الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إبراهيم عطيان يكتب: سوء الظن

صدى البلد

أكثر ما يُبتلى به الناس على مرّ العصور سوءُ ظنِّهم ببعضهم البعض، ذاك الشعور الذي دمَّر الكثير من العلاقات الاجتماعيّة، وقطّع من أواصر المَحبّة ما ليس بالقليل، ولقد حثّنا الله عزّ وجل صراحة على اجتناب الكثير منه، فقال وقوله الحق: 
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾.

لا جدال أنك لا يمكن أن تتحدث عن أضرار شيءٍ إلاَّ إذا كنت على دراية جيدة به؛ لذلك يجب أن نعرف أولًا ماهو سوء الظَّن، وكيف يكون.

تعددت مفاهيم وأسباب هذا السلوك المرضي، بينما نتائجه الكارثية واحدة يمكن الإجماع عليها.

فقال عنه ابن القيم: 
"سوء الظن هو امتلاء القلب بالظّنون السّيئة بالنّاس حتى يطفح على اللسان والجوارح".(1)

وكذلك قال فيه بن كثيرٍ: 
"سوء الظنّ هو التّهمة والتخوّن للأهل والأقارب والنّاس في غير مَحلِّه".(2)

كما يُمكن أن يُعرّف سوء الظنّ أيضًا بأنّه الخوض في الخيال المُسيء في تقدير فعلٍ يُمكن أن يكون له تفسيرين، أحدهما صحيح والآخر خاطئ، كمن رأى رجلًا مع امرأةٍ غريبة فخاض في خياله بلا بينة، وتناسى تربية الإسلام لأبنائه على إحسان الظنّ؛ فربما كانت أخته أو زوجته. 

ولكن لسوء الظن مفهوم واضح بالإمكان الإجماع عليه وتعريفُه بأنّه مَظنّة جانب الشرّ وتغليبه على جانب الخير، في موضوع يَحتمل الجانبين معًا دون تغليب لأحدهما على الآخر، وغالبًا ما ينتهي سوء الظنّ بالآخرين بالوقوع في الإثم أو التصرّف بشكل خاطئ مع الطّرف الآخر، فيدفعه بذلك إلى النفور منه واجتنابه؛ لأنه يحكم بمجرّد تهيّؤات وخيالات، ويُلصق به ما ليس فيه، حتى يحمله بذلك على احتقاره وإطالة اللّسان عليه . 

إنّ لسوءِ الظنّ مآلٌ وآثارٌ سلبية؛ فقد تعزلُ الفرد عن مُجتمعه، وتجعله خائفًا منهم مُعتقدًا أنّهم قد يمسّونه بسوء في أي وقت، فيُفضّل البقاء مُنعزلًا بذاته نفسيًّا واجتماعيًّا، ممّا قد يُؤدّي بشخصيّته وثقته بنفسه مع مرور الأيام. 

وكثيرًا ما يكون سوء الظن من مداخل الشّيطان التي تسبب المُشكلات العائليّة، فيقع النّزاع بين الطرفين، وربما حصل فراق، ثم ظهرت الحقيقة خلاف الظّن بعد فوات الأوان.

ولعل ما ورد في قصة الرَّجل المسن الذي كان يقود أغنامه في الطريق وقد طوَّقهم بسياج متحركٍ من الحديد!!
وعندما رآه الناس تباينت ظنونهم به:
- فبعضهم ذهب إلى أنه قد يكون مختلًا.
- وظن البعض الآخر بأنه قد بَالَغَ في حرصه وخوفه على أغنامه من السرقة.
- بينما أحسنُ الظانين به قد اعتقدوا أنه يخاف على أغنامه من خطورة الطريق.

حتى أراد أحد المارة أن يقطع الشك باليقين، فسأله كما يُقال عن سبب تصرفه هذا، فما كان من ذاك الرجل المسن إلاَّ أن قال: 
أخاف أن تأكلَ أغنامي من زرع وحشائش الناس دون علمهم فأُحاسَب بفعلتهم هذه أمام الله.

العبرة فيما ورد بهذه القصة، أن الناس لا ينفكون عن الظن السيئ ببعضهم البعض، ويذهبون بعقولهم إلى أفكار غريبة، وأوهام تذهب بهم إلى الجحيم؛ فقد يظنون السوء بمن هم أقرب إليهم من أنفسهم، كظن الزوجة السوء في زوجها أو العكس، فتنقلب حياتهم رأسًا على عقب ويفقدون أهم ما يميز العلاقات الزوجية، كالترابط، والشعور بالأمان، ثم تتطور الحالة شيئًا فشيئًا حتى يبدأ الطرفان بالتلصص وتصيد الأخطاء، وربما افتعالها وخلقها من عدم، فتشتد الخلافات لأتفه الأسباب، وينعكس هذا بالسلب على الأبناء؛ بسبب الخلافات الزوجية التي غالبًا ما تبدأ بسيطة، إلا أنهما لا يدركان خطورة تراكمها، أو تكرارها واستمرارها، فتتحول بعد فترة إلى مشاكل حقيقية مركبة ومعقدة، تترك على الزوجين أنفسهما أثرًا سلبيًا يضر بصحة أحدهما أو الإثنين معًا، ثم ينتقل ذاك الأثر السلبي لسوء الظَّن إلى الأبناء، فيتعرضون للفشل الدراسي والانحراف، بسبب نشأتهم في جوٍ من التوتر النفسي، ويدفع الأبناء ثمن طيش الآباء.

وما أكثر هذه النماذج.

فرفقًا ببعضكم البعض فيما تظنون وفيما لا تعلمون؛ فإنه لا يزرع بينكم إلاَّ الشقاق، ولا يقطع طريق الشيطان، إنما يقطع بينكم حبال الأخوة، ويمزِّق وشائج المحبة، ويزرع العداء والبغضاء والشحناء، ويفتح للشيطان ألف بابٍ.