نشهد في الفترة الأخيرة تحركات نشطة وتقارب بين الخارجية المصرية والأمريكية..أتضح هذا بشكل خاص بعد نجاح القيادة المصرية في قيادة جهود التهدئة في غزة علي مدار أحد عشر يوماً كانت عصيبة علي أشقائنا الفلسطينيين..كما يعمل الطرفان الآن علي تحويل التهدئة الحالية إلي هدنة طويلة تكون نهايتها وضع حل نهائي لهذه الأزمة الإقليمية التي تخطي عمرها سبع عقود..رغم أن الولايات المتحدة وقفت ثلاث مرات تزامنت مع هذا العدوان الغاشم وكانت بمثابة الحجرة العثرة أمام محاولات أربعة عشر عضو في مجلس الأمن لإصدار بيان يمكنهم من الوقوف في وجه تجاوزات الدولة العبرية..فهل تغير موقف البيت الأبيض تجاة مصر؟؟!!وما هي دوافع أمريكا لتغيير نظرتها إلي القاهرة بعد عدة أشهر يمكن وصفها بالأشهر الباردة من قبل الإدارة الحالية في واشنطن؟؟!!
تابعت مقابلة أجرتها فضائية extra news مع المتحدثة الإقليمية لوزارة الخارجية الأمريكية جيرالدين جريفيث،أوضحت المتحدثة توجيه الولايات المتحدة الشكر لمصر حيال دورها القيادي في وقف إطلاق النار في غزة وجهودها الإنسانية التي قدمتها،كما بينت إمكانية تعاون أكثر في جهود مكافحة الإرهاب وإمكانية حدوث تطور كبير علي هذا الصدي،أشارت أيضاً إلي دور مصر الفاعل في الملف الليبي للحفاظ علي وحدة ومقدرات الشعب الليبي الشقيق،وعندما سُؤِلت عن ملف سد النهضة ومدي إمكانية تفعيل الدور الأمريكي لحسم هذا الملف الحساس بما يحقق مصلحة الدول الثلاث،خصوصاً أننا علي أعتاب المليء الثاني،ذهبت جريفيث لتشرح ماحدث خلال زيارة المبعوث الأمريكي لعواصم الدول الثلاث دون إعطاء أي أجوبة مباشرة،ولم يتخطي حديثها ماسبق أن ذكرة فلينتمان نفسة ووزير الخارجية أنتوني بيلنكن، حول رؤية البيت الأبيض بضرورة حل النزاع ولكن بالطرق السلمية.
ماذكرته جريفيث يتفق مع ماذكره وزير الخارجية ومع كل ماصدر عن المسئوليين الأمريكيين الحاليين وهو موقف غير محدد وينطوي علي بعض الغموض،ما يعني أن الموقف الأمريكي الحالي تجاه كثير من الملفات المفتوحة علي الساحة الدولية غير حاسم،جزء من هذا الموقف مبني علي ماتؤل إلية الأمور فوق الأرض وأيضاً رد فعل الطرف الآخر طبعاً إلي جانب المصالح الوطنية الأمريكية..يدلل علي ذلك بكل وضوح تعاطي الولايات المتحدة مع ملفات هامة مثل النووي الإيراني ورد فعلها تجاه علاقتها بموسكو عقب الأزمة التي طرأت بين الرئيسين بايدن وبوتن كذلك علاقة أمريكا بطالبان أفغانستان وتعاملها مع الحوثيين..إلي جانب تدخلها المتأخر جداً في الملف الليبي بعد أن قادت هي بنفسها الناتو لتدمير ليبيا قبل ذلك.
أعتقد أن الإدارة الأمريكية الجديدة أمضت هذه الأشهر الماضية في إعادة دراسة وتقييم ماوصلت إلية مصر علي مستوي كل الأصعدة،بعد مرور هذه السنوات الثمان منذ أحداث يناير،حتي تستطيع أن تحدد بالضبط الخطوط العريضة لهذه العلاقة التي يُمكن أن تربط بين القاهر وواشنطن خلال السنوات الأربع الحالية.
