الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رجب الشرنوبي يكتب: من كابول.. الضحية والجلاد!!!

صدى البلد

 

ليست كابول وحدها من سقط من جديد في يد الإرهاب الطالباني..بل سقطت كل القيم الإنسانية والمعاني الجميلة في بئر الخداع والخيانة الأمريكية والبريطانية وقوي الشر في العالم التي لم ولن ترحم يوماً ضعيف.
تابعت وغيري من ملايين حول العالم هذه الصور المخزية القادمة من أفغانستان عبر شاشات التلفزة العالمية والمواقع الإلكترونية..تلك المشاهد الهوليودية التي ذكرتنا بأفلام ألفريد هتشكوك.

مشاهد من الرعب يتسابق فيها المواطنين الأفغان العزل للهروب من كابول،خوفاً من جحيم الطالبان الذي ينتظرهم إذا بقوا هناك ولم يمكنوا من الخروج،آلاف من الشباب الأفغاني يتسلقون أجسام الطائرات التي ترابض علي أرض مطار العاصمة الأفغانية في مشهد فاق كل عبقريات الإخراج السينمائي،آملين تحقيق النجاح والحصول علي فرصة ثانية للحياة،حتي أن بعضهم تعلق بأجنحة الطائرات أثناء لحظات إقلاعها،وهو يدرك ويعي جيداً أنه يودع الحياة،لكنهم يفضلون هذه النهاية المأساوية علي العيش في سجون الطالبان ولهم وذويهم فيها تجارب لاتنسي من العذاب والتنكيل.

لم تتخطي ردود الأفعال الصادرة عن عواصم صنع القرار  العالمي علي مدار الأيام السابقة دعوات الإنتظار بعض الوقت..حتي تفصح الطالبان عن فلسفتها ومنهجيتها الجديدة في ادارة الأمور داخل المدن الأفغانية وكيفية تعاملها مع بقايا الرعايا الأجانب الموجودة هناك..كأن حركة طالبان التي تكونت نواتها الأولي في المدارس الدينية الباكستانية ثم إتخذت قندهار  القريبة من الحدود الباكستانية مقراً لها ثم أصبحت بعد ذلك ملاذاً آمناً  للإرهابيين حول العالم..قدآلت إليها دفة قيادة الشعب الأفغاني برغبة كاملة منه وبقرار عبر عنه في صناديق الإقتراع!!!

طالبان التي لاتعرف إلا الإرهاب وقوة السلاح وطلقات المدافع وإسالة الدماء وحصد أرواح الشباب والشابات والشيوخ والنساء والأطفال الأفغان..ماذا تتوقع أمريكا منها وهي التي وضعتها علي رأس قوائم الأمم المتحدة للمنظمات الإرهابية..ماذا يتوقع العالم الإستعماري من ورثة  الملا محمد عمر والأجيال الجديدة للحركة بعد ماتربوا وترعرعوا وسط القتل والدمار وروائح الدم.

سلمت أمريكا الشعب الأفغاني إلي حركة طالبان الإرهابية تحت سمع وبصر العالم المتخاذل الذي شارك عن عمد في مسرحية هزلية أحداثها قمة المأساوية..وهو يدعي أنه يدافع ويحمي قيم مثل الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان حول العالم.

فقط إنصب إهتمام الولايات المتحدة وتركزت إهتمامات حلفائها علي سرعة إجلاء رعاياهم من أرض أفغانستان بعد أن مكثوا هناك عقدين كاملين لخدمة مصالحهم الخاصة وهم يدعون أنهم ماجاءوا إلا لإنقاذ الشعب الأفغاني من ذل ومهانة وإجرام طالبان والقاعدة..حتي الذين تعاونوا وعملوا معهم وهم عشرات الآلاف من الأفغان تنكروا لهم وتركوهم يواجهون بأنفسهم مصيرهم المحتوم..لماذا ذهبت الولايات المتحدة إلي هناك؟؟!أين ذهبت وعود الرخاء وحقوق المرأة والطفل والديموقراطية وصون الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان المزعومة؟؟!!لماذا خرجت أمريكا وحلفائها من أفغانستان وتركوا الشعب الأفغاني فريسة يلتهمه الطالبان كيف يشاء؟؟!!

