وجه الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، رسالة للأبناء الذين يعانون من جنوح عقلي وفكري أدى للتشكك وعدم استقرار الإيمان، مشيرًا إلى أن قضية الإلحاد موقف نفسي وليس فكريا لأغلبية الشباب.
المناخ المطلوب هو احترام وتقدير
وقال عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، خلال حلقة برنامج "لعلهم يفقهون" المذاع عبر فضائية "dmc"، اليوم الثلاثاء: "حديثي حديث أب يحدث أولاده، والمناخ المطلوب هو احترام وتقدير وعدم إقصاء وتخوين، وعدم التسرع في إصدار الأحكام، وشرطنا احترام العقل، لأن العقل لا يورد الإنسان موارد التهلكة".
وأشار إلى أنه لا يمكن لأحد أن يرى ويسمع إلى ما لا نهاية، كذلك من يريد التفكير إلى ما لا نهاية، القرآن لخص أمره في الآية، "ولا تقف ما ليس لكم به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولًا".
أسباب الانحرافات والزلل
قال الشيخ الدكتور حسين آل الشيخ؛ إمام وخطيب المسجد النبوي، إن المسلم في أشدّ الضرورة إلى المرتكزات التي يضبط بها جوارحه، ويجنّبها أسباب الانحرافات والزلل، من منطلق وقطعيات الشريعة ومقاصد وأصول الدين، حيث إن عالم اليوم قد تلاطمت من كل جانب الأخبار والمعلومات إلى أسماع الناس وأبصارهم وعقولهم، وتدفقت عليهم سيولٌ من الأطروحات في شتى المجالات.
أشدّ الضرورة إلى المرتكزات
واستشهد " آل الشيخ " خلال خطبة الجمعة الثالثة في ربيع الأول اليوم من المسجد النبوي بالمدينة المنورة، بما قال الله سبحانه وتعالى: (وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولٗا)، هذه الآية الكريمة، وما ماثلها من النصوص الشرعية، تقرّر أصلاً قطعياً، يضمن السلامة للمجتمع، ويحقّق أسباب النجاة، وسُبلَ السعادة بكل معانيها.
وأضاف أنه أصل منهج المسؤولية الكاملة أمام الله -جل وعلا- على كل مسلم عمّا استعمل فيه سمعه وبصره وفؤاده، من خير أو شر، فقال ابن عطية -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: وَهَذَا أَدَبٌ خُلُقِيٌّ عَظِيمٌ، وَهُوَ أَيْضًا إِصْلَاحٌ عَقْلِيٌّ جَلِيلٌ يُعَلِّمُ الْأُمَّةَ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ مَرَاتِبِ الْخَوَاطِرِ الْعَقْلِيَّةِ بِحَيْثُ لَا يَخْتَلِطُ عِنْدَهَا الْمَعْلُومُ وَالْمَظْنُونُ وَالْمَوْهُومُ ثُمَّ هُوَ أَيْضًا إِصْلَاحٌ اجْتِمَاعِيٌّ جَلِيلٌ يُجَنِّبُ الْأُمَّةَ مِنَ الْوُقُوعِ وَالْإِيقَاعِ فِي الْأَضْرَارِ وَالْمَهَالِكِ مِنْ جَرَّاءِ الِاسْتِنَادِ إِلَى أَدِلَّةٍ مَوْهُومَةٍ».
وأوضح أن هذا الأصل يفرض على المسلم التزام قيم الصدق والحق والعدل في شؤونه كلها، وتصرفاته جميعها، ليكون قائلاً بالحق فاعلاً له، مجانباً كل باطلٍ وزورٍ وكذبٍ وافتراء، مشيراً إلى أن هذا الأصل يربي المسلم على قاعدةٍ في الحياة، وهي الالتزام بالتحرّي والتثبُّت، والاحتياط والتروي والتدبُّر والتبيُّن، فلا يقبل كل خبر بمجرد سماعه.
