تبدأ الطرق الصوفية يوم الجمعة المقبل 12 من أكتوبر الجاري، أسبوع احتفالاتها بمولد السيد البدوي بالمسجد الأحمدي بطنطا، وذلك في الفترة من 12 - 17 أكتوبر 2024، وفي السطور التالية نستعرض أبرز المحطات في حياة السيد البدوي.
من هو السيد البدوي؟
تقول دار الإفتاء المصرية في تعريفها لـ السيد البدوي، إن السيد أحمد البدوي رضي الله عنه عارفٌ إمامٌ مقرئٌ فقيهٌ من كبار علماء الأمة، وهو من الأولياء الذين كتب الله لهم القبول في الأرض عند العامة والخاصة؛ فقد كان معظَّمًا عند العلماء والأمراء، والأغنياء والفقراء، مُهابًا عند الحكام والمحكومين، مُعْتَقَدَ الولايةِ في الحياة وبعد الممات، ودخل مصر فحصل له القبول التام عند العلماء والحكام، والخواص والعوام.
فكان الملك الظاهر بيبرس البُندُقْدَاري [ت: 676هـ] يستقبله ويكرمه وينزله في دار الضيافة الملكية، وكان يسافر لزيارته في طنطا؛ قال الإمام الشعراني في "الطبقات الوسطى" (ق: 103أ، مخطوط راغب): [ولمّا دخل سيدي أحمد إلى مصر خرج الملك الظاهر بيبرس أبو الفتوحات هو وعسكرُه فتلقوا سيدي أحمد، وأكرموه غاية الإكرام، وأنزله في دار الضيافة، وكان ينزل لزيارته لما أقام بناحية طندَتا، وكان يعتقده اعتقادًا عظيمًا] اهـ.
ويقول العلامة المؤرخ علي باشا مبارك [ت: 1311هـ] في "الخطط التوفيقية" (13/ 49، ط. المطبعة الأميرية): [وكان في حياته معظَّمًا مُعتقَدًا عند الناس محبوبًا فيهم، مشهورًا في الآفاق، تعلوه هيبة ووقار، وكان الملك الظاهر أبو الفتوحات بيبرس البندقداري يعتقده ويبالغ في تعظيمه] اهـ.
وكان السلطان الأشرف أبو النصر سيف الدين قايتباي المحمودي [ت: 901هـ] يزور ضريح السيد أحمد البدوي رضي الله عنه؛ كما في "نيل الأمل في ذيل الدول" (7/ 336، ط. المكتبة العصرية).
وكان خلفاء السيد البدوي رحمهم الله معظَّمين عند الحكام؛ قال العلامة الغزي [ت: 1061هـ] في ترجمة شيخ الأحمدية بدر الدين الصعيدي [ت: 928هـ] من "الكواكب السائرة" (1/ 27-28، ط. دار الكتب العلمية): [وكان مقبول الشفاعة في الدولتين، مسموع الكلمة عند ملك الأمراء فمَن دونه، وكان إذا دخل على نائب مصر انتصب له قائمًا، وانفرد به وقضى حوائجه، وقبل شفاعته، واعتبر كلامه، وأظهر ذلك بين خواصه وجماعته، وجعله أبًا له، وكان يقطع خصومات، وينفذ أمورًا لا يقدر عليها غيره، وكان يستخلص من القتل، وكان عليه السكينة والمهابة] اهـ.
سبب التسمية بالسيد البدوي
وبلغ ممَّا وضعه الله لوليه السيد أحمد البدوي رضي الله عنه من القبول عند الخاصة والعامة: أن سمَّى العلماءُ أولادَهم العلماءَ باسمه ولقبه معًا "السيد البدوي" تيمنًا وتبركًا؛ حتى كثر ذلك في الناس: كالشيخ العلامة محمدَا بن أبي أحمد الأموي المجلسي الشنقيطي، وولده هو العلامة النسابة أحمد البدوي الشنقيطي المجلسي [ت: 1208هـ] صاحب نظم "عمود النسب"؛ حيث سمّاه ولقبه "بأحمد البدوي" تيمنًا باسم السيد البدوي ولقبه رضي الله عنه، كما ذكره صاحب "رياض السيرة والأدب، في إكمال شرح عمود النسب" (1/ 3، ط. دار الفتح).
وكالشيخ العلامة المحدِّث السيد محمد أبو النصر الخطيب الشافعي [ت: 1325هـ]؛ حيث سمى ولده "السيد أحمد البدوي شيخ العرب" وأصبح ولدُه قاضيَ معرة النعمان؛ كما ذكر العلامة عبد الستار الدهلوي الصديقي [ت: 1355هـ] في "فيض الملك الوهاب المتعالي بأنباء أوائل القرن الثالث عشر والتوالي" (3/ 1705).
