ما عدة الحامل المتوفى عنها زوجها ؟ اتفقت المذاهب الفقهية الأربعة على أن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها تنتهي بوضع الحمل، وذلك لصريح القرآن الكريم في قوله تعالى: «وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ»، وهي آية مُطْلَقة لم تفرق بين المعتدة من طلاق أو وفاة.
ولم يخالف في ذلك إلا بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، فقد روى مالك في "الموطأ" (رقم/83) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها تعتد بآخر الأجلين، وروى سعيد بن منصور في "السنن" (1/396) مثله عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، يعني إن كان الحمل أكثر من أربعة أشهر وعشر اعتدت بوضعه، وإذا وضعت الحمل قبل أربعة أشهر وعشر أكملت أربعة أشهر وعشرًا.
يقول ابن عبد البر رحمه الله: «على أنه قد روي عن ابن عباس رجوعه إلى حديث أم سلمة في قصة سبيعة، ومما يصحح هذا عنه أن أصحابه عكرمة وعطاء وطاوس وغيرهم على القول بأن المتوفى عنها الحامل عدتها أن تضع حملها على حديث سبيعة، وكذلك سائر العلماء من الصحابة والتابعين وسائر أهل العلم أجمعين كلهم يقول: عدة الحامل المتوفى عنها أن تضع ما في بطنها من أجل حديث سبيعة هذا».
ووقع الاتفاق إذن بعد الصحابة على أن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها تنتهي بوضع الحمل ولو بعد وقت يسير من وفاة زوجها، يقول الإمام النووي رحمه الله: «فأخذ بهذا جماهير العلماء من السلف والخلف فقالوا: عدة المتوفى عنها بوضع الحمل حتى لو وضعت بعد موت زوجها بلحظة قبل غسله انقضت عدتها وحلت في الحال للأزواج، هذا قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد والعلماء كافة إلا رواية عن علي وابن عباس وسحنون المالكي: أن عدتها بأقصى الأجلين" "شرح مسلم» (10/109).
عدة الحامل المتوفى عنها زوجها
قالت دار الإفتاء، إن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها تنقضي بوضع الحمل، حتى لو كان ذلك بلحظة بعد وفاة الزوج بشرط أن يكون الجنين مكتمل الخلقة، مؤكدة أن عدة الحامل وردت في القرآن الكريم.
وأضافت دار الإفتاء في إجابتها عن سؤال: «هل تنقضي عدة الحامل المتوفى عنها زوجها بوضع الحمل، أم تنتظر انتهاء عدة الوفاة؟»، أنه تنقضي عدة الحامل المتوفى عنها زوجها بوضع الحمل، ولو كان الوضع بعد وفاة زوجها بلحظة، بشرط أن يكون الجنين مكتمل الخلقة.
واستشهدت الإفتاء على عدة الحامل المتوفى عنها بقول الله تعالى: «وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ»، موضحة: أما إذا لم يكن الجنين مكتمل الخلقة بأن كان مضغة أو علقة فلا تنقضي به العدة، وعليها أن تنتظر انتهاء عدة الوفاة.
عدة المتوفى عنها زوجها
وأشارت إلى أن عدة المتوفى عنها زوجها وليست حاملًا ربعة أشهر وعشرة أيام، سواء كانت كبيرة في السن أو شابة، تحيض أو لا تحيض، مستشهدة بقول الله -عز وجل-: «وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» (يورة البقرة: 234)، موضحًا أن هذا الحكم عام للتي يأتيها الحيض وللشابة وللكبيرة، يعم الجميع.
لماذا تزيد عدة الأرملة عن عدة المطلقة
إن سبب الفرق بين عدة المطلقة والأرملة
1- إنّ الفراق لمّا كان في الوفاة أعظم، لأنّه لم يكن باختيار، كانت مدّة الوفاء له أطول.
