عقدت الأمم المتحدة قمة المستقبل، الاثنين، في مقرها بمدينة نيويورك، في ضوء تصاعد تحديات القرن الـ21، ومواكبة المتغيرات المتسارعة التي تواجه البشرية، بما يشمل الحروب، والنزاعات، والكوارث الطبيعية، والتغيرات المناخية، والتطورات التكنولوجية السريعة.
قمة المستقبل
وتمثل القمة منعطفًا حاسمًا؛ حيث يلتقي قادة العالم لإعادة تنشيط المبادئ المشتركة وتمهيد الطريق لمستقبل عالمي أكثر استدامة ومرونة؛ حيث تعد هذه القمة التحويلية برسم مسار نحو الحلول التعاونية التي تعود بالنفع على الناس والكوكب، بل وتنعكس أهمية القمة على خلفية الانقسامات العالمية المتصاعدة بهدف أن تكون بمثابة حافز لإعادة بناء الثقة على الساحة الدولية.
من جانبه، قال محمود البدوي المحامي بالنقض والخبير الحقوقي المصري أن ما تم بإفتتاح قمة المستقبل بمقر الأمم المتحدة من تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة وبالإجماع وبدون تصويت قرارا يتضمن اتفاقا رئيسيا يُعرف بـ (ميثاق المستقبل) والذي يوصف بأنه دعوة للعمل والإصلاح الجماعي لوضع العالم على مسار أفضل يعود بالخير على الجميع في كل مكان.
وأضاف البدوي، في تصريحات لـ صدى البلد، أن (ميثاق المستقبل) والذي يضم الـميثاق الرقمي الدولي، واعلان الأجيال القادمة هو الاتفاق الدولي الأوسع نطاقا منذ سنوات عديدة ، والذي نقدره بأنه تتويج لعملية كبيرة وموسعة استغرقت سنوات لضمان تكيف التعاون الدولي مع وقائع اليوم وتحديات الغد لدي كل دول العالم ولصالح كل سكان العالم بدون استثناءات .
وأوضح أن الميثاق يغطي مجالات جديدة تماما بالإضافة إلى قضايا لم يكن من الممكن الاتفاق عليها منذ عقود طويلة ومسار خلاف بين الدول ، إذ أن الميثاق يهدف في المقام الأول إلى ضمان أن المؤسسات الدولية قادرة على العمل في عالم تغير بشكل هائل منذ إنشاء تلك المؤسسات ، وفي ظل أن هذا الميثاق هو تعبير عن التزام الدول والقوي تجاه الأمم المتحدة والنظام العالمي والقانون الدولي.
تابع: وبخاصة في ظل ما تم التوافق عليه بين كافة القادة على صياغة رؤية واضحة لمنظومة دولية قادرة على الوفاء بالوعود تكون أكثر تمثيلا لعالم اليوم ، تستفيد من طاقات وخبرات الحكومات والمجتمع المدني والشركاء الرئيسيين الآخرين.
وأكد أن الميثاق يركز على خمسة مجالات هي: التنمية المستدامة ، السلم والأمن الدوليان ، العلوم والتكنولوجيا، الشباب والأجيال القادمة ، وإحداث تغيير في الحوكمة العالمية وهو مجال حيوي في ظل عدم قدرة المؤسسات متعددة الأطراف على إيجاد حلول لمشاكل القرن الحادي والعشرين.
ومن خلال اعتماد ميثاق المستقبل، تعهدت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بما يلي:
- تعزيز أهداف التنمية المستدامة واتفاقية باريس للمناخ.
- التحول بعيدا عن الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة(بطريقة عادلة ومنصفة)
- الاستماع إلى الشباب وإشراكهم في صنع القرار، على المستويين الوطني والعالمي.
- بناء شراكات أقوى مع المجتمع المدني والقطاع الخاص والسلطات المحلية والإقليمية وغيرهم.
-مضاعفة الجهود لبناء واستدامة مجتمعات سلمية وشاملة وعادلة ومعالجة الأسباب الجذرية للصراعات.
- حماية جميع المدنيين في النزاعات المسلحة.
- تسريع تنفيذ الالتزامات بشأن المرأة والسلم والأمن.
ألقى بدر عبد العاطى وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج، الأحد، كلمة مصر فى قمة المستقبل، والتي تُعقد على هامش اجتماعات الشق رفيع المستوى للدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقد أكد وزير الخارجية فى كلمته على ترحيب مصر بعقد القمة لتعزيز العمل الدولي مُتعدد الأطراف فى مواجهة التحديات الجسام التي تُلقي بظلالها على الدول النامية وتؤثر سلباً علي مساعيها نحو تحقيق أجندة التنمية المستدامة لعام ٢٠٣٠.
كما أعرب عبد العاطى عن تقدير مصر لمبادرة السكرتير العام للأمم المتحدة بطرح قمة المستقبل ضمن تقريره التاريخي أجندتنا المشتركة من أجل تطوير الحوكمة الدولية للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وتحقيق التنمية والازدهار.
وأضاف الدكتور عبد العاطى، أن مصر قامت بطرح رؤية شاملة عن الحوكمة العالمية، إذ استضافت منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة في يوليو الماضي، والذى تناول عدد من الموضوعات أبرزها الحوكمة العالمية، وأجندة الوقاية العالمية والسلام المستدام، والترابط بين السلام والأمن والتنمية، ومستقبل عمليات حفظ السلام في أفريقيا.
