لاشك أن الكثيرين يبحثون عن أسباب البركة في الأولاد ، حيث إنهم أحد أفضل الأرزاق الدنيوية التي لا استثناء لأحد من طلبها، كأحد أهم حوائجه في الدنيا ، كما أن الصالح منهم يمتد أثره إلى الآخرة ، ولعل ما يجعل معرفة أسباب البركة في الأولاد ضرورة ، هو أن الأبناء يكونوا سند الوالدين في الدنيا وشفاعتهم في القبر وكذلك بالآخرة ، فعمل الإنسان ينقطع بموته إلا من ولد صالح يدعو له، لذا ينبغي معرفة أسباب البركة في الأولاد فهي السبيل للراحة في الدنيا والنجاة بالآخرة.
أسباب البركة في الأولاد
ورد من أسباب البركة في الأولاد عدة أمور منها، بر الوالدين وصلة الرحم من أعظم أسباب استجلاب البركة ، بركة العمر ، وبركة المال ، وبركة الوقت ، وبركة الأبناء ، وهكذا دواليك . ثم إن البر والصلة متصلة بالله تعالى ، من وصل رحمه وصله الله ، ومن قطع رحمه قطعه الله تعالى .
وروي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الكبائر : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس ، واليمين الغموس " [ رواه البخاري ] . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم : أي الأعمال أحب إلى الله ؟ قال : " الصلاة لوقتها " قلت : ثم أي ؟ قال : " بر الوالدين " قلت : ثم أي ؟ قال : " الجهاد في سبيل الله " قال : حدثني بهن ولو استزدته لزادني [ متفق عليه ] .
وجاء عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره ، فليصل رحمه " [ متفق عليه ] .وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من سره أن يبسط له في رزقه ، وأن ينسأ له في أثره ، فليصل رحمه " [ رواه البخاري والترمذي ] ولفظه قال : " تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ، فإن صلة الرحم ، محبة في الأهل ، مثراة في المال ، منسأة في الأثر " [ صححه الألباني رحمه الله ] ، ومعنى منسأة في الأثر : يعني به الزيادة في العمر .
وكذلك ورد من أسباب البركة في الأولاد ، الدعاء عند الجماع : فعنِ ابنِ عبّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " أما إنَّ أحدَكم إذا أتى أهلَهُ وقال : بسمِ الله ، اللهمَّ جَنِّبْنا الشيطانَ ، وجنِّبِ الشيطانَ ما رزَقتنا ، فرُزقا ولداً ، لم يَضُرَّهُ الشيطان " [ أخرجه البخاري ] .
وجاء أيضًا من أسباب البركة في الأولاد ، الدعاء عند اختيار الزوجة : عن أبـي أيوبَ الأنصاريَّ رضي الله عنه : أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ : " اكْتُـمِ الـخُطْبَةَ ، ثم تَوَضَّأْ فأَحْسِنْ وُضُؤَكَ ، ثم صَلِّ ما كَتَبَ الله لكَ ، ثم احْمَدْ رَبَّكَ وَمَـجِّدهُ ثم قُلْ : اللهمَّ إنَّكَ تَقْدِرُ ولا أَقْدِرُ ، وتَعْلَـمُ ولا أَعْلَـمُ ، وأَنْتَ عَلاَّمُ الغيوبِ ، فإنْ رأيتَ لِـي فلانةَ ويُسَمِّيهَا باسْمِهَا ، خيراً لِـي فـي دِيْنِـي ودُنْـيَايَ وآخِرَتِـي فَاقْدُرْهَا لِـي ، وإنْ كانَ غَيْرُهَا خيراً لِـي فـي دِيْنِـي ودُنْـيَايَ وآخِرَتِـي فاقْدُرْهَا لِـي " [ أخرجه البيهقي وضعفه الألباني رحمه الله ] . ولكن يكفي في ذلك دعاء الاستخارة والحمد لله .
ومن أسباب البركة في الأولاد ، الدعاء للزوجين : عَنْ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه ، أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي جُشَمٍ ، فَقَالُوا : بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ ، فَقَالَ : لاَ تَقُولُوا هٰكَذَا ، وَلٰكِنْ قُولُوا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ ، وَبَارِكْ عَلَيْهِمْ " [ أخرجه ابن ماجة وصححه الألباني رحمه الله ] . وعنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ إِذَا رَفَّأَ الإنْسَانَ إذَا تَزَوَّجَ قالَ : " بَارَكَ الله لك ، وبَارَكَ عَلَيْكَ ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا في الْخَيْرِ " [ أخرجه الدارمي وابن حبان واللفظ لهما ، والترمذي وقال : حَدِيثُ حسنٌ صحيحٌ ] .