لازالت الولايات المتحدة تحاول الإستمرار في خداع الرأي العام الأمريكي والعالمي كما تعودت دائماً سواء الإدارة الحالية أو الإدارات السابقة..خرج مسئولي البيت الأبيض وعلي رأسهم الرئيسي الأمريكي ليبدوا إندهاشهم من سرعة إستيلاء حركة طالبان علي المدن الأفغانية وسقوطها في أيديهم بعد إنسحاب الجيش الأفغاني الحكومي وهروب الرئيس أشرف غني..الرئيس الامريكي محاولاً الإستمرار في تزييف الحقائق يخرج علي العالم ليبلغه أن أمريكا ذهبت إلي هناك للقضاء علي تنظيم القاعدة فقط وليس لأي شيء آخر.

"أمريكا لم تذهب إلي أفغانستان لتمنح الشعب الأفغاني الحرية والديموقراطية والكرامة الإنسانية"هكذا كان بيان جو بايدن الصادم للشعب الأفغاني الذي ظن وظل لسنوات يعتقد أن واشنطن هي الصديق الحنون الوفي المخلص..الذي جاء وقاد تحالفاً دولياً ليرفع عنهم ظلم ويكف عنهم أذي ويعيد لهم كرامتهم الإنسانية التي أُنتهكت خلال سنوات من حكم الطالبان والقاعدة.

لم يكن أكثر الأفغانيين تشاؤماً يتصور أن أمريكا التي صنعت بأيديها طالبان والقاعدة لتتخلص من الوجود السوفيتي  هناك علي مدار عشر سنوات..هي نفسها من ستتطعنهم وتجهز علي ماتبقي من قواهم خصوصاً وهم ذاقوا العذاب سنوات كثيرة أخري عجاف بعد السوفييت كانو قد قضوها كأسري في قبضة أمراء الحروب المدعومين وقتها من قوي دولية وإقليمية مختلفة..في حرب أهلية مريرة دفع فيها أبناء أفغانستان وبناتها تكلفة باهظة لاذنب لهم فيها قبل أن تبسط الطالبان كامل سيطرتها علي البلاد عام 1996.

أعتقد ان حركة طالبان اليوم ليست كما كانت في السابق..حركة الأمس كانت لازالت وليدة في بدايتها ولم تكن تتمتع بإمكانيات وخبرات واسعة سواء في القتال أو علي صعيد التحركات السياسية..خصوصاً داخل المحيط الإقليمي لأفغانستان إضافة إلي إعتمادها في جزء كبير من تمويلها ودعمها المالي علي زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن..كما أن خوض الحركة حروب داخلية شرسة قبل ذلك مع فصائل أفغانية أخري قادها أمراء الحرب الأفغان بالتأكيد كانت تنال من قوتها..قبل أن تحكم هي  قبضتها علي البلاد لخمس سنوات متتالية وصولاً إلي أحداث سبتمبر.

طالبان التي لم تحظي بإعتراف دولي  طوال هذه السنوات سوي من ثلاث دول سرعان ماتخلت عنها..وتم وضعها وضعها علي رأس قوائم المنظمات المنبوذة دولياً..أصبحت اليوم أكبر خطراً علي الأمن والسلم الدوليين..لاسيما بعد أن قويت شوكتها وتراكمت لدي كوادرها كمية هائلة من الأسلحة..تركتها  لها وعن عمد قوات التحالف الذي قادته أمريكا علي مدار العشرون عاماً الأخيرة إلي جانب خبرات عسكرية وعلاقات دولية وخبرات سياسية متنوعة.

لعل صورة الطفل الأفغاني المريض المنهك الذي  تناقلته مئات الأيدي قبل أن يصل إلي يدي جندي أمريكي في محيط المطار أبلغ تعبير عن المستقبل الذي ينتظره الأطفال في كابول وغيرها من المدن والبلاد الأفغانية..من المؤكد أن هذا الطفل أكثر حظاً من مئات الآلاف من الأطفال بلا مأوي الذين سيكبرون ويعيشون ويتعلمون قواعد القتل وإراقة الدماء..بل سيرفعون علامة النصر وهم يشتمون روائح الدم في ظل  فكر الطالبان الإرهابي الذي لايعرف للحياة معني غير الموت.

الشاب أحمد مسعود أبن زعيم تنظيم الشمال أحمد شاه مسعود الذي إغتالته طالبان منذ عدة سنوات..هو نفسه الشاب الذي يقود أقليم بنشير الآن ضد حركة طالبان لم يكن  منذ عدة سنوات سوي واحداً من هؤلاء الأطفال..اللهم إحفظ علي مصر وأهلها وأمانها.