هل الغرور من كبائر الذنوب؟، سؤال يشغل ذهن الكثيرين ونرصد جوابه في السطور التالية؛ خاصة فيما يتعلق بمعنى الغرور وأسوأ أنواعه، وكيف حذر القرآن الكريم منه.
هل الغرور من كبائر الذنوب؟
الغرور هو كل ما يغر الإنسان في مال وجاه وشهوة، يقول الله تبارك وتعالى:"يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا"، ويقول جل وعلا:"وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور"، وعنه جل شأنه:"ولا يغرنكم بالله الغرور".
ويعد الغرور والكبر من الأمور التي ذمت في الشريعة الإسلامية، وقد حذر الله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من الغرور والكبر، فقال جل وعلا:" وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ"، وعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «احتجت الجنة والنار، فقالت النار: فيّ الجبارون والمتكبرون، وقالت الجنة: في ضعفاء المسلمين ومساكينهم، فقضى الله بينهما إنك الجنة أرحم بك من أشاء، وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء، وكليكما علي ملؤها".
الغرور بالعبادة
يقول فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، إن الكبر كان يمثل عقبة وصعوبة أمام الأنبياء والمرسلين في دعوتهم إلى الله، فقد سجّل القرآن الكريم عناد أقوامهم وكبريائهم.
وأضاف شيخ الأزهر، في برنامجه الرمضاني "الإمام الطيب"، إن الكبر وما اشتق منه من ألفاظ كلهم ورد في معرض الذم والوعيد في خمسين موضعا من القرآن الكريم على الأقل وهذا دليل على خطورة هذا المرض اللعين الذين يصيب المجتمعات ويهدمها.
وأكد أن الكبر من أسرع الآفات فسادًا وفتكا في الأرض والمجتمعات منوها أن أسوأ أنواع الكبر هو كبر العلماء الذين يتيهون بعلمهم ويزين لهم أنهم حراس المعرفة وسدنة الموضوعية وحرية الرأي ولا يجدون حرجا في أن يخلطوا الحقائق بالسفسطة إما عن جهل أو رغبة في تضليل الناس، منوهاً أن كثيراً من الناس يحسبونهم من العلماء الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله.
وأشار شيخ الأزهر، إلى أن هذا النوع من العلماء يجهل ويتجاهل تحذير النبي من عاقبة السوء التي تنتظرهم وتنتظر أمثالهم فعن أبي هريرة قال قال رسول الله "إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة، عالم لم ينفعه الله بعلمه".
وتابع: من أنواع الكبر، الكبر بالحسب والنسب وهو مرفوض في الإسلام لأنه يكرس طبقية بغيضة يرفضها الإسلام رفضا قاطعا والفخر بالأنساب جهل وتفتقر إلى العصور الغابرة ثم أنه اعتزاز بما ليس من عمله أو كسب يده.
وذكر أن هناك الكبر بكثرة العبادة أو بالجمال أو بالمال أو بالصحة والقائمة تطول، مختتما حلقته بالقول بان أهل الكبر هم رموز الشر في هذا الكون وهم تلامذة إبليس رائد المستكبرين ومن المستكبرين على الله الملحدون الذين يستكبرون على عبادة الله.
واستشهد شيخ الأزهر، بآيات من القرآن الكريم تؤكد صدق حديثه ومنها قوله تعالى: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ" كما أرود قوله تعالى "قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ۚ قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ" ثم قوله تعالى "ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ وَهَارُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ" ثم يقول الله "وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ".
أسوأ أنواع الغرور
وحول أسوأ أنواع الغرور يقول الشيخ محمد أبو بكر الداعية الإسلامي، إن أسوأ أنواع الغرور الغرور بالعبادة، حيث قال الله تبارك وتعالى في كتابه:" وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا"، مشيراً إلى أن القرآن يكشف عن فضل العصمة التي نالها رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي حفظته ومنعته من هذا الفعل.
ويوضح أبو بكر من خلال مقطع فيديو بثه عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، إن علاج هذا الفعل يقوم على عدة عوامل منها استصغار النفس، والدعاء الله تبارك وتعالى بالعفو والعافية في الدين والدنيا كما كان يردد النبي صلى الله عليه وسلم، وطلب الستر.
وحذر الداعية الإسلامي من الغرور بالعبادة، قائلاً:"اوعى تتغر.. يمكن أن يتبدل الحال في لحظة من غنى إلى فقر، فما سقط أحد إلا بغرور العبادة، والابتعاد عن طريق الطاعة، وسيطرت الشيطان عليه وأن يظن أن التكليف عنه قد رفع".
وشدد على أن المسلم عليه أن يكتم طاعته عن الناس حتى لا يقع في الغرور أو الحسد، قائلاً:"ربنا من علينا بالعبادة اكتمها ولو بتصلي قيام الليل اسكت، فلا حسد إلا في اثنتين إما مال وإما طاعة".
ترك الكبر والتعالي
قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق، إنه ينبغي أن نتخذ قرارا بيننا وبين أنفسنا بالتخلية من القبيح؛ وتهيئة القلب أن نملأه بالصحيح، فالتخلية والتحلية ينبغي أن نستقبل بها رمضان؛ وأول ما ينبغي أن نخلي قلبنا عنه حتى تخلوا تصرفاتنا وسلوكنا منه هو "الظلم"، الذي يقول فيه رسول الله ﷺ: (الظُّلمُ ظُلُماتٌ يومَ القيامةِ) والذي شاع فيما بيننا.
