خيبة أمل كبيرة أصابت كثيرين من الأفغان ممن كان لديهم أملا أن تكون 20 عامًا طويلة ومرة من الحرب والمآسي قد أنضجت عقل حركة طالبان وغيرت نظرتها إلى الحياة والمجتمع، فتخرج من تجربة الحرب الطويلة كيانًا آخر مختلفًا عما كانت عليه قبل الغزو الأمريكي.
لكن يبدو الأمر وكأن 20 سنة من الحرب وإزهاق الأرواح لم تغير شيئًا من العقل الطالباني، وتنبئ الأنباء الواردة من المناطق التي سيطرت عليها طالبان بالتزامن مع الانسحاب الأمريكي متسارع الوتيرة أن الحركة بدأت بفرض إجراءات وقواعد متزمتة للسلوك الواجب اتباعه.
وفي تحقيق أجرته إذاعة "فويس أوف أميركا"، نقلت عن سكان من مدينة بلخ شمالي أفغانستان أن طالبان وزعت منشورات تأمر السكان باتباع قواعد سلوكية متزمتة شبيهة بتلك التي فرضتها الحركة على البلاد إبان فترة حكمها بين عامي 1996 و2001.
وتقول ناهدة، الأفغانية البالغة من العمر 34 عامًا "إنهم (طالبان) يريدون فرض القواعد التي فرضوها على النساء تحت حكمهم، بما فيها منعهن من الخروج من بيوتهن دون حجاب يغطي الوجه ودون أن يصحبهن رجال من أهل بيوتهن".
وكانت الحكومة الأفغانية المدعومة أمريكيًا بعد هزيمة طالبان عام 2001 قد سنت تشريعات ترد إلى النساء بعض حقوقهن، مثل التشجيع على تعليم الفتيات وإتاحة فرص العمل للنساء، ووفقًا لبيانات حكومية فإن النساء يشغلن نسبة 30% من وظائف الحكومة، بعدما كن ممنوعات من الخروج من بيوتهن أصلًا في عهد حكم طالبان.
وتضيف ناهدة (وهو اسم مستعار) أن قواعد طالبان الجديدة، أو المجددة، ستكون ثقيلة الوطأة على النساء، فالكثير منهن الآن يعُلن أسرهن ويتولين الإنفاق عليها.
وبعد توقيع اتفاق السلام مع الولايات المتحدة العام الماضي، أبدت طالبان إشارات على تفهمها للواقع الجديد في البلاد، واستعدادًا لتبني سياسات أكثر انفتاحًا، لكن الوقائع على الأرض تنبئ بشيء مختلف.
وقال سكان آخرون من بلخ إن طالبان وزعت تعليمات على صالونات الحلاقة تحظر حلاقة أو تشذيب لحى الرجال، ومن فوق منابر المساجد أعلن خطباء الحركة أن الشريعة ستطبق حرفيًا.
وحذر القائم بأعمال سفير الولايات المتحدة في كابول، روس ويلسون، في تغريدة على تويتر يوم الأربعاء، من أن العنف المتزايد لطالبان ينتهك حقوق الإنسان، وأثار مخاوف من "فرض نظام لا يؤيده مواطنو هذا البلد".
وحذر تقرير أصدرته العام الماضي منظمة هيومن رايتس ووتش من أنه بالرغم من تظاهر قادة طالبان بشيء من الواقعية والنية لإعادة النظر في رؤاهم المتشددة، فإن الحركة مستمرة بفرض قواعد متزمتة على سكان المناطق التي تقع تباعًا تحت سيطرتها.
ونقلت الإذاعة عن مدير مركز الدراسات الأفغانية بجامعة نبراسكا الأمريكية شير جان أحمد زاده أن طالبان لم تقدم أي دليل على صحة مزاعمها بشأن سياسات وسلوكيات جديدة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وفي بعض المناطق يجبر مقاتلي الحركة السكان المحليون على تقديم الطعام لهم، ويمنعون خروج النساء دون محارم، وهناك ممارسات أخرى تصعب معرفتها بسبب تعذر عمل الصحفيين في مناطق سيطرة طالبان.
وبمناسبة الحديث عن الصحافة، فمن اللافت أن مقاتلي طالبان، حين سيطروا على مدينة بلخ الشهر الماضي، أجبروا محطتها الإذاعية الوحيدة "نوباهار" على بث أناشيد الحركة ومواد إذاعية مناهضة للحكومة الأفغانية.
وقالت منظمة "ناي" لحرية الإعلام إن نحو 20 محطة إذاعية توقفت عن البث في ولايات شمال أفغانستان التي سيطرت عليها طالبان.