ربما لا أكون مخطيء إذا تصورت أن الإدارة الأميريكية قد تيقنت بعد دراسة أن وضع مصر الآن لم يعد كما كان قبل عشر سنوات..فالقاهرة تتمتع الآن مثلاً بشبكة من العلاقات الدولية الأكثر إستقراراً وتميزاً،تعتمد هذه العلاقات علي الشراكة التي تتخذ من الإحترام المتبادل مبدأ لها،من المؤكد أن هذا الإدارة تابعت عن كثب كل مايحدث علي صعيد هذه التشابكات،فهي تعلم بالطبع مدي تطور علاقات مصر مع دول عظمي مثل الصين وروسيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا حتي لوكان معها لعض نقاط الخلاف،كما تعلم واشنطن بالتأكيد جهود أنقرة والدوحة لإحداث تقارب جديد مع مصر بعد هذا التعنت خلال السنوات الماضية وهذا بالطبع ينم عن إعادة تفهم تركيا مثلاً وهي واحدة من القوي الأقليمية في المنطقة لأهمية التنسيق مع مصر وهو موقف بالتأكيد لم يأتي من فراغ..إلي جانب إعادة مصر عموماً لصياغة علاقاتها بالمحيط العربي والإقليمي والقاري بشكل أكثر فاعلية.
قطعاً يعلم الرئيس بايدن جيداً الآن بأن مصر سارت خطوات جيدة علي مستوي الكثير من ملفاتها الداخلية بداية من الأمن مروراً بالبنية التحتية والتعليم والصحة والسياحة والإستثمار وغير ذلك،بما وفر لها أرضية إقتصادية قوية مكنتها من إعادة تسليح قواتها المسلحة بأنظمة دفاعية متطورة،وضعت جيشها الوطني في ترتيب مهم ضمن قائمة أكثر الجيوش جاهزية حول العالم،خلال سنوات معدودة..يدعم هذه النتائج تقارير البنك الدولي والمنظمات الدولية المتخصصة في إجرآت التقييم المالي والإقتصادي.
بالطبع يعلم الرئيس بايدن أهمية وضرورة دور مصر بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط،فهو قطعاً سياسي قديم ومحنك كما أنه يملك من الخبرة مايمكنه من رؤية ذلك بكل سهولة..وهي رؤية تاريخية يشاركه فيها
معظم الذين سبقوه في الإقامة بالبيت الأبيض خلال عدة عقودة ماضية..حتي لو كان البعض منهم مثل الرئيس الأسبق أوباما وكان نائباً له قد خطط لإحداث تغيرات في مصر والمنطقة،يكون من شأنها تحجيم هذا الدور المصري بما يضمن التفوق الدائم لإسرائيل علي دول المنطقة.
ظهور معطيات جديدة وتطور أخري في المنطقة وتعاطي القيادة المصرية معها بشكل جيد،ربما زاد مؤخراً من حسابات الإدارة الأمريكية لأهمية الدور المصري الحالي..خصوصاً أن التدخل المصري كان حاسماً ومؤثراً في مناطق نزاع وتوتر مثل ليبيا وشرق المتوسط والسودان وعدد من النزاعات الأفريقية بقيادة مصرية للإتحاد الأفريقي في دورته قبل السابقة والآن الأراضي الفلسطينية المحتلة..هذا التعاطي المتوازن والحكيم للرئيس السيسي في كل هذه الملفات خلق بلاشك دوافع لدي إدارة الرئيس جو بايدن للإستفادة من الموقف المصري وضرورة تطوير هذه العلاقة المصرية الأمريكية ولكن إلي يمكن أن يسير هذا التقدم..هذا ماسوف نراه ونراقبه في الفترة المقبلة.
علي الرغم من كل ماسبق ورغم مرور كل هذه الأشهر أتوقع أن تكون الأيام القليلة القادمة فاصلة في شكل وعمق العلاقات التي ستقررها القيادة المصرية تجاه واشنطن..فعلي أساس ماسوف تتخذه إدارة الرئيس جو بايدن من تدابير وإجرآت حول ملف سد النهضة وموقفها النهائي من هذا الملف الحساس يمكن أن تحدد القاهرة بالتأكيد المستوي الذي ستكون عليه العلاقات بين البلدين في السنوات المقبلة.