الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إبراهيم عطيان يكتب: الانشغال بالغير

صدى البلد

  نظرة الإنسان لنفسه بعين الكمال والصلاح هي أخطر الأمراض التي يمكن أن تصيبه، فإذا تمكنت منه خُتم على قلبه وبصره، فلا يدع لأهل الفضل فضلًا، ولا لصاحب العذر عذرًا، فيتناسى عيوب نفسه ويتجاهلها، وينظر إلى عيوب الآخرين بمنظاره الدقيق الذي لا يغادر صغيرةً ولا كبيرة،

تجده دائمًا ينتقد الآخرين، ويبالغ في ذكر عيوبهم، ناسيًا أو بالأحرى متناسيًا محاسنهم، فالبعض لا ينتبه إلاَّ لعيوب الناس، بينما عيونهم تعمى عن المحاسن التي قد تكون أكثر بكثير من هذه العيوب.

وهذه الظاهرة منتشرة كثيرًا في جلسات بعض الرجال والنساء، فتجد أحدهم يتحدث عن عيوب الناس، ويقوم بالتشهير ونشر مساوئ الآخرين، وكأنه كامل ولا يعتريه النقص، فيكون ذلك سببًا في تفشي داء الحقد والكراهية فيما بينهم،

والحقيقة أن انشغاله بعيوب الناس والتحدث بها في كل مكان، ما هو إلاَّ غطاء من الزجاج الشفاف يغطي به حماقته، يحاول أن يخفي وراءه عيوبه ويواري خلفه سوءاته.

فقد سمع أعرابي رجلًا يقع في الناس ويكثر من ذكر عيوبهم، فقال: لقد استدللت على عيوبك بكثرة ذكرك لعيوب الناس؛ لأن الطالب للعيوب إنما يطلبها بقدر ما فيه منها.

وقيل أيضًا بأن الشخص الذي يرى صورة نفسه صغيرة تجده دائمًا يضخم عيوب الآخرين، فإذا عُرف بأنه مشغول بتضخيم عيوب الآخرين والطعن فيهم، فهذه مرآة تعكس مدى شعوره بضآلة نفسه وحقارتها وأن حجم نفسه صغير جدًا أمام الآخرين؛ لأنه يعتقد أنه لن يقوم إلا على أنقاض الآخرين. 

فيشغله ذلك الداء العظيم عن نفسه، ويجره إلى الغفلة والانتكاس، ويسهل عليه المحرمات، ويورده موارد الهلاك وسوء الظن بالآخرين، 
أما من اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره، فقد أراح بدنه وقلبه.
وقد جاء أن السلف الصالح — رضوان الله عليهم — قد بلغوا مبلغًا عظيمًا في الكف عن الحديث في الناس والانشغال بعيوب أنفسهم عن عيوب غيرهم، بل كان الواحد منهم يخشى أن هو تكلم في الناس بما فيهم من عيوب أن يبتليه الله بمثله،
ويقول الأعمش: سمعت إبراهيم النخعي يقول: إني لأرى الشيء أكرهه، فما يمنعني أن أتكلم فيه إلا مخافة أن أُبتلى بمثله.

وهذه قصة رمزية تعزز ما نقوله:
انتقل رجل مع زوجته إلى منزلهم الجديد، الذي كان يطل على بيت جاره، ويرتبط منزله معه بحديقة مشتركة، وفي أول صباح لهما بالبيت أطلت الزوجة من النافذة، فتعجبت من اتساخ الغسيل على حبال جارتها، وبعد دقائق، وبينما كانت تتناول مع زوجها وجبة الإفطار، قالت بتهكم، وهي تشير من خلف زجاج نافذتها المطلة على الحديقة:
انظر يا عزيزي إن غسيل جارتنا ليس نظيفًا، لابد أنها تشتري مسحوقًا رخيصًا..
ودأبت الزوجة على ترديد نفس التعليق في كل مرة ترى غسيل جارتها !!
وبعد مدة ليست بالقليلة اندهشت الزوجة عندما كانت تجلس في نفس المكان، فرأت الغسيل نظيفًا على حبال جارتها وقالت لزوجها بصوت المتعجب:
لقد تعلمَت جارتنا أخيرًا كيف تغسل!!
فأجاب الزوج غير راضٍ: عزيزتي لقد نهضت مبكرًا هذا الصباح فقمت بتنظيف زجاج النافذة التي تنظرين منها..

ومن أروع ما قيل في هذا المقام، قول القائل:
قبيح من الإنسان أن ينسى عيوبه، ويذكر عيبًا في أخيه قد اختفى،
ولو كان ذا عقل ما عاب غيره، وفيه عيوب لو رآها بها اكتفى.

وكذلك قيل أن زاهدًا لقي زاهدًا فقال له: إني أحبك في الله،
فقال الآخر: لو علمتَ مني ما أعلم من نفسي لأبغضتني،
فقال له الأول: لو علمتُ منك ما تعلم من نفسك لكان لي فيما أعلم من نفسي شغل عن بغضك.