قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق إن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغ ثنتي عشرة سنة خرج به عمه إلى الشام، وقيل كانت سنه تسع سنين وفي هذه الرحلة رآه راهب صالح يدعى بحيرا -واسمه جرجيس- وعلم الراهب من أمر محمد ﷺ ما جهله قومه وأهله، فسأل أبا طالب عنه فقال: ابني. فأجابه: ما ينبغي أن يكون أبوه حيًا، وتعجب أبو طالب من علم بحيرا! فقال له: فإنه ابن أخي مات أبوه وأمه حبلى به. فأجابه بحيرا مقتضبـًا وناصحـًا: صدقت، ارجع به إلى بلدك، واحذر عليه يهود.
وتابع علي جمعة عبر صفحته على فيس بوك فأسرع أبو طالب برده مع بعض غلمانه إلى مكة، ويبدو أن بحيرا قد عرفه من خاتم النبوة الذي بظهره -كما جاء في بعض الروايات-، ومما كان يقرؤه بكتبه من قرب بعثة نبي بعد عيسى -عليه السلام-، ومن أمارات ذلك النبي وعلاماته
وأشار علي جمعة إلى أن النبي قد ورث عن آبائه المجد والمكانة، وحفظه الله أن تصيبه لوثات الجاهلية، كما طهره من أدرانها، فكان خلقه قبل البعثة مثلاً بين قريش، لكنه ﷺ لم يرث عن آبائه متاعًا أو تجارة فكان على شرف نسبه، وسمو مكانته، يسعى في الأرض، يفتش عن رزقه، ويكدح يومه مجابهًا شظف العيش، وخشونة الحياة، وهو في ذاك يتنقل بين رعى الغنم، والتجارة.
عمل النبي
وأشار علي جمعة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم رعى الغنم مثله في ذلك مثل النبيين من قبله، وكان يمضى نهاره مستظلاً بسماء ربه، ويقضى يومه حر الخطا يتجول بين المراعى، حر البصر يقلبه في أرجاء الكون الواسع حوله، حر الفؤاد يتنقل به بين فكرة وفكرة! ثم هو مع ذلك لا يهيم بعيدًا في الخيال، بل يحفظ يقظته لتحفظ له غنمه الشاردة عن أنياب الذئاب، تعلم ذلك حين رعى الغنم قديمًا في بنى سعد، وثابر عليه وهو يرعاها الآن - على قراريط- لأهل مكة.
وبينا أبو طالب يمر في أسواق مكة إذ علم أن خديجة تستأجر الرجال لتبعثهم في تجارتها إلى الشام مقابل بكرين -أي جملين- فاستأذن أبو طالب محمدًا ﷺ ثم عدا على خديجة فعرض عليها استئجار محمد على أربعة بكار، فأسرعت بالموافقة، وقيل بل هي التى أرسلت إليه تستأجره، على أن تعطيه أفضل ما كانت تعطى غيره من التجار، لما سمعت من كرم خلقه، وصدق حديثه، فأجابها وعمره حينئذ خمسة وعشرون عامـًا.
وارتحل ﷺ إلى الشام بتجارة خديجة، وفي صحبته غلامها ميسرة، فباع واشترى، ورأي ميسرة من عظيم أمانته وصدق حديثه، وفضل خلقه، ما جعله يسارع إلى خديجة عند عودته ليقص عليها ما رآه من هذا الرجل العظيم، وقد لمست هذه السيدة الكريمة فضل محمد ﷺ حين وجدت تجارتها بخلقه وعذوبته قد تضاعفت -أي بلغت الضعف-، مما قوَّى في صدرها رغبتها في الزواج منه.