أثارت قناة انتشرت على “يوتيوب” تحمل اسم “أغاني قرآنية” جدلًا واسعًا، بتقديمها آيات قرآنية بشكل غنائي ورقص على فيديوهات لحفلات موسيقية، ما أدى لاستغراب الكثيرين من المسلمين وغيرهم وتحريمهم لما تفعله هذه القناة بقدسية كتاب رب العالمين.
وقال أحد المعلقين على الفيديوهات: "لا يليق بالقرآن إلا الترتيل.. الحمد لله على نعمة الإسلام.. مصيرك في الآخرة هتقول يا ليتني كنت ترابا"،وقال شخص آخر:"نطالب المسئولين بغلق القناة، حسبنا الله ونعم الوكيل".
رد دار الإفتاء المصرية على التغني بالقرآن الكريم
ردت دار الإفتاء المصرية، مشددة على أن إخضاع القـرآن الكريم للنغمات الموسيقية، وقراءته قراءة مصحـوبة بالآلات الموسيقية، والتغني به محرم شرعًا.
وأوضحت دار الإفتاء، فى ردها على ما تم تداوله من قيام بعض الأفراد بـ التغني بالقرآن الكريم مصحوب بالآلات الموسيقية، أن القرآن الكريم هو كلام رب العالمين، أنزله الله على الرسول - صلى الله عليه وسلم - هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، ولم ينزله ليطرب به الناس أو يتغنوا به وقد أمر الله المسلمين بفهم معانيه وتدبر ما فيه من عظات وآداب بكل أحكامه.
وأضافت الدار في فتواها أن سماع القرآن كما تسمع الأغاني، يجعله أداة لهو وطرب، ينصرف فـيه السامع إلى ما فيـه من لذة وطرب، عما أنزل القرآن له من هداية الناس وإرشادهم.
وأكدت الدار أن القرآن الملحن بالموسيقى، ليس هو القرآن الذي أنزله الله على رسوله، وتعبدنا بتلاوته التي تلقيناها عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأننا إذا أجـزنا قـراءة القرآن ملحنًا تلحينًا موسيقيًّا وسماعه مصحوبًا بآلات الموسيقى، نكون قد حـرفنا كـتاب الله وبدلناه، وفي ذلك ضـيـاع الدين وهلاك المسلمين.
واستشهدت الدار بما روى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- مؤذن يطرب، فقال رسول الله: إن الأذان سهل سمح، فإذا كـان أذانك سمحًا سهلًا، وإلا فلا تؤذن. أخرجه الدار قطني في سننه. فإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد منع ذلك في الأذان، فأحرى أن لا يجوزه في القرآن، الذي حفظه الرحمن، فقال -وقوله الحق -: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ"، وَقال -تبارك وتعالى-: "لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ".
وقد رأى العلماء في قراءة القرآن على صورة التلحين والغناء والتطريب المنع والتحريم، وأن من المقطوع به أنهم يحرمون بالأولى.
حكم تلحين القرآن وتصويره تصويرا فنيا
أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد إليها وذلك عبر موقعها الرسمي مضمونه: "ورد إلينا استفتاء من جماعة من المسلمين الغيورين على دينهم يسألون فيه عن حكم الشريعة الإسلامية في جواز تلحين القرآن الكريم تلحينًا موسيقيًّا يقوم بأدائه بعض المطربين والمطربات، وفي جواز تصوير القرآن تصويرًا فنيًّا يحكي معانيه وآياته، وطلبوا منا إبداء الرأي في هذه الاتجاهات الخطيرة ونشره على الرأي العام ليكون على بينة من دينه؟".
