تحل اليوم ذكرى وفاة الكاتبة البريطانية درويس ليسنغ الحاصلة على جائزة نوبل في الآداب عام ٢٠٠٧. ظلت ليسنغ طوال حياتها مناصرة للشيوعية ورافضة لسياسة التمييز العرقي العنصري التي مارستها أوروبا ضد الدول الأفريقية.
انتقلت درويس ليسنغ خلال حياتها لعدة بلدان مختلفة الأمر الذي أثرى تجربتها الإبداعية بشكل كبير، فقد كانت دائما ما تتحدث عن الأحداث والمشاكل التي مرت بها الكثير من بلدان العالم، لذلك دار هذا الحوار التالي الذي أجرى مباشرة بعد أن حصلت على جائزة نوبل للآداب.
-هل غيرت جائزة نوبل شيئًا في حياتك؟
لا، لاشيء، بالأحرى نعم، لم أعد أعمل منذ حصولي عليها، لكنني لم أستطع التنقل إلى استوكهولم لتسلمها فأرسلت ابنتي وأحفادي بسبب مشاكل صحية. وبقيت هنا ومنذ ذلك الوقت لا أفعل أي شيء سوى حوارات والتقاط صور لصالح بعض الصحفيين. يجب أن اهتم بالبيت وأن أعتني بحفيدي وإذا حصلت على ساعتين في الأسبوع للكتابة أكون سعيدة جدا.
أفكر بهدوء
-وما هو إيقاعك المعتاد في الكتابة؟
عشت مراحل مختلفة في حياتي، كنت في وقت من الأوقات أكتب يوميا. أكتب من الثامنة صباحا إلى منتصف النهار، ثم أواصل ما بعد الظهيرة. غير أن هذا كان فيما مضى.
-هل تعتقدين أن الجائزة غيرت طريقة كتابتك؟
ليس لمن في مثل عمري. ليس بمقدوري الآن أن أغير أي شيء.
-يقولون أنك بدأت الكتابة في عمر الثامنة..
نعم شيء كهذا، أو بالأحرى في السابعة، كان بالطبع نصًا صغيرا حول الغروب. وقد نشر في جريدة صغيرة كانت تصدر بروديسيا، لكنه كان نص طفلة وليس نصا أدبيا ومنذ ذلك العهد وأنا أكتب كلما سنحت لي فرصة لذلك.
-إذا وما هو العمر الذي قررتب فيه فعلا أن تصبحي كاتبة؟
الأمر تم عبر عدة مراحل، كنت في الخامسة والعشرين عندما كتبت أول رواية.
-كيف تأتيك فكرة كتاب، تلقائيا أم أنك تلحين عليها مدة طويلة؟
لا، لا أحتاج إلى البحث كنت دائماً أعرف ما سأكتبه فيما بعد، عندما أنتهي من كتاب أعرف سلفا ما علي كتابته فيما بعد، لكنني لا أبدأ في الحال، فلست من الكتاب الذين ينتهون من كتابة كتاب الثلاثاء ليبدؤوا آخر يوم الأربعاء، أحب أن ينقضي بعض الوقت بين كتابة كتابين، ووقت أفكر فيه بهدوء في كتابي القادم.
-وكيف تكتبين؟ وهل تخططين لما ستكتبينه؟
أكتب مخطوطة أولى، والتي تكون دائماً قصيرة، ثم أكتب نسخة ثانية تكون دائماً أطول، بعد ذلك أرسلها لكتابتها عبر الآلة الكاتبة لكي تجعل منها نسخة جديدة لأنني أكتب عليها بطريقة سيئة وهذا يعني أننا أمام ثلاث صيغ لكي نصل في النهاية إلى الصيغة النهائية.
-في كتابك الأخير "ألفريد وإميلي" تعيدين كتابة التاريخ، لم هذا الاختيار ؟
أردت أن أحكي ما كانت عليه حياة والدي؟ لو أنهما لم يرحلا بسبب الحرب العالمية الثانية. رغبت أن أحرر بإخلاص وبساطة هذه الحرب التي تسببت لنا جميعا في خسائر كثيرة. تخيل معي عالما بدون تلك الحرب العالمية، لن تكون هناك ثورة روسية ولا اتحادا سوفيتيا، ولا إمبراطورية سوفييتية ولا هتلر ولا هلوكوست ولا حرب عالمية ثانية. كل شيء جاء مع حرب 1914.
-جربت تقريبا جميع الأشكال الأدبية: الخيال العلمي، الشعر، المسرح، هل تبدو لك الرواية كجنس أدبي يفرض عليك قيودا معينة؟
الأمر بسيط للغاية، عندما تكون لدي فكرة ينبغي أن أجد لها وسيطا للتعبير عنها، ما يليق بقصيدة لا يليق بالرواية. مسعاي ليس أن أقول لنفسي يجب أن تكتبي الآن رواية خيال علمي أو مجموعة شعرية، أحاول فقط أن أجد الشكل المناسب للتعبير عما أريد قوله، وإذا كانت كتبي تبدو مختلفة كثيرا فلأن لدي أشياء كثيرة أريد التعبير عنها. مثلا إذا أردت كتابة رواية تغطي ملايين السنين، لا يمكنك أن تبدأ هكذا: "يجلس فريدي في المطبخ، يحتسي فنجان شاي ثقيل" هذا لا يناسب، يجب أن تعثر على بداية أخرى.
