ما هي الصدقات الجارية التي ينتفع بها الميت؟، سؤال نوضح بيانه من خلال ما ذكرته دار الإفتاء المصرية والعلماء حول أنواع الصدقات الجارية التي تنفع ابن آدم بعد موته.
ما هي الصدقات الجارية التي ينتفع بها الميت؟
الصدقة الجارية معناها: أنها المستمرة للأجيال المتعاقبة، لا لجيل واحد، والمتعدية للعديد من الأشخاص، لا لشخص واحد؛ كطباعة المصاحف، وكتب العلم النافع، وبناء المساجد، والمدارس، والمستشفيات، والمقابر للمحتاجين، وتوصيل الماء والكهرباء والخدمات للمحرومين، وإقامة جمعيات خدمية وتطوعية للزواج، وحل مشكلات الناس، وتوصيل احتياجاتهم للمسؤولين وما شابه، ممَّا يُحقّق غرض الدوام والتعدية.
والأصل في مشروعية الصدقة الجارية ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب أصاب أرضًا بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضًا بخيبر لم أصب مالًا قط أنفس عندي منه، فما تأمر به؟ قال: «إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا»، قال: فتصدق بها عمر، أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء، وفي القربى وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم غير متمول». وقال ابن سيرين: غير متأثلٍ مالًا.
وكذلك ما رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر تصدق بمال له على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان يقال له ثمغ وكان نخلًا، فقال عمر: يا رسول الله، إني استفدت مالًا وهو عندي نفيس، فأردت أن أتصدق به، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ، لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ، وَلَكِنْ يُنْفَقُ ثَمَرُهُ»، فتصدق به عمر، فصدقته تلك في سبيل الله وفي الرقاب والمساكين والضيف وابن السبيل ولذي القربى، ولا جناح على من وليه أن يأكل منه بالمعروف، أو يوكل صديقه، غير متمول به.
وكذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ».
يقول العز بن عبد السلام في "قواعد الأحكام" (1/ 136)، ط. دار الكتب العلمية: [الصدقة الجارية تحمل على الوقف وعلى الوصية بمنافع داره وثمار بستانه على الدوام، فإن ذلك من كسبه لتسببه إليه، فكان له أجر التسبب] اهـ.
ويقول الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين جامعة الأزهر فرع أسيوط أبيات شعرية تجمع ما يصل إلى المسلم بعد وفاته وهو ما يعرف بالصدقات الجارية .
ذكر الحافظ جلال الدين السيوطي : أنه وجدها تبلغ عشرة أشياء ثبتت عنده بالأحاديث النبوية الشريفة ، فجمعها في هذه الأبيات .
إذا مات ابن آدم ليس يجري *** عليه من فعال غير عشر
علوم بثها , ودعاء نجل *** وغرس النخل , والصدقات تجري
وراثة مصحف , ورباط ثغر *** وحفر البئر , أو اجراء نهر
وبيت للغريب بناه يأوي *** إليه , أو بناء محل ذكر
وجاء في شرح السيوطي على مسلم لهذه العشر ما يلي: «ﺇﺫا ﻣﺎﺕ اﻹﻧﺴﺎﻥ اﻧﻘﻄﻊ ﻋﻤﻠﻪ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺛﻼﺙ ﺃﻱ ﻓﺈﻥ اﻟﺜﻮاﺏ ﻳﺠﺮﻱ ﻟﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﺻﺪﻗﺔ ﺟﺎﺭﻳﺔ ﻗﺎﻟﻮا ﻫﻲ اﻟﻮﻗﻒ ﺃﻭ ﻋﻠﻢ ﻳﻨﺘﻔﻊ ﺑﻪ ﻗﺎﻟﻮا ﻫﻲ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻭاﻟﺘﺼﻨﻴﻒ ﻭﺫﻛﺮ اﻟﻘﺎﺿﻲ ﺗﺎﺝ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺴﺒﻜﻲ ﺃﻥ اﻟﺘﺼﻨﻴﻒ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺃﻗﻮﻯ ﻟﻄﻮﻝ ﺑﻘﺎﺋﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﻤﺮ اﻟﺰﻣﺎﻥ ﺃﻭ ﻭﻟﺪ ﺻﺎﻟﺢ ﻳﺪﻋﻮ ﻟﻪ».
