ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤل يقول (اذكر ثلاثة من المذاهب الأربعة احتفلوا بالمولد النبوي؟) منوهة بأنه المذاهب الفقهية الأربعة تحدثتحول مشروعية الفرح والسرور والمعايدة بكل مناسبة دينية يُقصد بها تذكُّر نعمة الله وشكره عليها، ونحن متفقون على أنه ليس هناك أفضل من نعمة ميلاد النبي وبعثته هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وهي نعمة تستوجب الشكر بلا جدال.
وذكرت دار الإفتاء طرفًا من أقوال الفقهاء في هذا الصدد على النحو الآتي:
- قال ابن عابدين من الحنفية: (سُمِّيَ الْعِيدُ بِهَذَا الِاسْمِ لِأَنَّ لِلَّهِ -تَعَالَى- فِيهِ عَوَائِدَ الْإِحْسَانِ أَيْ أَنْوَاعَ الْإِحْسَانِ الْعَائِدَةَ عَلَى عِبَادِهِ فِي كُلِّ عَامٍ: مِنْهَا الْفِطْرُ بَعْدَ الْمَنْعِ عَنْ الطَّعَامِ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ وَإِتْمَامُ الْحَجِّ بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَلُحُومِ الْأَضَاحِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْعَادَةَ فِيهِ الْفَرَحُ وَالسُّرُورُ وَالنَّشَاطُ وَالْحُبُورُ غَالِبًا بِسَبَبِ ذَلِكَ أَوْ تَفَاؤُلًا، وَيُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ يَوْمِ مَسَرَّةٍ وَلِذَا قِيلَ:
عِيدٌ وَعِيدٌ صِرْنَ مُجْتَمِعَهْ … وَجْهُ الْحَبِيبِ وَيَوْمُ الْعِيدِ وَالْجُمُعَهْ) ا.هــ. حاشية ابن عابدين [2/ 165]. ومَن أحبُّ إلينا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
- وقال الشيخ خليل المالكي صاحب المختصر: (قال ابن عباد في رسائله الكبرى ما نصه: وأما المولد فالذي يظهر لي أنه عيد من أعياد المسلمين وموسم من مواسمهم، وكل ما يفعل فيه ما يقتضيه وجود الفرح والسرور بذلك المولد المبارك من إيقاد الشمع، وإمتاع البصر والسمع، والتزين بلبس فاخر الثياب، وركوب فاره الدواب، أمر مباح لا ينكر على أحد قياسًا على غيره من أوقات الفرح.
وأوضحت أن الحكم بكون هذه الأشياء بدعة في هذا الوقت الذي ظهر فيه سر الوجود، وارتفع فيه علم الشهود، وانقشع فيه ظلام الكفر والجحود، وادعاء أن هذا الزمان ليس من المواسم المشروعة لأهل الإيمان، ومقارنة ذلك بالنيروز والمهرجان أمر مستثقل تشمئز منه القلوب السليمة، وتدفعه الآراء المستقيمة، ولقد كنت فيما خلا من الزمان خرجت في يوم مولد إلى ساحل البحر فاتفق أن وجدت هناك سيدي الحاج ابن عاشر -رحمه الله- وجماعة من أصحابه وقد أخرج بعضهم طعامًا مختلفًا ليأكلوه هنالك، فلما قدموه لذلك، أرادوا مني مشاركتهم في الأكل، وكنت إذ ذاك صائمًا، فقلت لهم إنني صائم، فنظر إلي سيدي الحاج نظرة منكرة، وقال لي ما معناه: إن هذا اليوم يوم فرح وسرور، يستقبح في مثله الصيام بمنزلة يوم العيد، فتأملت كلامه فوجدته حقًّا، وكأنني كنت نائمًا فأيقظني) مواهب الجليل [2/ 407].
- وقال ابن حجر الهيتمي الشافعي: (سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل أحمد بن حجر عن عمل المولد فأجاب... قد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت وهو ما ثبت في الصحيحين من «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا هذا يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكرًا لله تعالى» فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما منَّ به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة.
وأشارت إلى أن الشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم، وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر بل توسَّع قوم فنقلوه إلى يوم من السنة وفيه ما فيه. هذا ما يتعلق بأصل عمله وأما ما يعمل فيه فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدَّم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة، وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال ما كان من ذلك مباحًا بحيث يتعين للسرور بذلك اليوم لا بأس بإلحاقه به ومهما كان حرامًا أو مكروهًا فيمنع) تحفة المحتاج [7/ 422].
- ولقد ألَّف الإمام برهان الدِّين أبو إسحاقَ إبراهيمُ بنُ مُحمَّدٍ النَّاجِي الحنبلي كتابًا في المولد سمَّاه: "كَنْزُ الرَّاغِبينَ العُفاة في الرَّمْزِ إلى المَوْلدِ المُحَمَّدي والوَفَاة") مختصر الإفادات، لمحمد بن بدر الدين بن بلبان، [ص440].