الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

من التحريم إلى جماليات الخطوط.. كيف مرّت رحلة طباعة المصحف في مصر؟

المصحف الشريف
المصحف الشريف

مرّت رحلة طباعة المصحف داخل مصر  بمراحل عدة، إذ رفض رجال الدين طبعه في بداية الأمر بل وصل الأمر إلى تحريم طباعته، إلا إنهم سرعان ما استجابوا للتغيرات التي أحدثتها المتغيرات  الجديدة داخل المجتمع وتقبلوا الأمر في النهاية.


في بحثه الذي حمل عنوان "كتابة المصحف وطباعته" قدم الدكتور أوس الأنصاري، الأستاذ بقسم تحقيق التراث بمعهد البحوث والدراسات العربية، بحثا تحدث من خلاله عن تطور كتابة المصحف في مصر عبر العصور.

حركات تنويرية

تم اختراع حروف الطباعة في ألمانيا سنة 1440م، ومع انتقالها إلى إيطاليا والتي أنشئ فيها أول مطبعة عام 1467م، بدأت تظهر الطباعة العربية داخل أوروبا، وخلال تلك الفترة كان كل شيء يتم صبغه بالدين، وتعد اللغة العربية أول لغة شرقية نالت عناية المهتمين بالطباعة وخاصة  في مطابع روما، إذ أرادوا في تلك الفترة الاطلاع على القرآن الكريم، وتحول الغرض الديني من الطباعة إلى الغرض العلمي بعد ذلك؛ نتيجة الحركات التنويرية التي بدأت مع الثورة الفرنسية وتأثيرها على البلاد الأوروبية المجاورة خلال تلك الفترة.

بدأت الطباعة تنتشر في العالم العربي من مدينة حلب بسوريا، وتم إنشاء أول مطبعة في حلب سنة 1704م، لكن تأخر وصول الطباعة في مصر قرابة القرن وتحديدًا مع دخول الحملة الفرنسية إلى مصر سنة 1798، وعندما صعد محمد علي باشا إلى رأس السلطة، قام بإنشاء مطبعة بولاق والتي قامت بخدمة مشروعاته المدنية والعسكرية والتعليمية.

قواعد خطية

أراد محمد علي في ذلك الوقت طباعة أجزاء مـن القرآن الكريم لتلاميذ مدارسه، لكنه اصطدم برفض علماء الدين طباعة القرآن الكريم، إلا إنهم سرعان ما ألفوا الطباعة، ولم يستمروا في تحريمها، وقد دفع محمد علي باشا بمخطوط للقرآن الكريم إلى مطبعة بولاق، ووافق العلماء على طبعه، ويرجح أن يكون ذلك في 1833م، وطلب بعد طبع المصحف إلى الشيخ التميمي مفتي الديار المصرية وقتئذ أن يضع خاتمه عليه؛ حتى يكون بيعه وتداوله أمرًا مشروعًا.

اهتم محمد علي بخطوط مطبعة بولاق، فأمر بإحضار "سنكلاخ"، وهو خطاط هندي عاش في مصر، وقد أمره الوالي بعمل حروف جديدة، فعمل أمهات لخطوط النسخ، وأنشأ حروفًا جديدة من قاعدة الخط الفارسي، وهو ما جعل مطبعة بولاق تتفوق على الأستانة في هذا الأمر، وقد كان هناك إدراك لدور مصر الكبير في عالمها العربي والإسلامي؛ فأنتجت حروفا من الخط الكوفي المغربي والمستخدم في المغرب العربي، وقد بلغت القواعد الخطية المستخدمة في مطبعة بولاق ست قواعد للخطوط.

جماليات الحروف

وقعت بعض الأخطاء المطبعية، والتي بدأت تظهر بعد أن توفى الوالي محمد علي باشا، وقد أعطى الأمر فرصة لعلماء الدين أن يطلبوا من الوالي عباس الأول بإصدار أمره بمصادرة المصاحف المطبوعة، وعندما جاء الوالي سعيد أراد أن يصرف بعض هذه المصاحف لتلاميذ الحربية وتدريسه لهم، فأفتى العلماء بإمكانية تصحيحه.

حدث تطور كبير في جماليات الحروف العربية خلال نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، إذ حدثت ونهضة خطية في مصر خلال عهد إسماعيل، وذلك عندما قام محمد جعفر بك الخطاط الشهير، بكتابة حروف جديدة بدون شكل ونصف شكل، واستخدم حروفًا خاصة بكتابة القرآن الكريم، جمعت علامات الإعراب والتجويد، وراعت جميع جماليات خط النسخ في أجمل قواعده، وكانت حروفه أجمل حروف طباعية على الإطلاق، وبها صدر المصحف المشهور بمصحف الملك فؤاد، وهو أول مصحف مجموع من الحروف الطباعية المتفرقة، وقد استمرت طباعة هذا المصحف حتى الآن والذي يطبع داخل المطابع الأميرية، وقد نسب المصحف للملك فؤاد لصدوره في عهده، إلا أن الإعداد لهذا المصحف سبق ذلك بكثير، خاصة وأن جعفر بك توفي سنة ١٩١٦م، قبل تولي الملك فؤاد الحكم.

الخط الإفريقي

ظهرت المصاحف في مصر بعد ذلك مطبوعة بخطوط كثير من الخطاطين من أمثال: مصطفى نظيف ـ الشهير بقدر غلي ـ ومحمد سعد حداد، وعبد المتعال إبراهيم ـ الذي كتب قرابة عشرين مصحفا طباعيًا، والحاج زايد. وقد أدركت مصر أهمية دورها في نشر القرآن الكريم، فظهرت دور خاصة كثيرة للطباعة، اعتنت بطباعة القرآن الكريم، منها مطبعة البابي الحلبي، ومطبعة المشهد الحسيني، ودار المصحف، وغيرها، ليس فقط على الصورة السائدة في مصر برواية حفص، وإنما أيضًا برواية ورش عن نافع التي توافق قراءة أهل المغرب المشتهر لديهم.


وخلال تلك الفترة، اعتنى كذلك بطباعة المصحف بالخط الإفريقي مراعاة لما هو منتشر في الدول الإفريقية، مع ضبطه بالكتابة العربية وتقيده بالنقاط والشكل.