أسباب البركة في الرزق
لا يأتي الرزق إلّا بتوفيق من الله -سبحانه وتعالى- وعلى المسلم أن يجتهد في تحصيل أسباب الرزق، ومنها ( الإكثار من الصدقة، التزام الاستغفار، تقوى الله -تعالى-، الاجتهاد في الدّعاء، التوكّل على ربّ العباد، الإكثار من التسبيح، الحرص على أداء صلاة الضحى، صلة الرّحم).
ومن يسعى إلى تحقيق البركة في رزقه لا بدّ من قيامه ببعض الأمور، ومنها:
- تحقيق تقوى الله عزّ وجلّ؛ والتقوى تعرّف بأنها جعل المسلم حمايةً ووقايةً بينه وبين العذاب من الله تعالى، ويتحقّق ذلك؛ بالقيام بالطاعات والعبادات، وتجنّب الوقوع بالمنهيات والمحرّمات، ودليل ذلك قول الله تعالى في كتابه الكريم: (وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرى آمَنوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنا عَلَيهِم بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَرضِ)، فالله -تعالى- عذّب الأقوام المُكذبين برسالات الأنبياء والرسل؛ بسبب كفرهم، وتكذيبهم لرسلهم.
- تلاوة القرآن الكريم وتدبّره، حيث إنّ القرآن يشفع لصاحبه يوم القيامة، ولحافظه، وقارئه، مع الحرص على مداومة تلاوته طوال السنة، وعدم الاقتصار على تلاوته في شهر رمضان المبارك، كما يفعل بعض الناس.
- الصدق في البيع والشراء، مع بيان ما في السلعة من عيوبٍ إن كان فيها ذلك؛ فالصدق يحقّق البركة، ويزيد الرزق. الصدق بين الشركاء، فالوفاء والصدق والإخلاص بين الشركاء؛ يبارك تجارتهم وعملهم، ويزيد رزقهم، ويدرّ عليهم الخير الوفير.
- الابتعاد عن الفسق، فالفسق إما أنْ يكونَ فسقاً أكبر، مُخرجاً من ملّة الإسلام، مثل: الكفر، والنفاق، وتحليل الأمور المحرّمة في الإسلام؛ كالربا، أو الزنا، أو اللواط، وجحد أمور الدين المعلومة بالضرورة، كأركان الإسلام، وأركان الإيمان، وإمّا أن يكون فسقاً أصغر يتمثّل بارتكاب الذنوب والمعاصي مع العلم بحرمتها، دون أنْ يخرج صاحبها من ملة الإسلام، ولكنْ عليه المُسارعة إلى التوبة والاستغفار، والرجوع إلى الله تعالى.
- القيام بالأعمال في الأوقات الباكرة، فالكسل وعدم الاستيقاظ في الأوقات الباكرة، والتأخّر في الذهاب إلى الاعمال يؤدي إلى انتزاع البركة منها، فعلى المسلم الاهتداء بالسنة النبوية، والاقتداء بالنبي -صلّى الله عليه وسلّم- بالقيام بالأعمال وإنجازها باكراً.
- التقرّب إلى الله -عزّ وجلّ- بالدعاء، فالدعاء من أعظم العبادات، كما أنّه صلةٌ بين العبد وربه.
- التوكّل على الله عزّ وجلّ، مع الحرص على الكسب والسعي له، وعدم الجلوس في البيت وانتظار العمل.
- برّ الوالدين، وصلة الأرحام، حيث إنّهما متصلان بالله تعالى؛ فالواصل لرحمه وصله الله تعالى، والقاطع لرحمه قطعه الله تعالى.
دعاء البركة في الأولاد والرزق
ورد أنه على المسلم أن يعلم أنّ الرزق ليس إلّا اختبارًا له، وليس علامةً على مكانته، بل المكانة الحقيقيّة تكمن في العمل الصالح الذي يقدّمه، إلا أنّ المال من زينة الحياة الدّنيا، والمسلم يلجأ إلى الله -تعالى- بالدّعاء لطلب الرزق باسمه الرزّاق، فيقول مثلًا: (يا رزّاق، وسّع عليّ رزقي).
وفضلًا عن ذلك، يمكن للمسلم أن يدعو الله -تعالى- طالبًا الرزق باسميه؛ الكريم والجواد، ليوافق الاسم الأمر الذي يدعوه به، ويمكنه أيضًا دعاء الله باسمه الأعظم، أو أن يقول: (يا الله، ارزقني كذا)، أو: (اللهمّ، ارزقني)؛ فاسم الله جامع لصفاته الكريمة بما فيها الجود والكرم.
ويُعدّ الاستغفار من أعظم أسباب الرزق؛ فقد قال تعالى في كتابه العزيز: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)،وقد ورد في سنن الترمذي عن عليّ -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- قد علّمه دعاءً لقضاء الدين، وهو: (اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك).