تحتفي فرنسا خلال الفترة المقبلة بمرور ٤٠٠ عام على ميلاد الكاتب والمسرحي الفرنسي الشهير "موليير" والذي ولد سنة 1622م بباريس، إذ تقدم خلال الفترة المقبلة ندوات ومعارض وعروضا على مدار السنة احتفاء بهذه المناسبة، التي تخص الكاتب المسرحي الذي لطالما ارتبط اسمه باللغة الفرنسية حتى باتت توصف بأنها “لغة موليير”.
ويعد الكاتب المسرحي الفرنسي موليير (1622 - 1673) من الأكثر قراءة وترجمةً وتمثيلاً في عالم اللغة الفرنسية، إذ لا تزال نصوصه المسرحية حاضرة رغم مرور أربعة قرون من كتابتها.
وتزامنا مع هذه المناسبة حاورنا الدكتورة نسرين شكري المتخصصة في المسرح الفرنسي، والتي طرحت لنا رؤيتها حول موليير بشكل خاص، وحول المسرح الفرنسي بشكل عام، وكذلك قدمت لنا رؤيتها حول المسرح المصري خلال الفترة الحالية.
هل يمكن اعتبار أن موليير قد مثّل مفردة هامة ساهمت في أن تصبح أعماله هي "أصل" المسرح الفرنسي؟
بالطبع، فموليير يمكن أن نقول أنه "أصل" المسرح الفرنسي، فمن قبله كان هناك مسرح بالطبع لكن عندما جاء موليير قدم مسرحًا يمكن أن نطلق عليه أنه مسرح راق، أو أكاديمي، فمع وجود جان راسين وموليير في القرن الـ17 استطاعا تقديم مسرح جيد، إذ قدم الأخير "الكوميديا"، وقدم راسين بدوره "التراجيديا". وبجانب ذلك فأعمال موليير لاتزال تقدم حتى الآن في فرنسا على المسارح بباريس، وأحيانا يتم تقديمها بشكلها القديم، من خلال استخدام الملابس والأشكال القديمة، وأحيانا أخرى يتم تحديثها وتقديمها في قالب حديث.
وكيف استطاع موليير أن يخرج بموضوعاته من منطقة المحلية إلى العالمية.. أعتقد أن الأمر يحتاج لتحليل ما..
يمكن أن نقول أن موليير هو الكاتب المسرحي "الفرانكفوني" الأشهر والذي ترجمت أعماله أكثر من أي كاتب فرنسي آخر حول العالم، إذ تمت ترجمته لأغلب لغات العالم، إذ استطاعت أعماله أن تصل إلى العالمية، لأنها كسرت حاجز "الزمان والمكان"، فيستطيع أي شخص في العالم أن يتذوق أعمال موليير، وليس الجانب "المضحك" منها فقط لكن أيضا الجانب الذي يمكن من خلاله أن ينتقد المجتمع، فقد قدم من خلال أعماله "السخرية" فالكوميديا المعتمدة على السخرية، تستطيع أن تشد الجمهور أكثر من كوميديا "الإفيه" وهذا الأمر هو ما ميز كوميديا موليير. كذلك فأعماله دائما ما كانت تحمل فكرة البحث عن الحرية، وفكرة التمرد من خلال تمرده في العلاقة بين جيل الشباب والكبار، أو من خلال تمرد الفقراء على الأغنياء، بجانب رفضه لجميع أشكال القمع والنفاق، فقد ثار ضد كل الأشخاص الأقوياء، كالأزواج أو كل من في يدهم آداة للسلطة، وقد هاجم الأشخاص الذين يدعو الثقافة والفكر والحكمة والعدل، فقد هاجمهم موليير من خلال أعماله، وبالتالي فهذه الأشياء هي التي أعطت له هذا الجانب العالمي.
إذًا هل أثر موليير في المسرح المصري، وهل تجربة تمصير أعماله قد أفادت المسرح المصري بشكل عام؟
المسرح الفرنسي أثر بشكل كبير في المسرح المصري، فلا يمكن اعتبار أن موليير هو الكاتب الفرنسي الوحيد الذي أثر في المسرح المصري، لكن هناك غيره الكثيرين مثل "مارسيل بانيول "، وغيره الكثيرين، إذ إن المسرح المصري حين يأخذ عن المسارح الأجنبية أو الفرنسية فهناك ميزة، وهي أننا نقوم بـ"تمصير" العمل، فنحن لا نأخذ العمل كما هو لكننا نعطيه بعد اجتماعي مصري، إذ يتم تمصير الأسماء، وكذلك الشخوص ووضعهم في قالب مصري، حتى يستطيع المتفرج أو القاريء المصري من أن يجد نفسه داخل هذا العمل. وهذا الأمر كان يحدث دائما في المسارح الخاصة، أو المسارح التي لها جانب من التكسب والربح، أما مسارح "الدولة"فقد كانت تقدم الأعمال المسرحية كما هي؛ بهدف تقديمها في قالبها اﻷصلي لإمتاع المتفرج.
