بيّن الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، المقصود بقوله تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ»، لافتًا إلى أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذل لأصحابه الحب وعلمهم الحب، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ".
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ
وتابع علي جمعة من خلال صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك: كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وآله وسلم يُنَادِيهِمْ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ».
قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ....}.
وأوضح علي جمعة: إن حياة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلها تنبض بالحب، فالحب في سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان مقصدًا وغاية وكذلك كان دافعًا ومحركًا، فيمكننا أن نتوقف عند كل مشهد في سيرته العطرة وإن بدا قصيرًا بسيطًا إلا إذا دققنا النظر إليه لوجدناه يتدفق بمعان الحب العالية.
في وقعة الأحزاب أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حذيفة بن اليمان يستطلع له أخبار القبائل التي حاصرت المدينة، وكان ذلك ليلا في يوم شديد البرد، فلم يشعر حذيفة بالبرد حتى أدى المهمة ، يقول حذيفة : فَلَمَّا أَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَفَرَغْتُ قُرِرْتُ ، فَأَلْبَسَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَضْلِ عَبَاءَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ يُصَلِّي فِيهَا ، فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحْتُ ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَالَ : قُمْ يَا نَوْمَانُ. -قُرِرْتُ : وَجَدْتُ مَسَّ البَرْدِ - فإن رسول الله اهتم بأمره ، ولازمه حتى نام ، ثم أتاه صباحا يطمئن عليه ويداعبه برقة.
سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يوزع عليهم حبه، حتى إن كل واحد فيهم كان يظن أنه أقرب أصحابه إلى قلبه، قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنه: مَا حَجَبَنِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ﷺ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلاَ رَآنِى إِلاَّ ضَحِكَ.
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى أن يأتيه أحد بشيء عن أصحابه يوغر صدره على أحدهم أو يحمله على تحاشيه أو تجنبه.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : «لاَ يُبَلِّغْنِى أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِى عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا؛ فَإِنِّى أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ».
وصدق فيه قول ربه عز وجل: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}.
واختتم علي جمعة قائلا: «فاَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ السَّابِقِ لِلْخَلْقِ نُورُهُ ، وَالرَحْمَةً لِلْعَالَمينَ ظُهُورُهُ ، عَدَدَ مَنْ مَضَى مِنْ خَلْقِكَ وَمَنْ بَقِيَ وَمَنْ سَعِدَ مِنْهُم وَمَنْ شَقِيَ ، صَلَاةً تَسْتَغْرِقُ الْعَدَّ وَتُحِيطُ بِالْحَدِّ، صَلَاةً لَا غَايَةَ لَهَا وَلَا إِنْتِهَاء وَلَا أَمَدَ لَهَا وَلَا اِنْقِضَاءَ، صَلَاةً دَائِمَةً بِدَوَامِكَ ، بَاقِيةً بِبَقَائِكَ ، لَا مُنْتَهَى لَهَا دُونَ عِلْمِكَ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا مِثْلَ ذَلِكَ».