الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بعد الإعلان عن الكشف الأخير

علا العجيزي: ما يحدث داخل سقارة بداية لاكتشافات قادمة| حوار

الدكتورة علا العجيزي
الدكتورة علا العجيزي

لطالما أعجبت باللغة المصرية القديمة خلال مراحل حياتها المبكرة، إذ كانت شغوفة لدراستها منذ سن مبكر، إلى أن حققت حلمها في نهاية الأمر والتحقت بقسم الآثار المصرية بكلية الآداب جامعة القاهرة. لم يتراجع هذا الشغف أبدًا بل تعمقت أكثر في دراسة اللغة المصرية القديمة، إلى أن وصلت لعمادة كلية الآثار بجامعة القاهرة، وأرادت وقتها ترك بصمة حقيقية إذ أعادت بعثة الجامعة للعمل داخل سقارة مرة أخرى بعد سنوات من التوقف، حققت خلالها الكثير من الإنجازات، التي - لا تحب أن تنسبها لنفسها - فهي تؤمن أن العمل الجماعي هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق الأهداف.


وخلال الفترة الأخيرة أعلنت وزارة الآثار، عن كشف أثري قامت به بعثة جامعة القاهرة داخل منطقة سقارة برئاسة الدكتورة علا العجيزي أستاذ الآثار المصرية بجامعة القاهرة، لذلك دار هذا الحوار التالي مع الدكتورة علا، رغبة منا في الاقتراب أكثر لنتعرف على أبرز ما قامت به بعثة جامعة القاهرة خلال سنوات عملها داخل الجبانة التي لم تبح بعد عن كافة أسرارها..

متى بدأ تعلقك بالآثار؟

في سن مبكر للغاية وتحديدًا عندما سمعت أن هناك ما يسمى بـ "اللغة المصرية القديمة"، فوقتها كان قسم الآثار هو جزء من كلية الآداب، وكنت أفكر في الدخول للجامعة الأمريكية، إلا أن البعض أشاروا علي بدخول قسم الآثار فذهبت لرئيس القسم وقتها وقال لي: "هناك دراسة للهيروغليفية في القسم"، وهنا قررت أن أدخل الكلية، وبدأ شغفي وتعلقي بالآثار منذ ذلك الوقت، فأنا تميزت في اللغة المصرية القديمة بمختلف خطوطها المختلفة، فقد درست الخط الهيروغليفي، والهيراطيقي، وكذلك اللغة القبطية والتي تعد مرحلة أخيرة من اللغة المصرية القديمة، فخلال فترة الليسانس درسنا كل هذا وتفوقت في اللغة، مقارنة ببقية مواد الكلية. وبعد تخرجي سجلت الماجستير ثم الدكتوراه، وتدرجت في الجانب الأكاديمي، إلى أن تحول قسم الآثار إلى كلية الآثار وبدأت الكلية تستوعب قدر أكبر من الطلاب وتشعبت المواد خلال تلك الفترة، وفي سنة 2004 أصبحت رئيس قسم الآثار المصرية، وبعدها أصبحت عميدة الكلية مدة ثلاث سنوات.
 


-  كيف بدأ اهتمامك بمنطقة سقارة؟

عندما جئت للكلية كعميدة كان هناك موقع بسقارة تعمل بداخله جامعة القاهرة منذ فترة عمادة الدكتور سيد توفيق رحمه الله، وعندما توليت استكملنا العمل في الموقع، والذي توقف لسنوات طويلة بسبب عدم وجود دعم مادي في الحفائر، وفي سنة 2005 طلبت التمويل من جانب رئيس الجامعة لعمل حفائر بالموقع، وبالفعل بدأنا العمل داخل الموقع الأثري، إذ تميز بثرائه الكبير من المقابر الهامة، وخاصة مقابر الدولة الحديثة؛ وبخاصة الملك رمسيس الثاني، فهذه المقابر تعطي لنا الكثير من الإشارات الهامة حول تلك العصور.


فالموقع الذي نعمل فيه يقع جنوب الطريق الصاعد لهرم الملك أوناس (أسرة خامسة) وهو في شمال الموقع الذي عملت فيه البعثة الهولندية والانجليزية؛ ثم الإيطالية، وقد عثرت هذه البعثات على مقبرة القائد العظيم "حور أم حب" والذي توج بعد ذلك ملكًا في نهاية الأسرة الـ18، فهذا القائد أنقذ مصر في الفترة ما بعد إخناون وتوت عنخ آمون، والتي حدث خلالها الكثير من الاضطرابات السياسية، فإخناتون لم يهتم بحماية الحدود، وكذلك توت عنخ آمون الذي حكم لفترة بسيطة للغاية، فلم يتمكن من عمل إصلاحات؛ لكن عندما جاء "حور أم حب" استطاع أن يعيد الأمور إلى استقرارها وعادت قوة الجيش المصري إلى عظمته السابقة، فموقع جامعة القاهرة يقع شمال مقبرة حور أم حب وغيره من المقابر التي عثر عليها من جانب البعثات الأخرى.