2- إنّ العدّة في المتوفّى عنها زوجها أنيطت بالأمد الذي يتحرّك فيه الجنين تحرّكًا بيّنًا؛ محافظة على أنساب الأموات، ففي الطّلاق جعل ما يدلّ على براءة الرّحم دلالة ظنيّة؛ لأنّ المطلّق يعلم حال مطلّقته من طهر وعدمه، ومن قربانه إيّاها قبل الطّلاق وعدمه، بخلاف الميت، وزيدت العشرة الأيام على أربعة الأشهر؛ لتحقّق تحرّك الجنين احتياطًا؛ لاختلاف حركات الأجنّة قوّة وضعفًا.
3- إنّ ما يحصل من الحزن والكآبة عظيم، يمتدّ إلى أكثر من مدّة ثلاثة قروء، فبراءة الرّحم إن كانت تعرف في هذه المدّة، فإنّ براءة النّفس من الحزن والكآبة تحتاج إلى مدّة أكثر منها.
4- إنّ تعجّل المرأة المتوفّى عنها زوجها بالزّواج ممّا يسيء أهل الزّوج، ويفضي إلى الخوض في المرأة بالنّسبة إلى ما ينبغي أن تكون عليه من عدم التهافت على الزّواج، وما يليق بها من الوفاء للزّوج، والحزن عليه.
آراء الفقهاء في الإحداد على الزوج المتوفى
نص فقهاء الحنفية على أن المعتدة من وفاة: يلزمها ترك الزينة،قال السمرقندي في تحفة الفقهاء (2 / 251): "تَفْسِير الْإِحْدَاد: هُوَ الاجتناب عَن جَمِيع مَا يتزين بِهِ النِّسَاء من الطّيب، وَلبس الثَّوْب الْمَصْبُوغ، والمطيب بالعصفر والزعفران، والاكتحال، والادهان، وَلبس الْحلِيّ والخضاب، وَنَحْو ذَلِك».
وفي تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي (3 / 34): «تُحِدُّ مُعْتَدَّةُ الْمَوْتِ: بِتَرْكِ الزِّينَةِ، وَالطِّيبِ، وَالْكُحْلِ وَالدُّهْنِ، إلَّا بِعُذْرٍ، وَالْحِنَّاءُ، وَلُبْسِ الْمُعَصْفَرِ وَالْمُزَعْفَرِ، إنْ كَانَتْ بَالِغَةً مُسْلِمَةً» لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، إلَّا عَلَى زَوْجٍ، فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلَا تَكْتَحِلُ، وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَلَا تَمَسُّ طِيبًا إلَّا إذَا طَهُرَتْ، نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنْ الثِّيَابِ، وَلَا الْمُمَشَّقَ وَلَا الْحُلِيَّ، وَلَا تَخْتَضِبُ، وَلَا تَكْتَحِلُ رَوَاهُ أَحْمَدُ» وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِي".
وفقهاء الحنفية: يجيزون للمعتدة من وفاة: الخروج نهارًا للحاجة، من كسب وعلاج ونحوهما، على أن تعود للبيت ليلًا لتبيت فيه، جاء في البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق (4 / 166): «وَمُعْتَدَّةُ الْمَوْتِ تَخْرُجُ يَوْمًا وَبَعْضَ اللَّيْلِ، لِتَكْتَسِبَ لِأَجْلِ قِيَامِ الْمَعِيشَةِ ...... فَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ لِزِيَارَةٍ وَلَا لِغَيْرِهَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا».
وقال الكاساني: “وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا : فَلَا تَخْرُجُ لَيْلًا، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَخْرُجَ نَهَارًا فِي حَوَائِجِهَا؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ بِالنَّهَارِ لِاكْتِسَابِ مَا تُنْفِقُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا مِنْ الزَّوْجِ الْمُتَوَفَّى بَلْ نَفَقَتُهَا عَلَيْهَا فَتَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ لِتَحْصِيلِ النَّفَقَةِ، وَلَا تَخْرُجُ بِاللَّيْلِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْخُرُوجِ بِاللَّيْلِ، بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ، فَإِنَّ نَفَقَتَهَا عَلَى الزَّوْجِ فَلَا تَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ”.
