هل تصح صلاة الفجر بدون دعاء القنوت؟، سؤال نجيب عنه وفق ما ورد في شأن دعاء القنوت؛ حيث يتساءل الكثيرون عن حكم دعاء القنوت وفضله وهل يسجد للسهو حال عدم الدعاء به؟.
هل تصح صلاة الفجر بدون دعاء القنوت؟
القُنُوتُ في صلاة الفجر سُنَّةٌ نبويّةٌ ماضيةٌ قال بها أكثر السلف الصالح مِن الصحابة والتابعين، والعلماء اختلفوا في مشروعية القنوت في صلاة الفجر في غير النوازل، أمَّا في النوازل فقد اتفق العلماء على مشروعية القنوت واستحبابه في صلاة الفجر، وإذا أخذ المسلم بقول مَن قَصَر القنوت على النوازل فقط فليس له أن يُبَدِّع غيره مِمَّن يقنت في الفجر على كلّ حال؛ لأنَّه "لا يُنكَر المختلف فيه"، ولأنه "لا يُنقَض الاجتهاد بالاجتهاد".
هل تصح صلاة الفجر بدون دعاء القنوت؟
أجاب الشيخ عبدالله العجمي، أمين الفتوى في دار الإفتاء، أن القنوت هو الدعاء وفي أصله ملازمة الذكر والعبادة، وانتقل إلى درجة الدعاء، فخصص من العام إلى الخاص وأطلق على الدعاء بعد الرفع من القنوت.
وأشار إلى أن القنوت يطلق على الدعاء بعد الرفع من الركوع، في النوازل أو في صلاة الفجر، أو في صلاة الوتر، أو في صلاة التراويح في الثاني من رمضان، فكل هذه مواطن لدعاء القنوت.
وأكد أن دعاء القنوت هو سنة، عند الشافعية، لكنه عندهم إذا ترك نسيانا يلزم فيه سجود السجو، فهو من السنن التي يلزم لها سجود السهود عند نسيانها، ولا حرج في عدم تقليد مذهب الشافعية في هذه المسألة، منوها أن دعاء القنوت لا تبطل الصلاة بتركه.
دعاء القنوت
"اللهم ربنا لك الحمد، أنت قيِّمُ السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد حق، والساعة حق.. اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ماقدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت ولا إله غيرك".
اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت.
ومن صيغ دعاء القنوت في صلاة الفجر ما يأتي: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعَلِّمُنا دُعاءً نَدعو به في القُنوتِ من صلاةِ الصُّبحِ اللهمَّ اهدِنا فيمَن هدَيتَ وعافِنا فيمَن عافَيتَ وتوَلَّنا فيمَن توَلَّيتَ وبارِكْ لنا فيما أعطَيتَ وقِنا شَرَّ ما قضَيتَ إنَّك تَقضي ولا يُقضى عليكَ إنَّه لا يَذِلُّ مَن والَيتَ تَبارَكتَ ربَّنا وتَعالَيتَ).[٩] (اللهمَّ إنَّا نستعينُكَ ونستغفرُكَ ونُثْنِي عليكَ الخيرَ كلَّهُ ونشكرُكَ ولا نَكْفُرُكَ ونخلَعُ ونترُكُ من يفجرُكَ اللهمَّ إيَّاكَ نعبُدُ ولكَ نُصلِّي ونسجُدُ وإليكَ نسعى ونَحْفِدُ نرجو رحمتَكَ ونخشَى عذابَكَ إنَّ عذابَكَ بالكفارِ مُلْحِقٌ).
حكم القنوت في الصلاة عند حدوث النوازل
إذا أَلَمَّتْ بالمسلمين نازلةٌ فلا خلاف في مشروعية القنوت في الفجر عند الجميع، وإنَّما الخلاف في القنوت للنازلة في غير الفجر مِن الصلوات المكتوبة؛ فمِن العلماء مَن رأى الاقتصار في القنوت على صلاة الفجر؛ كالمالكية، ومنهم مَن عَدَّى ذلك إلى بقية الصلوات الجهرية؛ وهم الحنفية، والصحيح عند الشَّافِعيَّة تعميم القنوت حينئذٍ في جميع الصلوات المكتوبة، ومثَّلوا النازلة بوباءٍ أو قحطٍ أو مطَرٍ يَضُرُّ بالعُمران أو الزرع أو خوف عدُوٍّ أو أَسْرِ عالِمٍ.
فالحاصلُ أنَّ العلماء إنَّما اختلفوا في مشروعية القنوت في صلاة الفجر في غير النوازل، أمَّا في النوازل فقد اتفق العلماء على مشروعية القنوت واستحبابه في صلاة الفجر واختلفوا في غيرها مِن الصلوات المكتوبة، ولا يخفى على الناظر ما تعيشه الأمة الإسلامية مِن النوازل والنكبات والأوبئة وتداعي الأمم عليها مِن كل جانبٍ وما يستوجبه ذلك مِن كثرة الدعاء والتضرع إلى الله تعالى.
ومِن العلماء مَن قال بتواصل النوازل وعدم محدوديتها؛ وهذا يقتضي مشروعية قنوت الفجر في هذا العصر، ولا يتأتَّى عدم القنوت حينئذٍ إلَّا على قول مَن قال بمحدودية النازلة ووَقَّتَها بما لا يزيد عن شهرٍ أو أربعين يومًا.
وإذا أخذ المسلم بقول مَن قَصَر القنوت على النوازل فقط فليس له أن يُبَدِّع غيره مِمَّن يقنت في الفجر على كلّ حال، ولذلك فعندما ارتضى ابن القيم الحنبلي القولَ بِقَصْرِ القنوت على النوازل فقط وَصَفَ القائلين بذلك في "زاد المعاد" (1/ 226، ط. مؤسسة الرسالة) بأنهم: [لا يُنكِرون على مَن داوم عليه، ولا يَكرَهون فعلَه، ولا يَرَوْنه بدعةً، ولا فاعله مخالفًا لِلسُّنَّة. كما لا يُنكِرون على مَن أنكره عند النوازل، ولا يرون تَركَه بدعة، ولا تاركَه مخالفًا لِلسُّنَّة. بل مَن قَنَتَ فقد أحسن، ومَن تَرَكَه فقد أحسن] اهـ.
فالأمر مبنِيٌّ على أنَّ مَنْ قنت في الفجر فقد قلَّد مذهب أحد الأئمة المجتهدين المتبوعين الذين أُمرنا باتِّباعهم في قوله سبحانه وتعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]، ومَن كان مُقلِّدًا لمذهب إمامٍ آخر يرى صوابه في هذه المسألة فلا يحقّ له الإنكار على مَن يقنت؛ لأنَّه "لا يُنكَر المختلف فيه"، ولأنه "لا يُنقَض الاجتهاد بالاجتهاد".