تحل اليوم ذكرى رحيل الكاتب الصحفي الكبير رجاء النقاش، والذي رحل عن عالمنا في الثامن من فبراير سنة ٢٠٠٨ بعد مسيرة عطاء طويلة، قدم من خلالها الكثير من الرؤى التي أثرت الثقافة العربية بشكل كبير خاصة في النصف الثاني من القرن العشرين.
حياة مبكرة
أحب رجاء النقاش منذ طفولته اللغة العربية، وحين جاءت مرحلة "الاختيار" قرر أن يلتحق بهذا الحلم، إذ التحق بكلية الآداب جامعة القاهرة، فقد رسم لنفسه هدفا وهو أن يصبح أستاذا بالكلية، وكانت تشجعه على هذا الحلم الدكتورة سهير القلماوي، إذ إنه بعد تخرجه من الكلية، بدأ الإعداد للرسالة الماجستير والتي سجل بالفعل أطروحته للرسالة، لكن سرعان ما جذبته الصحافة، ومدت إليه يدها، فذهب إليها إلى غير رجعة، وكأن "النداهة" قد سحبته من بعيد لتلقيه في جُب "صاحبة الجلالة" والتحق رجاء النقاش في البداية بمجلة روز اليوسف محررا لمدة ثلاثة أعوام عام 1959 وانتقل إلى أخبار اليوم محررا أدبيا لمدة ثلاث سنوات أخرى، ورأس تحرير مجلات الكواكب، الهلال، الإذاعة والتليفزيون، الشباب، وفى بداية الثمانينات سافر إلى قطر رئيسا لتحرير مجلة الدوحة وعاد إلى مصر بعد إغلاقها عام 1986 ليعمل كاتبا صحفيا متفرغا بجريدة الأهرام.
ذوق رفيع
ورغم أن العمل الصحفي بالطبع قد أخذه بعيدا عن تحقيق ما كان يتمناه، نظرا لعبقريته وقدرته الصحفية الفذة، إلا إنه قد أثرى الصحافة المصرية والعربية بموضوعاته الثرية وكان له دور نقدي كبير خلال مراحل حياته، فهذا الدور الذي لعبه النقاش لا يمكن أن يقل عن دور كبار الأكاديميين فى مجال النقد والأدب، فقد ساعدنه معرفته الموسوعية في تقديم الكثير من الرؤى والأطروحات في الكثير من مجالات الحياة، واستطاع ببساطته هذه أن يجذب الكثير من القراء والمتابعين لكتابته منذ البداية، إذ كان لديه ذوق رفيع، وحس صادق، دائما ما انعكس على كتاباته، واستطاع أن يجذب القارئ العربي للعديد من الكتاب، ولعل أبرزهم الروائي السوداني الأشهر "الطيب صالح" فقد روايته «موسم الهجرة إلى الشمال» إذ ذكر حينها وقال إن القاري العربي أمام عبقرية جديدة، كما قدم الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى وكتب مقدمة ديوانه الأول (مدينة بلا قلب) وعرفنا بشعراء الأرض المحتلة محمود درويش وسميح القاسم وغيرهما من المبدعين.
جوهر الأدب
ثمت تحولات دائما ما تحيط الإنسان خلال حياته، إذ لم تسير حياة رجاء النقاش على منوال واحد، فقد توترت علاقته بالقائمين على الشأن الثقافى، وحينها فضل الابتعاد وقرر أن يذهب للخليج، وهناك أسهم فى إنشاء جريدة «الراية» القطرية، وكان أول مدير لتحريرها ثم رأس تحرير مجلة «الدوحة» من1981حتى 1986، وأصبحت فى عهده ذات إطلالة مميزة جعلتها من أهم المجلات الثقافية العربية، لكنه لم يسلم من أعداء الاستنارة هناك، وعاد الى القاهرة، وعمل فى دار الهلال وكتب فى كل إصداراتها، ومنذ 1995عمل كاتبا متفرغا فى صحيفة «الأهرام» حتى آخر أيام حياته، وأبدع فى سنواته الأخيرة أهم مقالاته ومؤلفاته، منها كتاب (ثلاثون عامًا مع الشعر والشعراء) دافع فيه عن الشعر، وكتب يقول إن الشعر أجمل الفنون وأرقاها والشعر هو جوهر الأدب، كما إنه قد حاور أديب نوبل نجيب محفوظ، وقدم عبر سلسلة طويلة من الحوارات مع محفوظ سيرة ذاتية رصد من خلالها أبرز التحولات التي مرّبها محفوظ خلاله حياته.