وهذا القدر من المكث في البيت، واجتناب الزينة فترة العدة: يكاد يتفق عليه فقهاء المذاهب الأربعة: أما المالكية فقد قال ابن عبد البر في الكافي في فقه أهل المدينة (2 / 622): «الإحداد واجب على المتوفى عنها زوجها، حتى تنقضي عدتها بشهورها أو بوضع حملها ...والإحداد: هو اجتناب جميع ما يتزين به النساء، من حلي وصبغ وكحل وخضاب وثياب مصبوغة ملونة أو بيض يلبس منها للزينة ... وأما الحلي والخاتم وما فوقه فلا يجوز للحاد لبسه، وكذلك الطيب كله ... وإن اضطرت إلى الكحل: اكتحلت ليلا، ومسحته بالنهار،ولا تقرب شيئا من الأدهان المطيبة ... وكل ما لا زينة فيه فلا بأس للحاد من النساء به».
وذكر ابن أبي زيد القيرواني من فقهاء المالكية:«وَتَجْتَنِبُ الصِّبَاغَ كُلَّهُ إلَّا الْأَسْوَدَ، وَتَجْتَنِبُ الطِّيبَ كُلَّهُ وَلَا تَخْتَضِبُ بِحِنَّاءٍ وَلَا تَقْرَبُ دُهْنًا مُطَيِّبًا وَلَا تَمْتَشِطُ بمَا يَخْتَمِرُ فِي رَأْسِهَا" المعتدة يجب عليها أن تترك الزينة من الطيب، ولبس الحلي من خاتم أو سوار...، كما تترك ثياب الزينة فلا تستعمل شيئا من ذلك؛ فقد قال العلماء: المعتدة من وفاة تتربص أربعة أشهر وعشرا وتتجنب الزينة والطيب في بدنها وثيابها، وتلزم منزلها فلا تخرج بالنهار إلا لحاجة ولا بالليل إلا للضرورة، ولا تلبس الحلي، ولا تختضب بحناء، ولا تكتحل إلا لضرورةِ عِلَاجٍ، ولا يحرم عليها عمل من الأعمال المباحة، ويجوز لها التنظيف والاستحمام والاستحداد.
فعن أم عطية قالت:" كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرا، وَلَا نَكْتَحِلُ وَلَا نَتَطَيَّبُ وَلاَ نَلْبَسُ ثَوْبا مَصْبُوغا إلَّا ثَوْبَ عَصبٍ" [صحيح البخاري كتاب الطلاق باب: القسط للحادة عند الطهر].وأما الشافعية فقد قال أبو إسحاق الشيرازي في (التنبيه في الفقه الشافعي) (1 / 201): "والإحداد: أن تترك الزينة، فلا تلبس الحلي ولا تتطيب ولا تخضب، ولا ترجل الشعر، ولا تكتحل بالإثمد والصبر، فإن احتاجت إليه: اكتحلت بالليل وغسلت بالنهار. ولا تلبس الأحمر والأزرق الصافي. ولا يجوز أن تخرج من المنزل لغير حاجة، وإن أرادت الخروج لحاجة لم يجز ذلك بالليل، ويجوز للمتوفى زوجها الخروج لقضاء الحاجة بالنهار".
وأما الحنابلة فقد قال ابن قدامة المقدسي في (عمدة الفقه) (1 / 107): باب الإحداد: وهو واجب على من توفي عنها زوجها، وهو اجتناب الزينة والطيب والكحل بالإثمد ولبس الثياب المصبوغة للتحسين ...... وعليها المبيت في منزلها الذي وجبت عليها العدة وهي ساكنة فيه ، إذا أمكنها ذلك".