تعتقدين أن هناك ميزات مشتركة بين شعوب البحر المتوسط بالنسبة للمسرح؟
بالطبع، فهناك ميزة بين شعوب البحر المتوسط؛ وهي أن الجانب المضحك فيما بينهم أو الكوميديا عادة ما تكون متقاربة، فالمسرحيات التي تم تمصيرها، سواء كانت لـ"موليير" أو لـ"مارسيل بانيول" فعندما نقلت إلى مصر تم الاحتفاظ بهذا الجزء الساخر الفرنسي، بجانب ذلك فموليير تتقارب شخصيته مع القالب المصري ومع الطبيعة المصرية، فقد أحب نقد الأشياء من خلال النكتة، أو السخرية، أو الجانب الكوميدي، فالشعب المصري دائما ما كان يفضل هذه الطريقة في النقد أكثر من أي طرق مباشرة أو طرق تراجيدية، وبالتالي يمكن أن نقول بأن موليير شخصيته كانت متقاربة مع الشخصية المصرية، كما أنه كان متقارب جدا مع الذوق المصري في "النقد".
-كيف استطاع موليير أن يحقق تلك المعادلة وهي أن تظل أعماله باقية وتقرأ لأربعة قرون هل يمكن تقديم تحليل لهذا الأمر؟
عندما طرح موليير أعماله تلك طرحها في قالب "بسيط جدا" فهو لم يذهب نحو خصوصية المجتمع الفرنسي في ذلك الوقت، وفي نفس الوقت قدمها من خلال قالب عالمي، فتجد الابن الذي يرغب في الزواج من فتاة ليست من مستواه الاجتماعي، وهو الأمر الذي يؤدي لرفض الأب لفكرة الزواج، فهذه القضايا لازالت مثارة حتى اليوم، فقد استخدم موليير هذه المواقف البسيطة، والمواقف العالمية المتكررة منذ بدأ الخليقة وحتى نهاية الخليقة -من وجهة نظري- إذ أراد أن ينتقد بعض العيوب الاجتماعية العالمية، فقد انتقد "النفاق"، وانتقد "استخدام السلطة"، وانتقد "الأب البخيل"، وبالتالي فهو لم يتحدث عن قضايا محلية تخص فرنسا وحدها، لذلك فأعماله استطاعت أن تستمر لقرون.
تجربة المسرح المصري
-أخيرا ما تقييمك لتجربة المسرح الحالية داخل مصر؟
لا يمكن بأي حال من الأحوال القول أن المسرح المصري "في أفضل صحته" إذ إن المسرح المصري ظل لسنوات طويلة "متوهجا"، مثل فترات الراحل فؤاد المهندس، والذي أخذ الكثير من أعمال مارسيل بانيول ومصرها، مثل مسرحية "الأستاذ ياقوت" والتي استطاع من خلالها أن يمصرها بقالب أفضل من القالب الذي قدمه المسرح الفرنسي نفسه، لكن خلال الفترة الحالية فالمسرح المصري وحتى الخاص منه يعاني، ولولا مجهودات الدولة لاختفى المسرح المصري، فهناك بعض المجهودات التي يقوم بها بعض الشباب، لكنها لا تزال بعيدة عن الجمهور، وأعتقد من وجهة نظري أن أهم شيء في الأدب ليس فقط تقديم مسرح متخصص جدا لا يفهمه سوى النقاد، لكن المطلوب هو انفتاح المسرح على جميع الناس، وأن يذهب إليه أغلب المثقفين، وهذا هو الفارق بيننا وبين فرنسا، فهناك يستطيع الجميع الذهاب للمسرح، ودفع تذكرته من خلال توفير تذاكر مخفضة، إذ إن المسرح للأسف ظل لفترة طويلة في مصر مخصص لفئة ثرية جدا، لكن حاليا يوجد مسرح الدولة لكنه مسرح منغلق جدا على الفئات المثقفة، فهو يقدم أسعار مخفضة بالفعل، لكنه لا يقدم انتشار واسع للمسرح، وأعتقد أن دولة بحجم مصر، تملك تأثيرا أكبر من فرنسا نفسها، لذلك أرى أنه على المسرح المصري أن يتحدث إلى شريحة أكبر من الشعب، كي يؤثر على سلوكياتهم وتفكيرهم، فالمسرح هو من ضمن الأدوات التي من الممكن أن تستخدم في محاربة الأفكار والأيدلوجيات الخاطئة داخل المجتمع وتقييمها جيدا، لذلك أتمنى أن يتلقى المسرح دفعة قوية خلال الفترة القادمة.