لترد دار الإفتاء موضحة أنه لا يجوز شرعًا قراءة القرآن الكريم مع تلحينه تلحينًا موسيقيًّا؛ لكون هذا العمل يخرج القرآن عن جلالته وقدسيته، ويصرف السامع عن الخشوع والخضوع عند سماعه، ويجعله أداة لهوٍ وطربٍ، وكل عمل يخرج كتاب الله عن غايته يعد عملًا منكرًا لا يقره الدين، ويجب علينا عند قراءته مراعاة الرجوع إلى ما كان عليه في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابه والتابعين، وكذلك لا يجوز تصوير القرآن تصويرًا فنيًّا؛ لما في ذلك من مفاسد يجب منعها؛ كتصوير الأنبياء ونحوه مما هو محاط بالقداسة في الشريعة الإسلامية.
فأية فائدة يمكن أن يحصل عليها المسلمون من الاجتراء على كلام رب العالمين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيم حميد! فليتق الله كل من يفكر في إباحة تصوير المصحف فإن المسلمين بخير ما حافظوا على كتاب الله، وهم على شر حال إذا ما تهاونوا في المحافظة عليه، ولذلك كله نرى أنه لا يجوز بحال أن يطبع المصحف وفيه أي تغيير في رسمه أو إضافة أية صورة إليه.
وكان ابن أعين يدخل الشيء من ذلك ويخفيه حتى كان الترمذي محمد بن سعيد في المائة الثالثة، وكان الخلفاء والأمراء يومئذ قد أولعوا بالغناء وافتَنُّوا فيه، فقرأ محمد هذا على الأغاني المولدة المحدثة سلخها في القراءة بأعيانها، وقال صاحب "جمال القراءة": إن أول ما غني به في القرآن قراءة الهيثم ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ﴾ كما تقدم، فلعل ذلك أول ما ظهر منه، ولم يكن يعرف مثل هذا شيءٌ لعهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا لعهد أصحابه وتابعيه إلا ما رواه الترمذي في "الشمائل" واختلفوا في تفسيره؛ فقد روى بإسناده عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ناقة يوم الفتح -فتح مكة- وهو يقرأ: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ۞ لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ قال: فقرأ ورجع، وفسره ابن مغفل بقوله: آآآ بهمزة مفتوحة بعدها ألف ساكنة ثلاث مرات.
ولا خلاف بينهم في أن هذا الترجيع لم يكن ترجيع غناء، وكان في الصحابة والتابعين رضي الله عنهم من يُحْكِم القراءة على أحسن وجوهها ويؤديها بأفصح مخرج؛ فكأنما يسمع منه القرآن غضًّا طريًّا لفصاحته وعذوبة منطقه وانتظام نبراته، وهو لحن اللغة نفسها في طبيعتها لا لحن القراءة في الصناعة، على أن كثيرًا من العرب كانوا يقرؤون القرآن ولا يعفون ألسنتهم مما اعتادته في هيئة إنشاد الشعر مما لا "يخل" بالأداء، ولكنه يعطي القراءة شبهًا من الإنشاد تقريبًا؛ لتمكن ذلك منهم وانطباع الأوزان في الفطرة، حتى قيل في بعضهم: إنه يقرأ القرآن كأنه رجز الأعراب، وهذا عندنا هو الأصل فيما فشا بعد ذلك من الخروج عن هيئة الإنشاد إلى هيئة التلحين، وخاصة بعد أن ابتدع الزنادقة في إنشاء الشعر هذا النوع الذي يسمونه التغبير، ولم يكن معروفًا من إنشاد الشعر قبل ذلك؛ وهو أنهم يتناشدون الشعر بالألحان؛ فيطربون ويرقصون ويهرجون، ويقال لمن يفعلون ذلك المغبرة، وعن الشافعي رحمه الله: أرى الزنادقة وضعوا هذا التغبير ليصدوا الناس عن ذكر الله وقراءة القرآن.
وبالجملة، فإن المتعبد يفهم معاني القرآن في وزن التعبد بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من أئمة القراءة المتصلة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم. اهـ. انظر: كتاب "إعجاز القرآن" (ص: 44-45، ط. دار الكتاب العربي).