-بعض الكتاب يؤكدون أن شخصياتهم تتمرد عليهم وتستقل بنفسها أثناء الكتابة. هل حدث معك الشيء نفسه؟
حدث هذا مرة واحدة في حياتي، كنت أكتب "الجنرال دان" فظهرت فجأة شخصية وفرضت نفسها علي، فتساءلت ماذا بمقدوري أن أفعل، وكما يحدث لجميع الكتاب، رأيت حلما، حلمت فيه بدان، بطل الرواية، يصادف كلبا وهو يغرق، فينطلق لإنقاذه، أطلقت على الكلب اسم "كلب الثلج" ثم أصبح شخصية مهمة جدا في الكتاب، إذ بواسطته عثرت على شكل الرواية النهائي. لم يسبق لي أن عشت هذا، لكنه حدث معي هكذا.
-هل تعتقدين أن على الكاتب أن يكتب كتابه كما لو أنه يكتب الكتاب الأول؟
في كل الأحوال هذا ما يحدث معي. خاصة وأنني أكتب كتبا كثيرة وفي أجناس متنوعة، وبالتالي، أجيب بالإيجاب، ففي كل مرة أبدأ كتابا كأنني أكتب الكتاب الأول.
-كيف تصنفين نفسك ككاتبة؟ هل أنت كاتبة تحكي الحكايات أم كاتبة ملتزمة كما نقول عندنا في فرنسا؟
تجيب درويس ليسنغ وتقول: لست كاتبة ملتزمة. أنا بكل وضوح كاتبة حكايات، بطبيعة الحال فما تكتبه يحمل حقيقتك. لكنك لا ينبغي أن تبلغ خطابات. أنا من الجيل الذي سمع ستالين يقول: "الكتاب هم مهندسو الروح الإنسانية" وهذا ما أعطى بعض الكتب الأسوأ في تاريخ البشرية. أعتقد أن على الجميع أن يلقح ضد هذا النوع من الاعتقاد. إذا بدأت تكتب وأنت تقول لنفسك أنك مهندس الروح، فكن متأكدا أنك ستكتب أردأ النصوص.
-في نظرك ما هي أعمالك الأكثر أهمية؟
لا أستطيع الرد على هذا السؤال، لأنهم في نظري يشكلون وحدة متكاملة. أفضل الكثير منها. أحب "زواج بين النطاق الثالث، الرابع، والخامس". أحب أيضا الدفتر الذهبي، ربما لأسباب أخرى، لأنه لا يمكن كتابته مرة أخرى.
أحب أيضا روايات أخرى لأنني استمتعت كثيرا بكتابتها. والحال مع "مارا ودان" أو "الجنرال دان".
-هل سبق لك أن دمرت بعضا من كتبك بعد الانتهاء منها؟
نعم دمرت كتابين أو ثلاثة، لأنها لم تكن جيدة. ولم أكن مخطئة، فقد كانت بالفعل جد سيئة. وأنا أعرف جيدا إذا ما كانت كتبي جيدة أو لا.
-ما هو رأيك اليوم في الكتاب البريطانيين؟
لا أحب هذا النوع من الأسئلة لهذا لا أجيب عنها. أحاول تجنب الحديث عن معاصري لأنها الطريقة الجيدة لخلق الأعداء. لأن الذين ستتحدث عنهم لن يروقهم ما تقوله. والآخرون يغضبون لأنك لم تذكر أسماءهم. أعرف أن الصحف تحب هذا لخلق الخصومات بين الكتاب. ومن هنا فأنا لا أشارك في هذه اللعبة.
-هل هناك لذة في الشيخوخة أو على الأقل امتيازاً من نوع خاص؟
لا شيء من ذلك، غير اكتساب بعض السلوكيات الحادة.
-اعتبر تيار النسوية في العالم روايتك "الدفتر الذهبي" ككتاب روحي.. كيف تفسرين هذا؟
بداية لم ينشر الكتاب في فرنسا أو في ألمانيا وحدهما وإنما نشر في أنحاء العالم ولا أحد اعتبره كتابا نسويا، لأن الأمر استغرق عشر سنوات، ثم صادف نشره في فرنسا وألمانيا انفجار تيار النسوية، في الحقيقة أعتقد أن النسوية لم تقرأ الكتاب جيدا.
-لقد كنت في مناسبات عديدة قاسية جدًا مع التيار النسوي.. ألا تخشين ردود أفعالها لعنيفة اتجاهك؟
لا أهتم مطلقا بردود أفعالهم العنيفة، الحقيقة أنه بعد مضي ثلاثين عاما على تيار النسوية، أصبحت المرأة في الغرب الأشد غباء و تجرجر في الوحل الرجل الأشد لطفا وذكاء، ثم ينظر إليها بلا انتقاد على أنها قامت بعمل رائع. قلت هذا علانية، فخلف ضجة إعلامية، لكن لا يهمني رأيهن لأنني سأقول نفس الشيء مرة أخرى.
-اقترحت عليك الملكة توشيحك بلقب السيدة، لكنك رفضت التكريم، هل مرد ذلك إلى موقف سياسي؟
لا، حتى وإن كنت قد أمضيت جزءاً مهماً من حياتي في مواجهة هذه الامبراطورية البريطانية، كما تعرف، اللقب الحقيقي هو "سيدة الإمبراطورية البريطانية" في حين لم تعد هناك إمبراطورية، لهذا قلت أنه سيكون من المضحك أن أكون سيدة لإمبراطورية لا وجود لها.