أثار التقدم السريع لحركة طالبان في أراضي أفغانستان، مخاوف دولية من استعادة الحركة المسلحة قوتها وفرض سيطرتها على البلاد ونقل الخطر للمناطق المجاورة، حيث أدى قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بسحب قواته من ذلك البلد إلى تغيرا في موازين القوى.
في خطاب جريء للرئيس الأمريكي، دافع بايدن عن قرار سحب القوات الأمريكية من أفغانستان، مؤكدا أن العملية العسكرية ستنتهي بحلول 31 أغسطس، مدافعا عن الوتيرة السريعة للانسحاب الأمريكي من أفغانستان، في وقت تسيطر فيه حركة طالبان على مناطق عدة في جميع أنحاء البلاد.
يرى البيت الأبيض أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية لا تدعم فرضية سيطرة طالبان على أفغانستان، في أعقاب الانسحاب الأمريكي، مشيرا إلى إنفاق حوالي 3.9 مليار دولار كمساعدات إنسانية، وتدريب أكثر من 300 ألف جندي أفغاني على مدار السنوات الماضية.
وينهي قرار بايدن 20 عاما من الحرب الأمريكية على الإرهاب في أفغانستان، والتي بدأت بعد هجمات سبتمبر 2001، لكن تقدم طالبان المفاجئ تسبب في انتقادات لقرار الانسحاب الأمريكي، ومطالب لبايدن بتمديد وجود قواته هناك.
ورغم ذلك، ينفي الرئيس الأمريكي أن تكون سيطرة طالبان "حتمية"، موضحا أن قوة طالبان التي يبلغ قوامها حوالي 75 ألف مقاتل لا تضاهي 300 ألف من قوات الأمن الأفغانية.
تقول صحيفة "إندبندنت" البريطانية، إن قرار الانسحاب من أفغانستان يسلط الضوء على حجم وطبيعة عملية التراجع والاستسلام التي تقوم بها الآن الولايات المتحدة وحلفاؤها.
وتحذر الصحيفة في تقريرها، من عودة طالبان للسيطرة على مناطق شاسعة من الريف وعواصم المقاطعات، وأضافت أنه خلال بضع سنوات، إن لم يكن أشهر، ستدخل أفغانستان في حالة حرب أهلية مريرة، وفي أسوأ الأحوال، ستشهد عودة نظام الإقطاعيات القبلية الذي ساد في ظل فترة هيمنة طالبان السابقة.
لكن الحكومة الأمريكية ترى أن بقاء قواتها في أفغانستان، لن يغير مسار البلاد، زاعمة أنها حققت هدفها الرئيسي باستئصال تنظيم القاعدة الإرهابي وزعيمه أسامة بن لادن، ولذلك لا يوجد سبب لإبقاء القوات الأمريكية هناك.
تقدم سريع لطالبان
تقلل إدارة بايدن من احتمال استغلال طالبان للفراغ الذي خلفه الانسحاب الأمريكي واستعادة سلطتها بالقوة، لكن بعد اكتمال 90% من عملية الانسحاب، تقول طالبان إنها تسيطر على 85% من الأراضي الأفغانية.
وقال عضو فريق مفاوضي طالبان شهاب الدين ديلاور خلال مؤتمر صحفي في موسكو إن 85% من الأراضي الأفغانية باتت تحت سيطرة الحركة، بينها نحو 250 إقليما من بين 398 في البلاد، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية "فرانس برس".
من جانبها قالت روسيا إن حركة طالبان تسيطر على الجزء الأكبر من الحدود الأفغانية مع طاجيكستان، داعية إلى "ضبط النفس" بين المعسكرين في أفغانستان.
وقال سهيل شاهين المتحدث باسم طالبان في تغريدة على تويتر "كل الحدود الواقعة تحت سيطرة أفغانستان ستبقى مفتوحة وعاملة.. نؤكد للجميع أننا لن نستهدف دبلوماسيين ولا سفارات وقنصليات ولا منظمات أهلية ولا العام لين بها".
تأثير الانسحاب على الولايات المتحدة
يحذر خبراء من أن سحب القوات الأمريكية من أفغانستان، قد يكون مقلقا خاصة بالنسبة للتوقيت وسرعة وتيرة الانسحاب، وسط مخاوف من تكرار المخاطر المترتبة على قرار الرئيس الأسبق باركاو أوباما بالانسحاب من العراق، بالمخالفة لتوصيات العسكريين، ما تسبب في فراغ أمني أسفر عن ولادة تنظيمات إرهابية متشددة مثل "داعش".
ورغم رفض الأمريكيين الاستمرار في أطول حروبهم الخارجية وأكثرها تكلفة، ماديا وبشريا، يعتقد الخبراء أن القرار سيمنح دورا أكبر لروسيا والصين في أفغانستان.
وتحاول طالبان التقرب من الصين التي تعتبر الانسحاب الأمريكي فرصة لتعزيز استثماراتها في أفغانستان، حيث أعرب سهيل شاهين المتحدث باسم الحركة عن أمله في أن تسارع الصين في أقرب وقت ممكن لضخ مزيد من الاستثمارات من أجل إعادة إعمار أفغانستان.
وأشار إلى أن حركة طالبان "ستسهر على توفير الأمن للرعايا الصينيين في البلاد، وكذلك لكافة الاستثمارات المرتبطة ببكين"، معتبرا الصين "بلدا صديق لأفغانستان".
وحاولت الصين خلال السنوات الأخيرة الماضية حضورها الاستثماري في أفغانستان، حيث استهدفت بشكل خاص الموارد الطبيعية التي يتوفر عليها هذا البلد.
ويزور وفد من طالبان العاصمة الروسية موسكو منذ يوم الجمعة، وسعى الرئيس فلاديمير بوتين للحصول على تأكيدات من الحركة بأنها ستحترم حدود دول آسيا الوسطى التي كانت ذات يوم جزءا من الاتحاد السوفيتي.
بينما قالت باكستان المجاورة إنها لن تفتح حدودها أمام اللاجئين، فيما أعرب وزير الخارجية الهندي سوبرامانيان جايشانكار عن قلقه بشأن التطورات في أفغانستان، داعيا إلى الحد من العنف، قائلا إن "الوضع في أفغانستان له تأثير مباشر على الأمن الإقليمي".
وفي وقت سابق، حذر معهد "ستراتفور" للدراسات الاستراتيجية والأمنية، من أن الانسحاب الأمريكي السريع من أفغانستان، تزامنا مع المكاسب الإقليمية لحركة طالبان سيؤدي إلى حرب أهلية وصراع على السلطة بين مقاتلي طالبان وقوات الحكومة الأفغانية.
وتمنح المكاسب على الأرض حركة طالبان أوراق مساومة استراتيجية لاكتساب المزيد من النفوذ في المفاوضات المستقبلية مع الحكومة الأفغانية.
ويتوقع المركز اندلاع حرب أهلية في أفغانستان، في غضون 6 أشهر، من انسحاب القوات الأمريكية، كما يؤثر القرار الأمريكي على قدرة الجيش الأفغاني الذي يعتمد على المتعاقدين الذين تمولهم الولايات المتحدة، وبما أنهم سيغادرون قريبا، في إطار الانسحاب الأمريكي، فيمكن أن يؤدي ذلك إلى شل القوات الجوية الأفغانية.
فيما رجحت تحليلات أمنية إحياء معسكرات التدريب للجماعات الإرهابية في أفغانستان، ملمحة إلى احتمالية عودة ظهور تنظيمات إرهابية مثل القاعدة وداعش، بعدما وضع أقدامه الأجزاء الجنوبية للبلاد.