  • ما أبرز ما عثرت عليه جامعة القاهرة خلال سنوات عملها داخل الموقع الأثري بسقارة، وما هي المقابر التي اكتشفت؟

هذا الموقع يخص كبار رجال الدولة -من فترة رمسيس الثاني-  وقد وجدنا مقبرة لشخص ملقب بـ"حامي الحدود أو رئيس الحصون"؛ أي الحصون الشرقية لمصر، ثم عثرنا على مقبرة عمدة منف والذي يطلق عليه "بتاح مس" وهي أول مقبرة نجدها بهذا الحجم الضخم، فرغم أن المقابر تختلف فيما بينها في المناظر الموجودة داخلها إلا إنه نتيجة لوجود عقيدة، فقد أدى الأمر لوجود مناظر مشتركة مشتركة بين جميع المقابر، فمقبرة عمدة منف كانت معروفة من قبل. فخلال القرن الـ19 بدأ المستكشفين الأوائل بالاهتمام بالآثار، واهتموا بتصوير كل ما يجدوه أمامهم من آثار داخل المواقع، فهذا الموقع تحديدا كانت هناك مقابر داخله لا تزال بعض الأجزاء منها- موجودة ومرأية على سطح الأرض مثل بعض الأجزاء من الأعمدة والتماثيل والجدران، بينما بقية المقبرة تحت مستوى الأرض مدفونة في الرمال فخلال تلك الفترة حين عمل مارييت ومن معه من علماء المصريات، بدأوا عملية التصوير الفوري لتلك المقابر، وظل هذا الأرشيف من الصور موجود بالمكتبات والمتاحف في فرنسا وغيرها من الدول. وكذلك الكتل الحجرية التي تم نقلها للخارج لتوضع داخل المتاحف هناك، فنحن عندنا كتل حجرية لـ"بتاح مس" في مصر، وعندنا قطع حجرية له في متحف ليدن بهولندا، وكذلك في متحف فلورنسا بإيطاليا، وفي المتروبوليتان، فهذه الكتل موزعة بين متاحف العالم والتي عثر عليها في فترة القرن الـ19، فهناك أجزاء منها لا نعلم مكانها، وكل ما نملكه حولها؛ هي مجرد صور ولا نعلم أين ذهبت الكتلة الحجرية، لذلك فعندما وجدنا قبر "بتاح مس" شعرنا بأهمية الكتل التي خرجت للخارج، لذلك فحن نقوم بدراسات أشبه بالـ"buzzle" لأننا نحاول استكمال بعض القطع من خلال الرسومات الموجودة فنعرف أن القطعة هذه وأجزاءها موجودة في فلورنسا على سبيل المثال وهكذا.. 


وهناك أيضًا مقبرة أخرى تم اكتشافها تخص عمدة منف ومقبرته هذه تحوي على منظر هام جدا، فما وجدناه فقط حوالي 1.5 متر من المنظر؛ أي المستوى الأول في المنظر، لكن في سنة 1982 كان هناك بحث قد نشر في مجلة أجنبية، يظهر المنظر بالكامل من خلال صورة، فنحن حتى الآن لم نجد بقاياه واستطعنا فقط استكماله من خلال الصور.


وبعد أن عثرنا على مقبرة عمدة منف عثرنا على مقبرة كبير قادة الجيش (القائد الأعظم) في فترة ستي الأول، إذ وجدنا منظر لأول مرة في سقارة وهو جزء من الجيش المصري في تلك الفترة، ويحوي المنظر على خيل يمر من خلال الحصن الشرقي لمصر، وغالبا هذا المنظر يصور الجيش وهو خارد إلى المعركة أو يصور الأهل وهم منتظرين الجيش عند الرجوع من المعركة، ومثيل هذا المنظر الوحيد موجود على معبد الكرنك من عهد الملك ستي الأول، لذلك فنحن حين نؤرخ لمقبرة نؤرخها من خلال التشابه في هذه المناظر، أو من خلال النصوص التي نجدها مكتوبة بأسماء العائلة، وكل هذا نقوم به من خلال الدراسات، فهذا القائد يدعى "يورخي" وهو اسم من أصول سورية، وعندنا أسماء كثيرة من عائلته، لكننا لم نصل بعد من نهاية مقبرته، ونحتاج لدراسات لنتعرف عنها عن قرب وهو ما نقوم به بالفعل.