وكإمام الجامع الأحمدي الشيخ إبراهيم بن إبراهيم الظواهريّ الشافعي [ت: 1325هـ]؛ فإنه سمى ولدَه "بمحمد الأحمدي" تيمنًا باسم السيد أحمد البدوي رضي الله عنه، وولدُه هو شيخ الإسلام الإمام الأكبر محمد الأحمدي الظواهري إمام الجامع الأزهر [ت: 1363هـ].
صاحب الطريقة البدوية
1- اسمه أحمد بن علي بن إبراهيم بن محمد بن أبي بكر، وينتهي نسبه بـ"علي زين العابدين بن الحسين"، ولقب بالسيد أحمد البدوي، وقد هاجر أجداده من الحجاز إلى أرض المغرب في عام 73 هجرية في عصر الدولة الأموية بعدما زاد اضطهاد الحجاج بن يوسف الثقفي للعلويين.
2- استقرت أسرته في مدينة فاس بالمغرب حتى القرن السادس هجريا، أي ما يقارب 500 عام، وتزوج جده الشريف إبراهيم ابنة شقيق السلطان، وأنجبت منه علي الذي تزوج فاطمة بنت محمد أحمد بن مدين وأنجبت منه 6 أبناء آخرهم كان أحمد بن على، الملقب بأحمد البدوي، والذي ولد في عام 596هجريًا/ 1199ميلاديًا بمدينة فاس.
3- بدأت رحلة السيد البدوى عقب اضطراب الأوضاع في المغرب عقب قيام دولة الموحدين، ليعود اضطهاد العلويين مرة أخرى وهاجر بصحبة والده وأسرته إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، واستقرت الأسرة 6 سنوات بمكة في عهد الملك العادل شقيق صلاح الدين الأيوبي، وكان عمر أحمد البدوى 13 عامًا عندما توفي والده لتتغير حياته، فقد عكف على العبادة، واعتزل الناس وعاش في صمت ورفض الزواج ولم يكن يتحدث سوى قليل وكان يضع لثام على وجهه كعادة البدو من أهل المغرب، ولذلك لقب بالبدوي، وعكف في عزلته على دراسة تعاليم إمامي الصوفية في العراق عبدالقادر الجيلاني وأحمد الرفاعي.
4- قرر أحمد البدوي الرحيل من مكة إلى العراق في نهاية الثلاثينيات من عمره وانتقل إلى الموصل والتقى بسيدة تسمى فاطمة بنت بري وهي سيدة حاولت إغواءه بجماله الشديد ولم تستطع فعاشت هي وقبيلتها تتعبد على طريقة وتعاليم أحمد البدوي.
5- عاد للحجاز وفي مطلع الأربعينيات من عمره جاء إلى مصر في مدينة طنطا بعدما شاهد رؤية في منامه ثلاث مرات أمر فيها بالسير إلى طنطا وقيل له في الرؤية :"سر إلى طنطا فإنك تقيم فيها وتربى رجالًا وأبطالًا"، وجلس مع الشيخ ركين التاجي واستقر معه 12 عامًا، ثم انتقل إلى دار ابن شحيط وهو شيخ الناحية بطنطا، وخلال الغزوات الصليبية المتكررة على مصر عرف عنه عودة الأسرى المحتجزين لدى الحملات الصليبية ليلًا وكان يستقبله أهل البلاد قائلين "الله الله يا بدوي جاب اليسري"، وتوفي في عام 675 هجرية ودفن داخل ذلك المنزل، وأقام أحد تلاميذه بجوار قبره خلوة وتحولت فيما بعد إلى زاوية عرفت بالأحمدية.
6- ظلت الزاوية الأحمدية على وضعها حتى عصر السلطان الأشرف قايتباي وأقام على الضريح قبة وأقيمت مئذنة للزاوية وتجدد المقام الأحمدي في القرن الـ 12 هجريا، ثم جاء علي بك الكبير في عام 1760 ميلادي وبني مسجد كبير بجوار ضريح البدوي ووضع 3 قبب كبيرة ومقصورة من النحاس نقش عليها اسم ونسب السيد البدوى، وإليه تنسب الطريقة البدوية ذات الراية الحمراء، لُقب بالبدوي لأنه كان دائم تغطية وجهه باللثام مثل أهل البادية، وله الكثير من الألقاب، أشهرها شيخ العرب والسطوحي.