الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حسين عبدالبصير: الكتابة عن الأدب الفرعوني تتطلب ثقافة موسوعية.. واحتفالية "الكباش" الحدث الأبرز|حوار

صدى البلد

بدأت علاقته بالأدب و الآثار في مرحلة مبكرة من حياته، ولطالما أعجب بالحضارة المصرية القديمة منذ صغره، فقد ساعدته نشأته داخل منزله المولع بالثقافة والأدب، على الاقتراب أكثر لتذوق تلك الفنون، فبرع الدكتور حسين عبد البصير في الحكي الذي وظفه من خلال كتاباته المبكرة، التي لاقت احتفاء نقديا كبيرا، فقد استقبله الوسط الأدبي والثقافي في مصر بطريقة جيدة، إلا أنه قرر في النهاية التركيز على دراسة علم الآثار، على حساب الكتابة الإبداعية والأدبية، وهي المعادلة الصعبة الذي حاول كثيرا المواءمة بينهما، فلا يمكن أن نتحدث عن تركه "الكامل" إذ ظلت إبداعته الأدبية مستمرة حتى الآن. 

"صدى البلد" يحاور الدكتور حسين عبد البصير مدير تحف الآثار بمكتبة الإسكندرية في محاولة  للاقتراب أكثر لمعرفة علاقته بالأدب والآثار -على حد سواء- وكذلك للوقوف على الحدث الأبرز الذي تنتظره مصر غدا وهي احتفالية "الأقصر.. طريق الكباش"، إذ يحدثنا من خلال الحوار التالي عن أهمية المدينة التي تحوي على أكثر من ثلث آثار العالم.

-كيف تقيم الأدب الفرعوني في الرواية المصرية، لماذا اختفى هذا النوع من الأدب في الروايات المصرية المعاصرة، أعتقد أن هناك اهتمام أكثر من جانب الكتاب بالحقب "الإسلامية" كيف تقيم الأمر؟

أعتقد أن الإجابة على هذا السؤال معقدة، فالكتابة عن مصر القديمة ليست أمرا سهلا فيجب أن تكون مسلح بثقافة معرفية واسعة، فمشكلة مصر القديمة هي "الديانة" و"اللغة" فهناك من يكتبون عن مصر القديمة لكن من خارج التخصص، وبالتالي تخرج الكتابة بشكل ضعيف في النهاية، فقد نجح كثيرون أيضا في الكتابة عن مصر القديمة مثل تجارب الأستاذ نجيب محفوظ في ثلاثينيات واربعينيات القرن الماضي، وكذلك بهاء طاهر، والغيطاني الذين تناولوا مصر القديمة بصورة جيدة، لكن المشكلة في مصر أن البعض ينظر إلى هذه الحضارة باعتبارها حضارة "كفرة" إذ يتم تكفير تلك الحضارة، وهناك نظرة سلبية في قطاعات واسعة من الشعب، وهذا الأمر انعكس على الكتاب والنقاد أنفسهم، إذ إن تجارب نجيب محفوظ نفسها وكتابته عن الأدب الفرعوني نظر إليها النقاد باعتبارها مرحلة "رومانسية" لكنها من وجهة نظري مرحلة مهمة للغاية فهي تؤسس وعي، لكن الكتاب في الوقت الحاضر يكتبون عن التاريخ الإسلامي لأنه أقرب إلى الذائقة العربية وإلى المخيلة العربية، وكذلك فلا يوجد أية حواجز لغوية، ولا توجد حواجز دينية، فكل كما ما يحدث هو الرجوع بالزمن قليلا للوراء، وهو نوع من أنواع الحنين للماضي، وهذه الفترة أبدع فيها الغيطاني، وكتب "الزيني بركات" وسعد مكاوي، ومعاطي أبو النجا والذي كتب "العودة إلى المنفى"، فجميع تلك الأعمال أثرت المكتبة العربية، لكني أرى أن هناك في الوقت الحاضر قطيعة مع كتاب الماضي، لذلك يجب إعادة قراءة الأدب من خلال هؤلاء الرواد فهم تناولوا التاريخ بطريقة مبهرة.

وأكمل: لذلك لا يجب على القراء أن يهجروا الجيل القديم من الكتاب، فلا يمكن أن يتعامل أحد مع كل تجربة جديدة، باعتبارها تجربة منفصلة عن الماضي.

