تحل اليوم ذكرى ميلاد الكاتبة البريطانية الراحلة درويس ليسنج، والحاصلة على جائزة نوبل في الآداب عام 2007، والتي ظلت طوال حياتها مناصرة للشيوعية ورافضة لسياسة التمييز العرقي العنصري التي مارستها أوروبا ضد الدول الأفريقية.
اشتركت في أحزاب شيوعية، بل حاولت تكوين حزب شيوعي في شبابها، ولكنها تركت العمل السياسي مبكرا وركزت في تغيير العالم بطريقة أخرى، وكانت طريقتها الأخرى تلك هي الكتابة ولا شيء سواها، وبالفعل فقد كتبت رواية «العشب يغني» والتي حاربت فيها الأفكار الاستعمارية البريطانية ودعمت فيها أفكار المساواة.
وقد جاء في حيثيات منحها أن تتويجها بالجائزة "تلك الملحمة من التجربة الأنثوية التي قامت بها درويس من خلال كتاباتها، تنم عن فحص عميق وقوة بصيرة، أدت في النهاية إلى الفحص العميق في أسباب انقسام الحضارة".
حياة غير مستقرة
ولدت درويس لأبوين بريطانيين بإيران، وتحديدا داخل مقاطعة كرمانشاه في 22 أكتوبر عام 1919، وبعدها انتقلت مع العائلة إلى ما كانت تعرف وقتها بروديسيا الجنوبية (زيمبابوي حاليا) عام 1925، وعاشت هناك حتى انتقلت إلى بريطانيا عام 1949.
عاشت ليسنج في طفولتها وحتى شبابها حياة غير مستقرة، إذ إنها كانت دائمة الترحال مع عائلتها، وقد كان لذلك الفضل في إثراء تدجربتها الأدبية بعد ذلك فقد كان والدها هو الكابتن ألفريد تايلر، ووالدتها كانت تدعى إميلي مود تايلر، وكان كلاهما من الرعايا البريطانيين، فقد التقى والدها، الذي فقد إحدى ساقيه أثناء خدمته في الحرب العالمية الأولى، بزوجته المستقبلية، وهي ممرضة بريطانية كانت تخدم في مستشفى رويال فري في لندن حيث كان يتعافى من بتره، ومن هنا بدأت حياتهما سويا، فقد انتقل الزوجان إلى إيران ، حيث تولى ألفريد وظيفة كاتب في البنك الإمبراطوري في بلاد فارس.
تجربة ذاتية
وفي عام 1925، انتقلت العائلة إلى مستعمرة جنوب روديسيا البريطانية لزراعة الذرة ومحاصيل أخرى على مساحة تبلغ حوالي 1000 فدان من الأدغال التي اشتراها والدها ألفريد، لكن لم ينجح المشروع في نهاية الأمر إذ لم تدر المزرعة عليهم إلا القليل جدًا من الدخل.
تلقت درويس هناك تعليمها الأساسي في مدرسة دير الدومينيكان الثانوية، وهي مدرسة تابعة للدير الكاثوليكي الروماني للفتيات في عاصمة روديسيا الجنوبية، وبعد ذلك التحقت بمدرسة البنات في العاصمة سالزبوري، لكنها تركت اتعليم فجأة في عندما كانت تبلغ 13 عام، ومن هنا بدأت تجاربها الذاتية في الحياة، إذ مرت حياة بتحولات جديدة.
غادرت منزلها في سن الخامسة عشرة وعملت ممرضة، لكنها انجذبت لقراءة الكتب وبدأت تقرأ الكتب التي أعطاها لها صاحب العمل، وكانت حول السياسة وعلم الاجتماع، وفي نفس الوقت بدأت الكتابة حينها بشكل فعلي.
وخلال عام 1937، انتقلت دوريس إلى سالزبوري للعمل هناك، وسرعان ما تزوجت زوجها الأول، الموظف المدني فرانك ويزدوم، وأنجبت منه طفلين، لكن زواجها هذا لم يكتمل حتى النهاية ففي عام 1943 قررت إنهاء الزواج، وتركت الطفلين داخل منزل العائلة مع عائلتها، وقررت البدء بمغامرة جديدة من حياتها.
الانتقال إلى لندن
بعد طلاقها انجذبت دوريس إلى المجتمع المحيط، خاصة المعروف بـLeft Book Club، وهي منظمة انضمت إليها في العام السابق، من طلاقها، وهناك التقت بزوجها الثاني المستقبلي، جوتفريد ليسينج، وقد تزوجا بعد فترة وجيزة من انضمامها إلى المجموعة، وأنجبا طفلًا معًا، إلا أم الزواج لم يستمر في النهاية ووقع الطلاق بينهما عام1949، لم تتزوج مرة أخرى، وبعدها رحلت إلى لندن.