يفرض على المسلم
وتابع: ولا يكون متبعاً كل متحدثٍ وقائلٍ بما لا عنده من دليل بصحته ولا برهان بصدقه، كما هو ومع الأسف واقعٌ في عالم التواصل عند كثيرٍ من العالم اليوم، بل الإسلام يربي أتباعه على مرتكزات شرعية، وأصول دينية، تجعله ذا ميزان، يتحرّى عن كل معلومة تصل إليه، وتطرح تحت مسامعه ومسامع غيره.
ونبه إلى أن المسلم من شأنه ألا تخدعه الشائعات، ولا تستخفه الأراجيف وتتابع المعلومات ولو كثر ناقلوها، وعظم شائعوها، إنما الميزان الأدق المعرفة الكاملة عن صدق الأخبار وصحتها، ومدى تحقق المصلحة الخاصة العامة من تناقلها ونشرها وتداولها، مع وجوب مراعاة عدم وجود المفسدة من نشرها وإذاعتها.
ودلل بما قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ)، وقال جلَّ وعلا: (وَإِذَا جَآءَهُمۡ أَمۡرٌ مِّنَ ٱلۡأَمۡنِ أَوِ ٱلۡخَوۡفِ أَذَاعُواْ بِهِۦۖ وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ لَٱتَّبَعۡتُمُ ٱلشَّيۡطَٰنَ إِلَّا قَلِيلٗا)، منوهًا بأنه من الواجب على المسلمين مقاطعة مثل أولئك، وعدم الانجرار إليهم، فمثل هذه المواقع قد جرّت شراً كبيراً وضرراً عظيماً على دين الناس ودنياهم.
واستند إلى ما قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ خُذُواْ حِذۡرَكُمۡ)، مشيراً إلى أن مما اُبتلي به عالم اليوم عبر وسائل التواصل، تجنيد جنودٍ مجنّدة لاتباع خطوات الشيطان، تدعمهم منظمات، وتحتويهم مؤسسات ينشرون الإلحاد، أو يبثون الشبهات، يشكّكون المسلمين في ثوابت دينهم، ومحكمات شرعهم، ومسلمات مصادرهم، والمرتكزات التي تُبنى عليها أحكام دينهم.
الأصل المؤصل
وحذر ، قائلاً: فإياك أيها المسلم أن تكثر سوادهم، أو تستمع إليهم، أو تكون سبباً من حيث لا تشعر في نشر سمومهم وبث خطرهم، وكن أيها المسلم على حذرٍ من مناقشتهم ومجادلتهم؛ لأنهم مكابرون، وللحق معاندون، وللباطل مريدون، ومثل أولئك لا تجوز مناظرتهم كما بيّنه أهل العلم في أحكام المناظرة والجدل، قال عمر بن عبدالعزيز: "من جعل دينه عُرضة للخصومات أكثر التنقل".
وأشار إلى أن من الأسس التي نُقلت عن صحابة رسول الله وسلف هذه الأمة الأصل المؤصل (ترك الخصومة والجدال هو طريق مَن مضى، ولم يكونوا أصحاب خصومة ولا جدالٍ، ولكنهم كانوا أصحاب تسليمٍ وعمل)، بل كن أيها المسلم على ثبات من دينك، ويقين في شريعة خالقك، ودع عنك أهل الباطل والحيرة والشك، وتمسّك بعلوم الوحيين، وتزوّد بكل عملٍ صالحٍ مبرور.
واستطرد: ودع أهل الباطل والإلحاد والتشكيك ونشر الشبهات، للعلماء المحقّقين، الذين -بإذن الله- يقدرون على كسر باطلهم، ودحض شبهاتهم، وتهشيم مقاصدهم وأهدافهم، وفق علمٍ رصين، ومنهجٍ قويم يعرفه العلماء الربّانيون، موصيًا المسلمين بتقوى الله تعالى، فقال جلَّ مَن قائل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).