الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. هادى التونسي يكتب: أي مجتمع نريد؟

صدى البلد

-  بعض النساء تتقن لزوج هو ملك رحيم، بعض الرجال يريدون زعيمًا هو ديكتاتور عادل مستبد. بعض الآباء يحلمون بطفل ملاكًا طاهرًا، بعض الأطفال ينتظرون أبًا عالمًا قادرًا حاميًا. فهل الآمال نماذج قابلة للتحقيق على أرض الواقع، أم أحلام تخدعنا حتى لا نرى الحقيقة ؟.

 

- نحلم بتلك النماذج حولنا لتكون حياتنا أكثر سهولة وأوفر أمانًا. لو تواجدت لما كان علينا أن نقدح أذهاننا فى فهم حقائق الحياة وتعقيدات النفس ؛ ذواتنا والآخرين، لما كان علينا أن نعمل كالمطلوب، أن نتحمل المشاق لنيل المراد، أن نتحلى بالمسئولية عنا وعن أسرنا ومجتمعاتنا، لما كان علينا أن نكافح لننعم بالثمار، أن نتعلم لنصبح أقوى وأسعد وأنضج وأنفع.

 

- لكن تعال نتصور أن المطلق قابل للتحقق، وأن الحياة تتيح الحلم واقعًا ؛ ملكًا رحيمًا، ديكتاتورا عادلًا، طفلًا ملاكًا، والدًا قادرًا. تعال نحلم أن الكل متاح، فى حياة لم نختبر فيها، ولم نتعلم منها. فمن أين لنا إذن بالقوة والقدوة ؟، بالعلم وبالثقة بالنفس ؟ بالأمان النابع من الذات ؟ بالحكمة وبالرؤية ؟ بلذة النجاح وبجسارة المغامرة ؟ بشجاعة الروح وبمتعة العيش دون ضمان ؟ بالوعي الكامل وبالإدراك العميق ؟ بمحبة منبعها الفهم والمسئولية والقدرة وتوازن المشاعر ؛ محبة تنير الوجدان وتبعث الدفء وتنشر الخير ؟

 

- تلك النماذج لو تواجدت قد تكون قدوة، لكنها أحيانًا قد تعوق تطورنا. قد تمنحنا الراحة السهلة المؤقتة، لكنها قد تجفف منبع المتعة العميقة الدافقة من نفس مطمئنة، من سكينة الادراك، من أمان القدوة، من معيشة اللحظة بوعي شامل وحس عميق وحرية حقيقية.


- هى نماذج لو عاشت وشاعت لبقينا أطفالا معتمدين قاصرين، لا نعترف بالجميل، ولا ننعم بما لدينا، لا تشعرنا الممتلكات بالاكتفاء، غير قادرين على التواصل الواقعي العميق، وعلى الخروج من قوقعة الذات، على العمل والاجتهاد والتحمل والتعلم، على التفاهم والتعايش والتسامح، على التنظيم والتخطيط والقيادة، على الحلم والفكر والإبداع والعمل من أجل الغير والخير والبشرية.

 

  

- هى نماذج قد تعيش بيننا، لكننا أحيانًا لا نفهمها، ولا نعطيها حق التقدير. نشعرها بالوحدة، ونظلمها بتحميلها مسئولياتنا وبمشقة حياة يجابهون فيها أعاصير مشاكلنا وقصورنا. حياة نفسدهم فيها بأناشيد المديح إن أحسنوا، وبنقمة السخط والنكران إن ولوا أو أخطأوا. نشكوا منهم ان دفعهم الخوف والمسئولية للظلم والتعسف، وان أدت بهم فداحة المسئوليات الى البحث عن مصالحهم الشخصية،وان عصفت بهم مشاكلنا ففقدوا القيادة والاتزان، فلا نعطى للقدوة والقائد حق الخطأ ولا نسمح بمساحة لضعف من شيمة البشر. نتصور فيهم الحزم والعدل، الصرامة والثبات، الخير والنقاء، الرحمة والمسئولية فى حين نعجز عن بعض ذلك. نتصور أن يكون نجاحهم بديلًا عن نضجنا وجهودهم ثمنًا لراحتنا.

 

- هل نريد مجتمعًا أبويًا يريحنا من المسئولية ويعفينا من الجهد ؟ الثمن واضح ؛ فلا راحة لأحد، ولا صحبة لفرد، ولا عدل لشخص، ولا نضج لذات، ولا سعادة لنفس، ولا أمان ولا ضمان أو استمرار لأوضاع تفتقر للعدل والتوازن والمنطق والسلاسة.أم نريد مجتمعًا من البالغين الأسوياء ؟ مجتمع العمل والمسئولية، مجتمع العلم والفهم، مجتمع المساواة والعدل، مجتمع الإنجاز والنضج، مجتمع الحرية والتضامن ؛ مجتمع يجسد رفعة الإنسان وحكمة الحياة، يعمر الأرض وينشر السلام والاستقرار ؟.

 

-  الاختيار سهل لكن الطريق شاق