وأضاف، أنه إذا ما ظلم الإنسان نفسه، يتصاعد الظلم من ظلم النفس إلى ظلم الأشخاص، ومن ظلم الأشخاص إلى ظلم القضايا الكبرى، وحينئذ يُحشر الظالم عند الله في العذاب الأليم {إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} عنوان وتحذير من رب العالمين.
وأشار جمعة، عبر صفحته الرسمية على "فيس بوك" إلى أن الله سبحانه وتعالى قال فى الحديث القدسي: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي. وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا. فَلاَ تَظَالَمُوا)، موضحاً أن التظالُم أن يقع عليك الظلم، فتبحث عن كيفية الانتقام والغضب على من ظلمك، وتوقع به ظلمًا أشد، فيشيع في الناس قسوة القلب وعدم الاعتناء بالالتفات إلى أوامر الله - سبحانه وتعالى -، وهذا هو أغلب حالنا اليوم، نظلم ونتظالم، وهذا حال لا يرضى الله عنه، وهو موجب للعقوبة في الدنيا والآخرة،.
وتابع: " والله يحذرنا ورسوله ﷺ يبين لنا فيقول: (اتَّقِ دَعوةَ المظلومِ، فإِنَّه ليس بينَهُ وبينَ اللّهِ حِجابٌ)، يؤكد على هذا المعنى، فيجعل للظلم مجالا في نفسه ينبغي أن يبعد عنه، ويجعل العدل قيمة في نفسه ينبغي أن نتحلى بها فيخبر أن دعوة المظلوم تستجاب ولو من كافر؛ فليس الأمر هنا إيمان وكفر، بل الأمر يتمثل في أن: (الظُّلمُ ظُلُماتٌ يومَ القيامةِ).
وأوضح أن البغي نوع من أنواع الظلم بل هو أعلاها {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} ،{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} والآيات كثيرة في ذم الظلم بجميع مستوياته وأنواعه؛ يوغل الإنسان الذي ظلم نفسه بترك الطاعة وبعصيان ربنا - سبحانه وتعالى -، وبالتراخي في شأن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر- يوغل بعد ذلك إلى أن يوقع الظلم بغيره فيكون ظلمًا متعديًا وتكون المصيبة أكبر؛ مثل الموظف يظلم المتعاملين معه في المصالح كلها حكومية كانت أو شخصية.
ونوه إلى أن الظلم شاع فيما بيننا ونخاف أن نمد أيدينا إلى السماء: يا رب يا رب؛ فلا يستجاب لنا، الظلم مانع من موانع استجابة الدعاء من رب العالمين، والخروج منه يسير على من يسره الله عليه، عسير على من عسره الله عليه .
وذكر أن الخروج من ظلم النفس يكون بالتوبة وبترك الكبر وبترك التعالي على الناس، والأنانية التي ينظر فيها أحدنا لنفسه دون سواه، الخروج منه بالتحلي بالرحمة والكرم والحب والعطاء، الخروج منه بمقاومة النفس وبالصيام وبذكر الله - جل جلاله -، وبالإكثار من الصلاة، وإيتاء الزكاة، الخروج منه بالعودة إلى سيدنا رسول الله حسًّا ومعنى {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ} مجيئًا حسيًّا عند قبره المشرف لمن استطاع؛ فليس هناك قبر نبي سواه نقطع به وعلى يقين منه، حتى أننا نكفِّر من أنكره، ولا يكون من المسلمين أبدًا من أنكر أن هذه البقعة المباركة تضم جثمان النبي ﷺ بأبي هو وأمي، مجيء حقيقي حسِّي إلى قبره الشريف ومسجده المنيف، تقف عنده وتستغفر الله، وهو ﷺ يقول: (حياتي خير لكم؛ تحدِثون ويُحدَث لكم، ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم؛ فما كان من حسن حمدت الله عليه، وما كان من سيئ استغفرت الله لكم).
وأيضاً:{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ} لأن الله هو مالك السماوات والأرض وهذا ملكه، والظلم هو التصرف في غير ملكك، وهذا ملك الله فلا يتصور منه ظلم؛ لأنه فعالٌ لما يريد {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} .تقف عند رسول الله حسًّا طالبا من الله شفاعته فيك ودعاءه واستغفاره لك، وعسى أن تكون ممن يجيب الله دعاء رسوله فيهم، وهم خلا المنافقين الذين قال فيهم ربنا {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} فاللهم اجعلنا في دائرة المؤمنين، وقِنا أن نقع في دائرة المنافقين حيث يدعو سيد الخلق فلا يستجاب له.
وحول الخروج من الكبر والغرور والظلم يقول: “رسول الله حبيب الرحمن سيد الكائنات يدعو ربه، وربنا لا يجيب، هذه هي الخطة التي يجب عليك أن تتخذها للخروج من الظلم وبخاصة من ظلم النفس، موضحاً أن الظالم للعباد يجب عليه أن يرد عليهم ما ظلمهم فيه، وهو خصيم نفسه أمام ربه؛ فـ (العاقل خصيم نفسه) ابحث وفتش وتوجه بقلبك إلى أن تخرج كليًّا من الظلم بكل الوسائل كلاًّ بحسبه، ورُدَّ المظالم إلى أهلها ... حتى يقبلك الله - سبحانه وتعالى -”.