وأرى أن استدعاء وإحياء التراث أمر هام، لكن يجب أن ننظر إلى جهود الرواد والمبدعين من جيل الوسط في الكتابة الإبداعية، وأن ننظر إلى مصر القديمة التي تمثل "كنز" بالنسبة إلينا ويجب الالتفات إليها، فخلال إحدى الحوارات التي أجراها مؤخرا الكاتب محمد المنسي قنديل لأخبار الأدب، تحدث عن أن نجيب محفوظ قد نصحه بأن يدخل مناطق جديدة مغايرة، وبدأ بالفعل كتابة "القمر على سمرقند" وعن أعمال عظيمة أخرى في التاريخ، وغيرها من الأعمال. لكني أرى أن التجارب الأدبية يجب أن تكون أصيلة، بمعنى أنه يجب ألا يسطوا الكاتب على تجارب الآخريين، أو أن يأتي بتجارب من الغرب في محاولة لزرعها في البيئة المصرية، فهذه نبتة غير أصلية، فمحفوظ ناقش أفكار مصرية أصيلة وكذلك الغيطاني الذي تأثر بالتصوف في التاريخ الإسلامي، لذلك يجب علينا توظيف تراثنا الوطني مثلما فعلت بعض البلاد ومنها تركيا والتي نجحت في توظيف تراثها هذا من خلال الأعمال الفنية التي انتشرت خلال السنوات القليلة الماضية. 

وتابع: أرى ضرورة للبعد عن الأفكار التقليدية، فعندما حصل محفوظ على نوبل كان ذلك بسبب تمثيله لمصر وللكون في رؤية رمزية، إذ قدم الحارة المصرية وتاريخ الفكر والفلسفة، وكذلك تاريخ مصر، فقد منح نوبل لأنه عاصر كل التاريخ في مصر بدءا بثورة 1919، ثم يوليو، وعهد الرئيس جمال عبد الناصر والسادات، وصولا إلى عصر مبارك، فقد عاش لفترة زمنية طويلة، وإذ أصبح بمثابة مؤرخ لتاريخ مصر، وقد منح نوبل نتيجة تعبيره عن تاريخ مصر الثقافي، والاجتماعي، والفلسفي، والديني أيضا.

-وكيف كانت بدايتك مع الآثار، لماذا اخترت هذا المجال؟

عندما كنت في مرحلة مبكرة من عمري كنت أذهب إلى المتحف المصري بالتحرير، وكنت أندهش عندما أرى الطلبة يقرأون الهيروغليفية، وحينها عرفت أن هؤلاء هم طلبة كلية الآثار بجامعة القاهرة، وقررت أن أدرس أنا أيضا الآثار، كي أتمكن من قراءة الهيروغليفية، فأنا التحقت بالكلية سنة 1990، وتفوقت في الكلية إذ حصلت على تقدير عام "جيد جدا مع مرتبة الشرف"، فأنا نشأت في مدينة السنبلاوين، بالمنصورة، فهي تقع بالقرب من موقع أثري شهير وهي "منديس" التي كانت عاصمة للأسرة29 في مصر القديمة، وعندما كنا طلبة كنا نذهب إلى تل الربع والذي أطلق عليها العرب اسم "تل ابن سلام" وهو إحدى الصحابة، الذي اعتنق اليهودية قبل أن يتحول إلى الإسلام. لذلك فهذا الموقع كنا دائما ما نذهب إليه وقد تأثرت كثيرا بهذا الموقع لأنه كان لي عبارة عن "بوابة" زادت من شغفي لمعرفة التاريخ، فأنا بشكل عام تأثرت بوالدتي المثقفة والتي ساعدتني كثيرا، وكذلك والدي، وأخي الأكبر، فمن خلال نشأتي في هذا المنزل تأثرت بالثقافة العامة.

-كتبت الرواية وبرعت فيها في بدايتك.. كيف تم اكتشافك أدبيا؟

عندما دخلت الجامعة، تواصلت مع الراحل الأستاذ جمال الغيطاني، وقد احتضني أدبيا من خلال جريدة أخبار الأدب القاهرية الشهيرة، ونشر لي أول مقالاتي وقتها، وقد كان ذلك دفعة لي فأنا كنت شاب وكانت دفعة جيدة لي أن تنشر أعمالي في أهم جريدة ثقافية في مصر والوطن العربي ككل.