وعكست كلمة الدكتور بدر عبد العاطي اهتمام مصر البالغ بزيادة تمويل التنمية وإصلاح هيكل النظام المالي العالمي، وتوفير سبل التنفيذ ونقل التكنولوجيا والدفع بالتعاون الرقمي، بالإضافة إلى دعم جهود الدول الأفريقية لمواجهة الآثار السلبية لتغيُر المناخ.
وتطرق الوزير في كلمته أيضاً إلى تصاعد حالة التوتر الدولي الراهن، وضرورة إيلاء أولوية قصوى للتخلص التام من الأسلحة النووية بصورة لا رجعة فيها وقابلة للتحقق.
وأكد دميترى بوليانسكى، نائب مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة أن ميثاق المستقبل الذي أقرته قمة الأمم المتحدة، غير متوازن ويحتوي على بنود خطيرة ويشكل ضربة للمنظمة العالمية.
وكتب بوليانسكي في حسابه على منصة "إكس": "لسوء الحظ، لا يوجد شيء رائع في حقيقة أن الأمم المتحدة اليوم اعتمدت "ميثاق المستقبل".. لقد داست الأمم المتحدة على مبادئها الخاصة من أجل إرضاء مجموعة من وفود "الحديقة الجميلة" (تعبير استخدمه مفوض السياسة الخارجية للاتحاد الأوربي جوزيب بوريل لوصف الغرب، الذي تحيط به الأدغال) الذين اغتصبوا المفاوضات منذ البداية، لكن غالبية "الأدغال"، مثل القطيع لم يكن لديهم ببساطة الشجاعة للاحتجاج والدفاع عن حقوقهم، وهم الذين سيتحملون المسؤولية والعواقب".
ووفقا للدبلوماسي الروسي، فإن الميثاق غير متوازن ويحتوي على بنود خطيرة للغاية سيكون لها تأثير عكسي وتقوض التعددية والطبيعة الحكومية الدولية للأمم المتحدة، التي يدعمها ميثاق الأمم المتحدة، مشددا على أن هذه بمثابة ضربة قوية للمنظمة ككل.
وأشار بوليانسكي إلى أنه نتيجة لعملية المفاوضات الشاملة، لم يتم التوصل إلى الفهم الطبيعي لهذا المصطلح، قائلا: “لقد حاول الرئيس الجديد للدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة الكاميروني فليمون يانغ تصحيح الوضع، لكن فاته القطار".
وفي قمة المستقبل التي انطلقت في الأمم المتحدة، أشار نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، إلى أن النص الذي تم تقديمه بشكل مخالف للإجراء، لم يحظ بتأييد بعض الوفود، واقترح الدبلوماسي الروسي أن يؤجل يانغ اعتماد الوثيقة لحين الاتفاق على كافة بنودها.
ولم يتم قبول التعديل الذي قدمته روسيا، ولذلك أشار فيرشينين إلى أن روسيا الاتحادية تنأى بنفسها عن الإجماع حول ميثاق المستقبل والميثاق الرقمي العالمي، مؤكدا أن هذا يتعلق بشكل خاص بالأحكام المتعلقة بنزع السلاح وقضايا مشاركة المنظمات غير الحكومية في عمل الأمم المتحدة والمفوضية السامية لحقوق الإنسان.
ماذا تعرف عن قمة المستقبل
وتنعقد "قمة المستقبل" منذ امس 22 حتى اليوم 23 سبتمبر في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، قبل مناقشة السياسة العامة للدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة.
والهدف الرئيسي للقمة هو مناقشة التحديات العالمية وتطوير حلول جماعية من قبل قادة العالم والخبراء والمجتمع المدني، ورغم الأهمية المعلنة للقمة، فإن الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن لا يشاركون فيها على مستوى رؤساء الدول والحكومات.
مع ذكرى تأسيس الأمم المتحدة الـ 75 في عام 2020 جرى الحديث عن نقاش عالمي بشأن المخاوف المختلفة والمستقبل ونتج عن ذلك عقد قمة المستقبل في سبتمبر الحالي، وتسلط الفعالية الضوء على 5 مسارات رئيسية، تشمل التنمية المستدامة والتمويل، والسلام والأمن، ومستقبل رقمي للجميع، والشباب والأجيال المقبلة، والحوكمة العالمية، وموضوعات أخرى تتقاطع مع كل أعمال الأمم المتحدة، بما في ذلك حقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين، وأزمة المناخ.
ختام القمة سيتضمن 3 اتفاقات تصادق عليها الدول المشاركة، تتمثل في ميثاق المستقبل والميثاق الرقمي العالمي، وإعلان الأجيال القادمة، وسيركز الميثاق الرقمي على سد الفجوات الرقمية، ليكون أول اتفاق عالمي بشأن تقنيات الذكاء الاصطناعي، واضعا أسس إنشاء منصة دولية يكون مركزها الأمم المتحدة، تجمع كافة الأطراف معاً، فيما سيعمل «إعلان الأجيال القادمة»، وفقا لـجوتريتش، سيركز على إلزام القادة بوضع المستقبل بعين الاعتبار عندما يتخذون قراراتهم الآن.
وجاءت القمة بعد التصور بأن هياكل الأمم المتحدة التي تأسست منذ عقود لم تعد فعالة بشكل كافي على أن توفر قمة المستقبل فرصة للوفاء بشكل أكثر اكتمالاً بالوعود التي تم تقديمها بالفعل، وإعداد المجتمع الدولي للعالم المقبل، واستعادة الثقة.