- وماذا عن الكشف الذي أعلن عنه مؤخرًا؟

هي مقبرة أيضًا من نفس تلك الفترة لكن لا نعلم حتى الآن ما إذا كانت تعود لفترة ما قبل "يورخي" أو بعده فلا زالت هناك الكثير من المعلومات غامضة بالنسبة إلينا حتى الآن، فهي تعود لشخص يدعى "بتاح-م-ويا" والذي كان يشغل منصب رئيس الخزانة في عهد الملك رمسيس الثاني، فأهمية اكتشاف هذه المقبرة ترجع إلى المناصب التي شغلها صاحبها باعتباره الكاتب الملكي ورئيس الخزانة وكبير المشرفين على المواشي، والمسئول عن القرابين الإلهية في معبد رمسيس الثاني بطيبة، فالطراز المميز لهذا الموقع والذي يطلق عليه المقبرة "المعبد" حيث يتكون من مدخل على هيئة صرح يليه فناء أو أكثر، وتنتهي المقبرة في جهة الغرب بالمقاصير للمعبودات، يعلوها هريم. بينما ما تم الكشف عنه حاليا من المقبرة هو مدخلها المشيد من الحجر المنقوش بالمناظر لصاحب المقبرة. 

ويؤدي هذا المدخل إلى صالة أولى ذات جدران مرسومة وملونة على الجص، مشيرة إلى أن من أهم هذه المناظر تلك التي تصور موكب حمل القرابين والذي ينتهي بمنظر ذبح للعجل. وتم العثور على العديد من الكتل الحجرية المنقوشة تحت الرمال وكذلك العديد من الأعمدة الأوزيرية بعضها ملقي في الرمال والبعض الآخر قائم في مكانه الأصلي. وسوف يتم دراسة كل هذه القطع لإعادة وضعها في أماكنها الأصلية في المقبرة.


-  حدث جدل مؤخرًا حول الكشف على مواقع التواصل الاجتماعي.. هل هو كشف جديد أم إعادة اكتشاف لموقع أثري؟

هو إعادة اكتشاف لو اعتبرنا أن الصور التي قام علماء المصريات منذ زمن بتصويرها هي كشف أثري، لكن الصور القديمة كانت للموقع الأثري، وهو على سطح الأرض فقط فهم لم ينقبوا على هذه الأجزاء التي وجدوها، فالصور بالطبع أفادتنا لكن نحن من وصلنا لبوابة المقبرة التي كانت مدفونة تحت الرمال، وغير مرئية على سطح الأرض، فقد استقدمنا أجهزة المسح السطحي كي نتعرف على الأماكن التي يمكن أن نعثر خلالها على أجزاء "صلبة" فمن خلال هذه الدراسات استطعنا تحديد أن هذا الموقع يحوي على مقبرة، فنحن لم نكن نعرف صاحب المقبرة، لكن تكشف لنا الأمر حين وصلنا إلى بوابتها والتي عليها نصوص مكتوبة تدل أنها تخص مسئول الخزانة "بتاح - مي - ويا".

  • لماذا حوت سقارة تحديدًا هذا الكم الهائل من الآثار؟

يجب أن نعرف أن مدينة منف كانت مهمة جدًا حتى نهاية العصور، فهي تقع في مركز الوسط بين الشمال والجنوب، وبالتالي فموقعها هذا جعل منها أهمية كبيرة بالنسبة للعاصمة التي شيدها رمسيس الثاني "بر رمسيس" والتي تقع في الشرقية حاليا، فهو شيدها كي يكون بالقرب من الحدود الشرقية لمصر، لذلك فسقارة الجبانة ومنف المدينة، كانت تعتبر منطقة تمركز للجيش خلال فترات طويلة من التاريخ، وظلت سقارة تستخدم في إعادة الدفن خلال عصر الأسرة 26، وهذه الأسرة قامت بأعمال ترميم في هرم زوسر، فهذه المنطقة ظلت بها دائمًا حياة مستمرة ولم تترك أبدا؛ بالإضافة لأهميتها الإدارية، في حين أن طيبة ظلت هي العاصمة الدينية لمصر، لذلك فما يحدث داخل سقارة هي مجرد بداية لاكتشافات قادمة.