أما بالنسبة لبداياتي مع الأدب فقد كتبت قصة قصيرة باسم "البحث عن خنوم" التي فازت بجائزة جامعة القاهرة، وكان ذلك في تسعينيات القرن الماضي، وقد حولتها لرواية ونشرتها، بعد أن قمت بعرضها على الأستاذ إبراهيم أصلان، وقد نشرت الرواية في إبداعات جديدة، ولاقت ترحيبا نقديا كبيرا في ذلك الوقت، وطبع منها 3 آلاف نسخة. فهي تدور عن تجربة بعض الناس الذين يبحثون عن الخالق في مصر القديمة، وهي تبدأ من الشمال إلى الجنوب فتبدأ بمنف وتنتهي أيضا بمنف، لكنها تمر بمحطات عديدة على طول نهر النيل فكل  شخص يحكي قصته مع الإله خنوم، فهي بشكل عام عبارة عن عمل يتناول تاريخ مصر القديمة، في فترة عصر الانتقال الثالث، وهي تناقش فكرة مهمة جدا، ألا وهي؛ الصراع بين الظاهر والباطن. 

وكتبت بعدها رواية أخرى اسمها "الأحمر العجوز" وفزت عنها بجائزة الدكتورة سعاد الصباح في الأدب وهي تتحدث أيضا عن الصراع بين الإرادة البشرية والإلهية في مصر القديمة، فالرواية مكونة من ثلاثة أجزاء، ومؤخرا صدرت لي رواية أخرى باسم "إيبو العظيم، وهي تدور في مصر القديمة، وتحديدا عصر الانتقال الأول، وهي تتحدث عن إيبوير، وهو شخص حكيم وعظيم، وله نص شهير يسمى بـ"نبوءات إيبوير" وهو من الأعمال الشهيرة في أدب الدولة الوسطى، ومن خلال هذا النص يحذر الملك من الأحداث االتي تمر بها البلاد، فالنص مفقود في بدايته، وفي نهايته، فأنا أخذت هذا النص وبنيت عليه روايتي الأخيرة. فجميع تلك الأعمال التي كتبتها تتحدث عن الماضي لكنها لا تغفل الماضي بدون أدنى شك، فمن الممكن أن نقول أن كل التاريخ هو تاريخ "معاصر" وليس ماضي.

تاريخ متخيل
 

-وهل عطلتك دراسة علم الآثار عن الأدب؟

أنا لم أترك الأدب بشكل كامل لكني ذهبت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإعداد رسالة الدكتوراه، وعندما رجعت إلى مصر توليت العديد من المناصب التنفيذية ومنها: المشرف على متحف الحضارة بالفسطاط، وكذلك المتحف المصري الكبير، ومنطقة آثار الهرم، فهذه المهام والمناصب التنفيذية بجانب الدراسة، تجعل من غير الممكن السيطرة على الوقت، وهذا ما حدث، لذلك فأنا أحاول دائما أن أوفق بين الأدب والآثار، وكذلك توظيفهم سويا، فقد صدر لي العديد من الكتب، المبسطة للجمهور العام، والكثير من الكتب المتخصصة أيضا، فنحن في مكتبة الإسكندرية نحاول توسيع الثقافة والمعرفة في مصر القديمة من خلال سلسلة "اعرف حضارتك" والتي تكلمنا فيها عن الفراعنة المحاربين، وكذلك توت عنخ آمون، فنحن نريد أن نصل إلى الجمهور وأن نثقفهم.

-هناك جدل حول هذا الأمر، هل تعتقد أنه يمكن تقديم تأريخ من خلال الرواية؟

التاريخ مختلف بالطبع عن الأدب لكن أجمل ما في الأدب أنه يلقي الضوء على التاريخ إذ يشير لبعض المناطق التاريخية الهامة، فهو تاريخ متخيل، وغير رسمي، لكن يجب على الكتاب أن يلتزموا بالأحداث التاريخية وعدم الحيد عنها، وألا يغيروا الحقيقة التاريخية فلا يمكن أن نظهر شخص في العصر الإسلامي مرتديا "ساعة" لذلك فالكتابة عن فترة تاريخية يجب الحشد لها من جانب الكاتب، بصورة جيدة، حتى يخرج العمل بشكل جيد في النهاية، وهذا الأمر يتطلب مجهود كبيرة وبحث من قبل الكاتب.

