اليمن عبر الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر.
ويشير إلى أن عمليات نهب الممتلكات الثقافية وتدميرها تعد من جرائم "الحرب" بموجب القانون الدولي والقوانين المحلية للدول الأوروبية. بالإضافة إلى كونه جريمة بحد ذاته، غالبًا ما يكون النهب جزءًا من نمط أوسع للجريمة ومصدر دخل مكّن داعش والجماعات المسلحة الأخرى من ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية.
مليشيات مسلحة
القضية الأكثر دلالة على ذلك هي قضية تاجر برشلونة خاومي باغوت، الذي حوكم في إسبانيا بتهمة "تمويل الإرهاب" بعد بيعه أشياء مسروقة من منطقة برقة، حيث اندلع القتال الأول هناك في بداية الصراع الليبي، وقد وقعت المنطقة بسرعة تحت سيطرة المليشيات المسلحة والجماعات الجهادية، بما في ذلك أنصار الشريعة التابعة لتنظيم القاعدة، فهذه القضية- غير المسبوقة -، التي ستتم محاكمته عليها قريبًا في إسبانيا، لها صدى مباشر على التحقيق الواسع الذي يجريه حاليًا قاضي التحقيق الباريسي جان ميشيل جنتيل، إذ تم بالفعل إرسال العديد من صور الأشياء المنهوبة في منطقة برقة إلى أحد المشتبه بهم الرئيسيين في القضية، وهو التاجر الألماني اللبناني روبن ديب، المسجون في فرنسا منذ مطلع العام الجاري.
وقد تم التعرف على العشرات من هذه القطع خلال الإجراءات القانونية، فقد تبين سرقة اثنتين منها من متحف ليبي قبل عرضها في الساحة الباريسية وهما: تمثال نصفي من الرخام ونقش بارز باعه دار مزادات بيير بيرجي وشركاؤها، وقد وجهت إليهم تهم غسيل الأموال، وهي الأشياء التي تم تقييمها سابقًا من قبل المتخصص في علم آثار البحر الأبيض المتوسط، كريستوف كونيكي، الذي تم اتهامه أيضًا في هذه القضية ببيع آثار مصرية استثنائية لمتاحف دولية كبرى، ولا سيما متحف اللوفر أبوظبي.
قبل بيع تلك القطع في السوق الفني، يتم تخزين بعض هذه القطع داخل الموانئ الحرة، وهي مناطق معفاة من الرسوم الجمركية التي تلعب دورًا رئيسيًا في الهيكل العام لحركة المرورداخل أوروبا، وفي نهاية السلسلة، يتم إعادة بيع هذه القطع في صالات العرض الراسخة أو من قبل دور المزادات المرموقة، مثل بير بيرجيه.
أوصاف مضللة
وقد أوضح التقرير كذلك أنه يتم استخدام عدد من الأساليب لتجنب عمليات التفتيش الجمركي وإخفاء الطبيعة غير المشروعة للقطع الأثرية، ومنها: تقديم إعلان كاذب عن قيمة الشحنة (أقل من القيمة السوقية)؛ إعلان كاذب عن بلد منشأ الشحنة (بلد العبور وليس بلد المصدر)، تقديم أوصاف غامضة ومضللة لمحتويات الشحنة، تقسيم كائن كبير واحد إلى عدة قطع أصغر مع البدء في عمليات تسليم منفصلة؛ مما يسمح بالدخول غير الرسمي وإعادة التجميع لاحقًا بعد الاستلام، "توجيه شحنة إلى طرف ثالث، مذكورًا بشكل خاطئ باعتباره المرسل إليه، ونقله لاحقًا إلى المشتري الفعلي، أو إخفاء الآثار في شحنات البضائع التجارية المشروعة، أو توجيه الشحنات إلى عدة عناوين مختلفة ليستلمها مشتر واحد في النهاية.
كما يتم حفظ القطع الأثرية داخل الموانئ الدولية في مستودعات معفاة من الضرائب تم إنشاؤها للاحتفاظ المؤقت بالسلع المصنعة - وهي تلعب دورًا مهمًا في الاتجار الدولي بالآثار المنهوبة. إذ يمكن الاحتفاظ بالآثار التي نشأت من أي بلد لفترة غير محدودة وبأقل تكلفة حتى يتم طرحها في السوق، ويشير التقرير إلى أن سويسرا باتت ملاذًا آمنا لتلك الممارسات إذ يتم تخزين الكثير من القطع الأثرية المهربة من البلدان التي تعرضت لاضطرابات سياسية لحين بيعها في السوق الدولي.
فيسبوك!
أشار التقرير في نهايته إلى "انفجار" السوق على الإنترنت، إذ تُقدم العديد من المنصات أشياء ذات منشأ مشكوك فيه مثل "فيسبوك"، حيث يتم إدارة مجموعات معينة مخصصة لبيع القطع الأثرية من قبل أفراد لديهم صلات مثبتة بالجماعات الإرهابي فخلال العقد الماضي، أصبحت تجارة الآثار غير القانونية أيضًا بارزة عبر الإنترنت لا سيما من خلال المزادات عبر الإنترنت ومواقع التجارة الإلكترونية، وكذلك من خلال منصات وسائل التواصل الاجتماعي.
وأضاف التقرير إلى أن فيسبوك بات يحوي عشرات المجموعات الإرهابية التي تساند تلك التجارة الواسعة. كما أن هناك منصات أخرى يُزعم أنها تُستخدم في التجارة بالآثار غير المشروعة تشمل Instagram وSkype وWhatsApp، كما أن هناك المئات من القطع الأثرية أيضًا تباع في المزادات عبر الإنترنت مثل Ebay وVcoins.com وTrocadero.com وغيرها، حيث تتجاوز المبيعات السنوية للآثار بكثير مبيعات دور المزادات غير المتصلة بالإنترنت.