الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بهجت العبيدى البيبة يكتب .. حساب الربح والخسارة عند المسلمين اليوم

بهجت العبيدى البيبه
بهجت العبيدى البيبه رئيس المركز الاسلامى بالنمسا/ ليوبن

أكثر ما يلفت انتباهي هو ذلك الحديث الدائم منا - نحن المسلمين- في الدين، فما من حديث يدور بين شخصين أو أكثر، لا بل بين الشخص وذاته إلا ويتحول للحديث في الدين، أو يتم إلصاقه بالدين، وربما يكون لذلك سبب موضوعي، حيث أننا تربينا على تعاليم دينية تؤكد أن كل شيء في حياتنا وكل تصرف في سلوكنا، بل وكل فكرة تخطر على ذهننا يجب أن تخضع للدين.

فمشايخنا وكتابنا يؤكدون أن كل تصرف أو سلوك حتى تلك العلاقة الحميمة بين الرجل وزوجه يجب أن يكون الدين فيها طرفا، استنادا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم حينما سأله أحد المسلمين: في إتيان أحدنا زوجه ..أيكون له فيه أجر؟ فيجيب الرسول صلى الله عليه وسلم بسؤال: لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ واستند فقهاؤنا على هذا الحديث لما أطلق عليه القياس العكسي.

إذن فالدين والله سبحانه وتعالى حاضر في حديث كافة المسلمين، وفي أدق تفاصيل حياتنا، ولكن هل الدين والله سبحانه وتعالى حاضران في حياة المسلمين؟ هذا السؤال يقودني إلى ثلاثية نجيب محفوظ " بين القصرين وقصر الشوق والسكرية " والتي تتبع فيها أديبنا العالمي عدة أجيال مصرية من خلال أسرة بطل الثلاثية السيد أحمد عبد الجواد الذي كان تاجرا، وقدمه كذلك على أنه قد تعامل مع الله سبحانه وتعالى ومع الدين بهذه الصفة - وأظن أن كثيرين من مشايخنا يرسخون هذا المفهوم عندنا - فلقد كان الدين عنده يخضع لعملية حسابية: فهو يعاقر الخمر ويعاشر النساء، وهذا يمثل لديه ميزان المدفوعات، وفي المقابل فهو يتصدق ويقيم الشعائر من صلاة وصيام وغيرهما، هذا يمثل لديه الدخل العام، ويقوم بعملية حسابية يستنتج من خلالها أن ميزان حسناته أثقل وزنا من تلك السيئات التي اقترفها من نزواته الجنسية وشربه للخمر، وهنا يحصل بطل نجيب محفوظ على ذلك التوازن النفسي الذي يحميه من تأنيب الضمير لاقترافه المنكرات.

إن تلك الصورة التي رسمها لنا أديبنا العالمي هي أقرب تفسير لحالنا - نحن المسلمين - حيث يتكون ديننا من ثلاثة اقسام: هي العقيدة والعبادة والمعاملة، هذه الأقسام التي يجب أن تكون عبارة عن وحدة عضوية واحدة متماسكة ليأتي المسلم بدينه، كما أُرِيدَ له أن يكون، فكل قسم منها مبني ومرتبط بسابقه، فالعبادة هي ناتجة عن تلك العقيدة التي يجب أن تكون متغلغلة في النفس معقودة في القلب، والتي منها - أي العبادة-: صلاة وصيام وزكاة وحج، والتي هي علاقة خاصة بين الإنسان والله سبحانه وتعالى، ثم تأتي المعاملة والتي هي علاقة الإنسان بغيره، والتي اعتبرها العلماء صورة الدين الحقيقية فاختصروه في قولهم: الدين المعاملة.

وكما قلنا فإن تلك الأقسام الثلاثة المكونة للدين كل واحد لا يتجزأ، فالحديث الشريف يقول من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له، إذن ارتبط أداء الصلاة بنهي فاعلها عن الإتيان بأي عمل أو معاملة لا يتناسب مع الدين الذي هو في جوهره الأخلاق الحميدة، والصفات النبيلة، والقيم الإنسانية المثلى.

والمتأمل لما يأتي به الأغلبية العظمى من المسلمين يدرك إدراكا أنهم يتخذون من السيد أحمد عبد الجواد " بطل ثلاثية نجيب محفوظ " قدوة لهم، ومثالا يحتذى، ساعدهم على ذلك الفهم الخاطئ لجوهر الدين، والذي يقومون فيه بعملية حساب الفارق بين الربح والخسارة، وذلك ما جعل المسلمين يهتمون اهتماما بالغا بالشكل على حساب المضمون، فالمسلمون تجدهم يملأون المساجد - عكس ما يردده بعض المشايخ من أن المسلمين في حالتهم المزرية هذه لأنهم هجروا المساجد - وتجدهم صائمين للشهر الفضيل، حاجين لبيت الله الحرام، وهم في ذلك كله يمسكون الآلة الحاسبة ويقومون من خلالها بحساب دقيق لعدد الحسنات التي سيحصلون عليها من رب العباد.

وفي المقابل لا تخطئ عينك حال الشوارع المليئة بالقاذورات والتي هي نقيض النظافة التي هي من الإيمان، ولن تعدم العديد من الموظفين المرتشين " لعن الله الراشي والمرتشي " أما عن غياب الأمانة والصدق فحدث ولا حرج، أما الإخلاص في العمل واتقانه " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" فبيننا وبينه بون شاسع.

إننا نتمسك بالشكل لأنه هو الأسهل، فليس هناك صعوبة في أن آتي بحركات الصلاة، ولا أن تطلق اللحية - عند من يرونها فرضا - ولا أن ترتدي المسلمة الحجاب أو النقاب - لدى من يرونه فرضا - أما جوهر الدين وقيمته الحقيقية في الإتيان بالفروض كما ينبغي فهو الأمر الصعب الذي نهرب منه - نحن المسلمين - واهمين أنفسنا أننا نتبع الحق وأن غيرنا على ضلال على الرغم من أن غيرنا هؤلاء تمسكوا بجوهر الدين من صدق وأمانة وإخلاص وإتقان في العمل، فكان لهم تلك المكانة في عالم اليوم.




-