انتقلت إلى لندن مع ابنها الأصغر، بيتر، إذ أرادت متابعة حياتها المهنية في الكتابة والمعتقدات الاشتراكية، وقد تركت الطفلين الأكبر سنًا مع والدهما فرانك ويزدوم في جنوب إفريقيا.
وقد بررت ذلك لاحقا بأنها لم تجد أي خيار أخر في ذلك الوقت "لوقت طويل شعرت أنني فعلت شيئًا شجاعًا للغاية. لا يوجد شيء ممل أكثر من أن تقضي الكثير من الوقت مع أطفال صغار. لم يكن والدهم هو الشخص الأفضل لتربيهم. لكني كنت سأنتهي بإدمان الكحول أو أن أصبح مثقف محبط مثل أمي".
مناهضة العنصرية
قادت درويس العديد من الحملات الواسعة الرافضة للكثير من السياسات في العالم، إذ قادت حملة ضد الأسلحة النووية، وبالإضافة إلى ذلك كانت معارضة نشطة للفصل العنصري، مما أدى إلى منعها من دخول جنوب إفريقيا وروديسيا عام 1956. وفي العام نفسه بعد الغزو السوفيتي للمجر، تركت الحزب الشيوعي البريطاني.
وفي الثمانينيات، عارضت ليسينج بشكل صريح الأفعال السوفيتية في أفغانستان، وهناك قدمت وجهات نظر حول النسوية والشيوعية والخيال العلمي، وفي أغسطس من عام 2015، تم نشر ملف سري مكون من خمسة مجلدات عن ليسينج من قبل وكالات الاستخبارات البريطانية، فقد حوى على وثائق منقحة جاء فيها أن ليسينج كانت تحت مراقبة الجواسيس البريطانيين لنحو عشرين عامًا، من أوائل الأربعينيات، وقد تم الإبلاغ عن ارتباطاتها بالشيوعية ونشاطها المناهض للعنصرية.
عدم المساواة
في سن الخامسة عشرة، بدأت ليسينج في بيع قصصها للمجلات، وقد نشرت روايتها الأولى The Grass Is Singing عام 1950، وقد نشرت خلال حياتها، أكثر من 50 رواية، بعضها باسم مستعار، ففي عام 1982 كتبت روايتين تحت الاسم الأدبي المستعار "جين سومرز" في محاولة منها لإظهار الصعوبة التي يواجهها المؤلفون الجدد عند محاولة طباعة أعمالهم. وقد تم رفض الروايات من قبل ناشر ليسينج في المملكة المتحدة، ولكن قبلها لاحقًا ناشر إنجليزي آخر، يدعى
مايكل جوزيف، وفي الولايات المتحدة من قبل ألفريد أ.كنوبف.
في عام 2007 ، حصلت ليسينج على جائزة نوبل في الآداب، وكانت وقتها في عمر ال 88 عامًا، إذ كانت ذاهبة للتسوق لشراء البقالة وعندها جاء إعلان فوزها بنوبل. وعند وصولها إلى المنزل تجمع المراسلين وصرخت وقالت: "يا المسيح!" وقد تحدثت في محاضرتها وقت الفوز بالجائزة عن عدم المساواة العالمية في الفرص، وقد أشارت إلى أن كتّاب الخيال يمكن أن يشاركوا في معالجة هذه التفاوتات"، وقد ذكرت وقالت أيضا: " إن مخيلاتنا هي التي تشكلنا، وجعلنا تحافظ على أنفسنا، وتخلقنا للخير والشر. وإن قصصنا التي نحكيها هي التي ستعيد خلقنا، عندما نتعرض للتمزق، والأذى، وحتى للدمار".
خلال أواخر التسعينيات، أصيبت ليسينج بسكتة دماغية مما منعها من السفر خلال سنواتها الأخيرة، وكانت وقتها لا تزال قادرة على حضور المسرح والأوبرا. وقد بدأت تركز عقلها على الموت، وكانت دائما ما تسأل نفسها عما إذا كان المثال تسأل نفسها إذا كان لديها الوقت لإنهاء كتاب جديد؟
رحلت درويس عن عالمنا في 17 نوفمبر 2013، عن عمر يناهز 94 عامًا، في منزلها بلندن.