الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. محمد مبروك يكتب: نظرية المؤامرة

صدى البلد

يعتقد الكثيرون أن كل ما حولنا وما يحيط بنا من أحداثٍ، لا يَعْدو كونه جزءًا ضئيلًا من مؤامرة كُبرى تحيكها وترسم خطواتها وتشرف على تطبيقها قُوى كونية انقطعت عن كل شيءٍ إلا التآمر علينا والتخطيط طويل المدى وقصيره للإيقاع بنا واستهداف مصالحنا، بل وإفساد حياتنا في جميع مناحيها.


فالمؤامرة تبدأ من نظام التعليم والمناهج وأساليب التدريس التي تعمل على خَلْق أجيالٍ ضعيفة يمكن السيطرة عليها، وتُعرِّج على النظام الزراعي والمحاصيل والأسمدة المُسرطنة، وتسريب الشتلات الضارة والتقاوي الموبوءة الى نظام تخزين المحاصيل والصوامع الضارة التي تتصل بالأقمار الصناعية المجهولة!


كما أنها تعبث بالمواد الفعّالة في الأدوية وخامات القطن المستخدم في تصنيع الملابس الداخلية، لاسيّما أنها كانت السبب الخفي وراء ظهور أحمد عدوية من أجل تغيير الذوق العام وصرف المستمعين عن صوت العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، ثم تطور التدمير لإطلاق ما يُسمى بأغاني "المهرجانات" لإلهاء الناس عن الدور الذي تلعبه بعض القوى الإقليمية من فرض سيطرتها على المنطقة!


ليس هذا فحسب، بل إن وباء كورونا، ما هو إلا مؤامرة صينية- أمريكية مدعومة من بيل جيتس ومارك زوكربيرج لتخفيض عدد سكان العالم للحفاظ على موارده التي يجب أن يسيطروا عليها، وما هذا بجديد على هؤلاء، فقد تآمرت أمريكا من قبل بالاتفاق مع الاتحاد السوفيتي لإقناع العالم بأن سفينة الفضاء "أبوللو 11" قد هبطت بالفعل على سطح القمر حاملةً على متنها رائديّ الفضاء "نِيل أرمسترونج وباز ألدرين" عام 1969 رغم تصوير فيلم الهبوط بكاميرات هوليوود في صحراء "نيفادا"!


كل هذا وأكثر، حيث تَروق هذه الأفكار للعديد من الناس باختلاف درجات تعليمهم أو ثقافاتهم، بل انها تجد انتشارًا أكبر في أوساط بعض المتعلمين والمثقفين زعمًا من هؤلاء بعمق اطلاعهم ومعرفتهم ببواطن الأمور!


وبرغم رواج نظرية المؤامرة وسيطرتها علينا محليًا وفي محيطنا العربي، الا أن هذه النظرية تنتشر في كثير من دول العالم، حتى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، فقد هالَني ما سمعته من بعض الأصدقاء الأمريكيين في آخر زيارة لي للعاصمة الأمريكية واشنطن في خريف العام قبل الماضي عمّا يتم تدبيره من مؤامراتٍ داخلية وخارجية على الرئيس الأمريكي الحالي ومحاولة النَيْل من نظامه الذي يعمل على مصلحة الأمريكيين! مما جعلني أشعر حينها وكأنني أجلس على مقهى في أحد أحياء القاهرة!


ومع ذلك فإن انتشار هذه النظرية بهذا الشكل لا يؤثر بشكل كبير على مجريات الحياة في معظم دول العالم، حتى لدينا! فقد أظهرت الإرادة المصرية غير المسبوقة في العقد الأخير أن مصائرنا لا يصنعها إلا نحن، ورغبة البناء والتنمية لا تحركها مؤامراتٌ كونية ولا أطراف خفية تعبث بمقدراتنا وتحركنا كعرائس الماريونت، حيث استطعنا تغيير واقعنا الى الأفضل رغم كل التحديات الداخلية والخارجية، بل ورغم وجود طرف داخلي مَوتور، وصل به اليأس الى محاولة هدم أي شيء من أجل البقاء، واستعادة فرصته الضائعة التي كان قد خطفها في غفلة من الزمن.


تتضاءل كل المؤامرات وتتلاشى إن صدقت النوايا، وتضافرت الجهود الصادقة من أجل العمل والتنمية دون النظر الى كل هذه التّرهات ومَضْيَعة الوقت في التحليل العميق والدراسات المستفيضة لأبعاد تلك المؤامرات الخفية التي يُشرف على تنفيذها "ابليس" المُدَجَج بكل الاسلحة الحديثة التي لا نعرفها ولا سبيل لدينا لمواجهتها..


إذا كان حديث المؤامرات في بعض دول العالم بين المواطنين من قبيل الدردشة والثرثرة، وسريعًا ما يعود كلٌ الى عمله ساعيًا الى استكمال دَوْره في مسيرة وطنه، فلا يجب أن يشغلنا نحن هذا الحديث أيضًا عن التفافنا حول راية وطننا التي ستبقى دومًا عالية خفّاقة في سمائه التي يحلّق فيها أملٌ بمستقبلٍ زاهر.


دَعونا من خرافة المؤامرة الكبرى واتحاد العالم ضدنا وسيطرة هذا التفكير علينا الذي من شأنه أن يفعل بنا ما هو أكثر من أي مؤامرة إن وُجدت، فلن ينفعنا إلا التفكير في مستقبلنا والعمل على جعل غَدِنا أفضل من يومنا بسواعدنا لا بشيءٍ آخر.