طالب إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور علي بن عبدالرحمن الحذيفي، بالصبر عن ما يلقاه المرء من الشدائد والمحن والابتلاءات في دنياه، مؤكدًا أن من ثبت على الدين الحق، وملازمة التقوى، وطاعة الله تعالى، ومجانبة هوى النفس والشبهات المحرمات، نال رضوان الله والفوز بالجنات والنجاة من النار.
الله تبارك وتعالى خلق بني آدم لأمر عظيم
واستهل الشيخ علي الحذيفي خطبة الجمعة اليوم من المسجد النبوي، مبينًا أن الله تبارك وتعالى خلق بني آدم لأمر عظيم وشأن كبير، تخلت أن تحمله السماوات والأرض، وأشفقت من القيام به خوفا من أن تضيعه، فتعذب أو تقصر فيه، فتلام ويصيبها بما قصرت فيه حساب الله وعقابه، ألا إن هذا الأمر العظيم وهو عبادة الله تبارك وتعالى، بإحسان وإصلاح الأرض بشرع الله واجتناب المظالم المحرمات.
العذاب لمتبعي الهوى والشهوات المحرمة
ودعا إمام وخطيب المسجد النبوي، العباد إلى التفكر في مبدأ أمر خلقهم ونهايته، وما بين البداية والنهاية من الأحوال المتقلبة، إذ يلاقي الإنسان شدائد الدنيا والآخرة ومشاقها ثم يكون النعيم بعد ذلك للصابرين المتقين، والعذاب لمتبعي الهوى والشهوات المحرمة.
حسبنا الله ونعم الوكيل
وذكر أن عبارة حسبنا الله ونعم الوكيل كلمة يعدها النبي - صلى الله عليه وسلم - للشدائد والكربات والملمات والنوازل، ويوصي بها أصحابه، فقالها إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - حين ألقي في النار، مذكرًا بالأمور العظام التي سيلقاها الإنسان في حياته الدنيا وفي الآخرة، وبعد الحياة الدنيا يكون السؤال في القبر لكل أحد، مستشهدا بما رواه أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا وضع الميت في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل محمد فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال له انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدك من الجنة فيراهما جميعا، وأما الكافر والمنافق فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقال لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين» رواه البخاري ومسلم.
وأضاف الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي، أن الله تعالى يثبت الذين آمنوا ويضل المنافقين الكافرين، فلا تنفعهم شهادات الدنيا ثم يتابع الله تعالى مساءلة الأنبياء عليهم السلام هل بلغتم أممكم من نوح - صلى الله عليه وسلم - إلى خاتم الأنبياء سيد البشر محمد - صل الله عليه وسلم - ثم يسأل الله كل إنسان عن خاصة نفسه، عن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله : «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه) رواه الترمذي
وتابع مذكرا أن الحساب عسير، وأن الناقد بصير، وأن الله لا يخفى عليه شيء وهو عليم بذات الصدور، ولن تزول قدما عبد يوم القيامة ولن تنتقل من مكانها لجواز الصراط المضروب على متن جهنم إلى الجنة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه يوما بعد يوم وليلة بعد ليلة، فإن أجاب ربه بالصدق وأفنى عمره في طاعات مولاه فيا فوز الطائعين، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، فالمال الحلال يدخل به الصالح أعلى الجنات، والمال الحرام يشقى به صاحبه في حياته، ويشقى به ورثته لشؤمه بعد وفاته.
عظم مسؤولية المال وكثرة شره
وبين الشيخ علي الحذيفي عظم مسؤولية المال وكثرة شره وفساده لمن أنفقه على الشهوات، وحرم المستحقين منه، مضيفا : كما يسأل المرء عن علمه ماذا عمل به، فالعمل بالعلم هو تعليمه لمن يحتاج إليه والأمر فيه بالخير والنهي فيه عن الشر، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فأعظم إحسان هداية الإنسان للهدى ونهيه عن الردى, منوها أن من قصر في جواب ربه، فيما سلف من حياته، وأصلح وتاب، قبل الله توبته، وتغمده برحمته، وأدخله جنته، ومن كذب على الله في جوابه عن هذه الأربع كذبه الله تعالى وشهدت عليه أعضاؤه.
وأوصى العباد بوجوب تقوى الله جل وعلا حق التقوى والتمسك بالعروة الوثقى ليفوزوا بالخير والنجاة من الشرور والمهلكات، مضيفاً أن ما من خير يناله المسلم في هذه الدنيا والآخرة إلا أجراه الله على يديه، فحق رسوله - صلى الله عليه وسلم - بعد حق الله تعالى، مبينًا أن اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأداء حقه على العبد يكون بمحبته وتقديمها على كل شيء وطاعة أمره، واجتناب منهياته، وتصديق أخباره وأن لا يعبد الله تعالى إلا بشرعه، قال عليه الصلاة والسلام: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين» رواه البخاري ومسلم.
وختم الخطبة قائلا : قد حط الرحال مع السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار قوم لم يسمعوا حتى بالمولد ففازوا باتباع السنن والعمل بها ومجانبة البدع كلها.