زمان كانت الناس بتعيش في بيوت كبيرة تسمى بيت العيلة تشمل الأب والأم وعدد كبير من الأبناء الذكور وزوجاتهم وأبنائهم ورغم تواجد كل هؤلاء البشر تحت سقف منزل واحد إلا أنهم يعيشون في ود وسلام ولا تحدث بينهم مشادات كلامية ولاخناقات إلا نادرا عكس ما يحدث الآن .
لكن في الوقت الحالي يعيش الأشخاص داخل شقق أو بيوت صغيرة تشمل الأبن وزوجته وأولاده الذين يكن عددهم فى أغلب الأحيان قليل جدا بل قد يكون ابنا واحدا ومع ذلك أصبحت هذه البيوت تفتقد للحب والود والتفاهم الذي كان يملأ بيوت أسلافنا فطوال النهار شجار ومشاكل سواء بين الزوج والزوجة أو بين الأبناء وفي كثير من الأحيان ينتهى الأمر بالطلاق .. فما الفرق الذي حول حياتنا لهذا الشكل؟
التربية السليمة وعدم الأنانية والغيرة هى كلمة السر وراء نجاح بيت العيلة قديما وغيابها سبب فشل بيوت الأسرة الواحدة حاليا.
كانت هناك عقيدة راسخة بين الآباء والأمهات أن الأبناء عزوة فيخرج الأطفال في جو ملئ بالحفواة الحب والمودة والاهتمام والرعاية رغم بساطة تعليم الأهل وبساطة الإمكانيات المادية حينها مما كان يجعل بيت العيلة عمود الحياة.
وفي بيت العيلة كان الآباء يحرصون على ترسيخ مفهوم العزوة وأن الاتحاد قوة وتربية الأشقاء على التكاتف والتعاون فى كل شئ منذ نعومة أظافرهم حتى فى اللعب أمام المنزل، وبطبيعية الحال يحرص الأهل على علاج الضغينة أو غيرة وزع الحب في نفوسهم وعدم مقارنتهم ببعض حتى أن هناك بعض الأمثال الشعبية التى ظهرت تؤكد على أهمية الاتحاد والترابط بين أبناء العائلة الواحدة مهما كان بينهم من خلافات، منها " أنا وأخويا على ابن عمى وأنا وابن عمى على الغريب".
ومما ساعد على نجاح هذه المهمة وجود قدر كاف من الوقت لدى الأهل لتربية الابناء بشكل سليم وانخفاض الأعباء والضغوط الحياتية، كما أن بساطة الحياة لعبت دورا كبيرا حينها فلا توجد منافسات على أشياء ثمينة والرفاهيات محدودة مما يجعل الغيرة غير موجودة بين الابناء إلا إذا كان الوالدين يفضلان أحد الأبناء دون أشقائه.
وكانت المهام المنزلية كثيرة جدا بسبب عدم توفر الأجهزة الموجودة حاليا مما كان يجبر نساء العائلة على تقسيم المهام المنزلية من أجل تخفيف العبء والحصول على قدر أكبر من الوقت والراحة وكنا مجبرين على التعامل مع بعضهن بسلوك طيب لكى تستمر الحياة كما أن الرجال كانوا لايسمحون بحدوث خلافات كبيرة.
وكان الود الموجود بين الأبناء يجعلهم يرفضون تناول طعام مميز دون أن يتناول منه الأخ حتى بعد استقرار كل منهم في أسرته أما الآن فالأنانية تسيطر على المشهد مما سمح للطرف الاخر بالشعور بالغيرة من الأخ الأكثر استقرار ماديا والأكثر رفاهية ومن ثم تنشأ الغيرة والمشاحنات والكره والحقد ولا يتسطيعوا العيش في بيت العيلة مرة أخرى.
وفى الوقت الحالى اختلفت نظرة الانسان لنفسه ولأهمية تواجده فى كيان أسري كثيرا عن الماضي فالجميع يفكر فى حياة الحرية دون قيود أو التزمات مع بعض الأنانية خاصة فى ظل تطور وسائل الاطلاع على العالم كالتليفزيون والسوشيال ميديا مما زاد رغبة الأشخاص فى تقليد الآخرين وعيش حياتهم الأفضل مهما كان الثمن حتى لو على حساب أسرتهم فالمال أهم من أى شئ.
وهذا بدوره جعل الكثير من الآباء يتخلون عن مهمتهم في تربية أبنائهم وتقويم سلوكهم أو الإنفاق عليهم فهم لايرغبون في اضاعة العمر مع الأبناء ويرون أن صرف هذه الأموال على ملذاتهم أفضل بكثير، والبعض الأخر يقضي اليوم كله فى العمل منتقلا بين أكثر من وظيفة لتلبية أكبر قدر من الرفاهيات والحصول على المال اللازم لتوفيرها.
وزادت حالات التفكك الأسري ومعدلات الطلاق وغياب التنشئة السليمة حتى خرج للمجتمع أجيال لديها بعض الاضطرابات النفسية ولا تستطيع بناء أسرة مستقرة فلم يتوقف الأمر عند اختفاء بيت العائلة بل أصبحنا نفتقد بيت الأسرة السعيدة .