وجاء ﻓﻲ اﻟﻄﺒﺮاﻧﻲ ﺟ8ﺭﻗﻢ7831 ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﺃﺑﻲ ﺃﻣﺎﻣﺔ ﻣﺮﻓﻮﻋًﺎ: «ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺗﺠﺮﻱ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺃﺟﻮﺭﻫﻢ ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮﺕ ﻣﺮاﺑﻂ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻠﻪ ﻭﻣﻦ ﻋﻠﻢ ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻭ ﺭﺟﻞ ﺗﺼﺪﻕ ﺑﺼﺪﻗﺔ ﻓﺄﺟﺮﻫﺎ ﻟﻪ ﻣﺎ ﺟﺮﺕ ﻭﺭﺟﻞ ﺗﺮﻙ ﻭﻟﺪا ﺻﺎﻟﺤﺎ ﻳﺪﻋﻮ ﻟﻪ»، ﻭﻟﻠﺒﺰاﺭ ﺟ1ﺭﻗﻢ 149 ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﺃﻧﺲ ﻣﺮﻓﻮﻋًﺎ: «ﺳﺒﻊ ﻳﺠﺮﻱ ﻟﻠﻌﺒﺪ ﺃﺟﺮﻫﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻪ ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﻗﺒﺮﻩ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ ﻋﻠﻤًﺎ ﺃﻭ ﺃﺟﺮﻯ ﻧﻬﺮًا ﺃﻭ ﺣﻔﺮ ﺑﺌﺮًا ﺃﻭ ﻏﺮﺱ ﻧﺨﻼً ﺃﻭ ﺑﻨﻰ ﻣﺴﺠﺪًا ﺃﻭ ﻭﺭﺙ ﻣﺼﺤﻔًﺎ ﺃﻭ ﺗﺮﻙ ﻭﻟﺪا ﻳﺴﺘﻐﻔﺮ ﻟﻪ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻪ».
ﻭشدد على أنه ﻻﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ 242 ﻭاﺑﻦ ﺧﺰﻳﻤﺔ 249 ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﻣﺮﻓﻮﻋًﺎ: «ﺇﻥ ﻣﻤﺎ ﻳﻠﺤﻖ اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻣﻦ ﺣﺴﻨﺎﺗﻪ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻪ ﻋﻠﻤﺎ ﻧﺸﺮﻩ ﺃﻭ ﻭﻟﺪا ﺻﺎﻟﺤﺎ ﺗﺮﻛﻪ ﺃﻭ ﻣﺼﺤﻔﺎ ﻭﺭﺛﻪ ﺃﻭ ﻣﺴﺠﺪا ﺑﻨﺎﻩ ﺃﻭ ﺑﻴﺘﺎ ﻻﺑﻦ اﻟﺴﺒﻴﻞ ﺑﻨﺎﻩ ﺃﻭ ﻧﻬﺮا ﺃﺟﺮاﻩ ﺃﻭ ﺻﺪﻗﺔ ﺃﺧﺮﺟﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻪ ﻓﻲ ﺻﺤﺘﻪ ﺗﻠﺤﻘﻪ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻪ»، ﻭﻻﺑﻦ ﻋﺴﺎﻛﺮ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺨﻪ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﺃﺑﻲ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﺨﺪﺭﻱ ﻣﺮﻓﻮﻋًﺎ: «ﻣﻦ ﻋﻠﻢ ﺁﻳﺔ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺏ اﻟﻠﻪ ﺃﻭ ﺑﺎﺑﺎ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ ﺃﻧﻤﻰ اﻟﻠﻪ ﺃﺟﺮﻩ ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ».
ما أفضل الأعمال للميت بعد موته ؟
أكد الشيخ أحمد ممدوح، مدير إدارة الأبحاث الشرعية وأمين الفتوى بدار الإفتاء، أن هناك أمورا ينتفع بها الإنسان بعد موته، منها الصدقة الجارية، والدعاء له، والحج أو العمرة ووهب ثوابها له، مستدلًا خلال إجابته عن سؤال: « ما أفضل الأعمال للميت بعد موته ؟» بقول الله عليه وسلم يقول: «إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء».
وتابع إن افضل الاعمال للميت بعد موته: ثانيا إخراج الصدقة عن الميت تنفعه ويصل ثوابها إليه بإجماع المسلمين، لما روى مسلم (1630) عن أبي هريرة أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «إن أبي مات وترك مالا ولم يوص، فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه؟ قال: نعم»، وروى مسلم أيضا (1004) عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي افتلتت نفسها (أي: ماتت فجأة)، وإني أظنها لو تكلمت تصدقت، فلي أجر أن أتصدق عنها؟ قال: نعم»
واستطرد أن أفضل الأعمال للميت بعد موته : ثالثا: والصوم عن الميت ينفعه ويصل ثوابه إليه، لما روي عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ قال: نعم، قال: فدين الله أحق أن يقضى».
وأكمل أن افضل الاعمال للميت بعد موته: رابعا الحج عن الميت ويصل ثوابه إليه لما رواه البخاري عن ابن عباس: «جاءت امرأة من خثعم عام حجة الوداع، قالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوي على الراحلة فهل يقضي عنه أن أحج عنه قال: نعم»
واختتم أمين الفتوى: خامسا قراءة القرآن وجعل ثواب القراءة للميت جائز شرعا، ويصل الثواب للميت وينتفع به.