 

-لننتقل لجزء آخر بعيدا عن الأدب.. ما أهمية افتتاح "طريق الكباش"؟

افتتاح "طريق الكباش" الذي من المفترض أن يكون غدا هو الحدث الأبرز وأعتقد أنه سيتفوق على حفل المومياوات الملكية والذي أبهر العالم منذ فترة، فالطريق كان يربط بين معابد الكرنك في الشمال، ومعبد الأقصر في الجنوب والذي مثل الرحلة المقدسة التي كان يقوم بها الإله آمون "سواء آمون الكرنك في الشمال" أو آمون الكرنك في الجنوب" وأيضا ثالوث طيبة المقدس والمقام للإله آمون رع، من خلال الزوارق التي كانت تمر عبر نهر النيل، وصولا إلى معبد الأقصر في الجنوب، وقد كان يسمى بعيد "الأوبت" وهو عيد مصري شهير أشبه بالاحتفال بمولد سيدي أبو الحجاج بالأقصر، ومسجده الذي اكتشفنا داخله الكثير من الآثار المصرية القديمة، فنحن هنا عندنا تواصل بين الحضارات المصرية، إذ يظهر الاحتفال الجلي والذي يربط بين الماضي (عيد الأوبت) وبين الحاضر (مولد سيدي أبو الحجاج). لذلك نحن ننتظر هذا الحفل بفارغ الصبر والذي سيروج لمدينة الأقصر بصورة كبيرة، وللسياحة المصرية -على حد سواء-.

ويؤكد اهتمام الدولة المصرية والرئيس عبدالفتاح السيسي، والمسئولين في الدولة لتنظيم وإنجاح هذا الحفل بصورة لائقة، وهو إنجاز تقوم به الكثير من الجهات، وبجهد من المرممين أيضا الذين عملوا لأشهر كثيرة متواصلة لإنجاح هذا الحدث، وهو يبرز جوهر وأهمية هذه المدينة السياحية لإعادة رونقها العالمي، فالأقصر بالنسبة إلينا هي عاصمة الثقافة والآثار في العالم كله، إذ تحوي على ثلث آثار العالم، وهي محافظة غنية بالآثار المتفردة؛ ومنها معبد الأقصر والكرنك، الذي يشبه الفاتيكان في مصر القديمة، فكل ملك كان يأتي  ويضيف لهذا المعبد إضافات خاصة به فهو يعود لعصر سونسرت في الدولة الوسطى وصولا إلى العصور اليونانية الرومانية، فحتى الكوشيين الذين أتوا من النوبة وحكموا في عصر الأسرة 25 لهم أيضا بصماتهم الموجودة على الكرنك. كذلك فهي غنية بالكثير من الآثار، ويتواجد فيها أيضا معبد الدير البحري الخاص بالملكة حتشبسوت، وكذلك وادي الملوك والذي يحوي على مقبرة الفرعون الذهبي توت عنخ آمون، فقد احتفلنا مؤخرا بذكرى مرور 99 عاما على ظهور هذه المقبرة، من جانب عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر، فهذه المقبرة هي الوحيدة التي أتت إلينا كامل. وهذه المقبرة جاءت إلينا كاملة لأن مقبرة رمسيس السادس كانت تقع بالقرب منها لكن ماحدث وقتها أن العمال  الذين كانوا يعملون على تشييد مقبرة رمسيس السادس، أزالوا الرديم المستخرج من هذه المقبرة ألقوه على مقبرة توت عنخ آمون، ومن هنا أخفوا المدخل عن أعين اللصوص، إلى أن جاء كارتر سنة 1922 واكتشفت المقبرة عن طريق الصدفة، بعد أن كان يعمل بالمنطقة لمدة خمس سنوات دون أن يحرز أي تقدم يذكر وقتها، لكن خلال إحدى المرات اكتشف أحد العمال بالموقع "درج" عن طريق الصدفة بالمنطقة، وهو ما قادهم لاكتشاف المقبرة، وهذه المقبرة نقل الكثير منها إلى المتحف المصري الكبير، والذي نعتبره بمثابة "بيت عنخ آمون الجديد"، من خلال عرض متحفي مبدع، لذلك فنحن أمام إنجازات كثيرة تقوم بها الدولة المصرية لتنفيذ مشروعات أثرية لم يسبق لها مثيل من قبل.

-ما هو العائد المنتظر من هذا الحدث الذي يترقبه العالم؟

بشكل عام أرى أن هذا الحدث سينعكس مردوده بصورة كبيرة على السياحة فنحن في بداية الموسم الشتوي بمحافظة الأقصر، والأقصر هي وجهة سياحية بالطبع وبمجرد افتتاحه ستلتفت إليه الأنظار بالطبع، فهذا الحدث هو بمثابة دعاية جيدة للآثار المصرية ككل فضلا عن أنه سيضمن دعاية مجانية لمصر من خلال جميع القنوات العالمية، التي سوف تبث الحدث وتعرضه عبر شبكاتها الإعلامية.