يُمثل ملف سد النهضة أهمية كبرى لمصر، التي طرقت كل الأبواب خلال السنوات الماضية؛ لإيجاد حلول دبلوماسية للملف الأشهر في العقد المنصرم، ولكن لا تزال إثيوبيا ثابتة عند موقفها المتعنت والرافض لأي حلول مع دولتي المصب "مصر والسودان"، حيث تعمل أديس أبابا على فرض واقع من جانب واحد ترى فيه القاهرة والخرطوم أنه يضر بمصالح شعوبهما.
ملف سد النهضة
قال الرئيس عبدالفتاح السيسي إنه ناقش مع نظيره الألماني، ملف مياه النيل وتحديدا سد النهضة وعملية التفاوض مع إثيوبيا ومحاولة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم على مدار 10 سنوات بشأن ملء وتشغيل السد.
أضاف الرئيس السيسي، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الألماني بقصر الاتحادية: "تحدثنا أيضا عن موضوع مهم جدا ونضعه في أولوياتنا وهو ملف مياه النيل وتحديدا سد النهضة والتفاوض مع إثيوبيا فيما يخص الوصول إلى اتفاق قانوني ملزم بشان ملء وتشغيل السد وعلى مدى أكثر من 10 سنوات نحاول التوصل إلى اتفاق طبقا للمعايير والقوانين الدولية للأنهار العابرة للحدود ومصر ليست لديها وسيلة أخرى للحصول على المياه غير نهر النيل الذى يتحرك منذ آلاف السنين بلا عوائق".
من جانبه، قال الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي والأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية، إن التصريحات الأخيرة من إثيوبيا بشأن اكتمال بناء سد النهضة تعد محاولة لفرض واقع جديد، وهو نمط يتكرر من الجانب الإثيوبي، موضحا أن إثيوبيا تتجاهل أن التنمية الحقيقية تأتي من خلال التعاون بين الدول وليس عبر إجراءات أحادية الجانب.
وأكد مهران لـ صدى البلد، أن نزاع سد النهضة يتجاوز كونه قضية إقليمية، مبيناً أنه يمثل نموذجاً لما يمكن تسميته بـ "حروب المياه" الجديدة. وأن هذه النزاعات تستدعي تطويراً جذرياً في الفكر القانوني الدولي للتعامل معها بشكل فعال، مؤكداً أن الوضع الحالي يشكل انتهاكاً واضحاً لمبادئ القانون الدولي للمياه.
وشدد الخبير الدولي على أن أزمة سد النهضة تؤثر بشكل كبير على الأمن الإقليمي، حيث أن تهديد الأمن المائي لملايين المصريين والسودانيين يمكن أن يُصنف كجريمة ضد الإنسانية. وأشار إلى أن هذا النهج قد يؤدي إلى حدوث كارثة إنسانية وبيئية غير مسبوقة في المنطقة.
واقترح استراتيجية متعددة المسارات تشمل تفعيل دور مجلس الأمن، بما في ذلك المطالبة بجلسة طارئة وإصدار قرارات ملزمة بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية ضد إثيوبيا، مشددا على أهمية تكثيف الجهود الدبلوماسية للحصول على تأييد دولي واسع، خاصة في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وتابع أن هذه الاستراتيجية تشمل أيضاً الضغط على الجمعية العامة للأمم المتحدة لطلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية بشأن شرعية التصرفات الأحادية لإثيوبيا، موضحا أنه ينبغي تفعيل حق مصر في الدفاع الشرعي عن أمنها المائي وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، حيث أن إعلان إثيوبيا عن قرب اكتمال بناء السد وبدء التشغيل الكامل لا يعني نهاية الأزمة، ما لم يتم التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم، لأن استمرار التشغيل والملء بشكل أحادي سيظل يشكل تهديداً مستمراً لدولتي المصب.
وقبل أيام، وجه الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة خطاباً إلى رئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إثر التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإثيوبي حول المرحلة الخامسة من ملء سد النهضة.
وأكّد وزير الخارجية، رفض مصر القاطع للسياسات الأحادية الإثيوبية المخالفة لقواعد ومبادئ القانون الدولي، والتي تُشكل خرقاً صريحاً لاتفاق إعلان المبادئ الموقع بين مصر والسودان وإثيوبيا في عام 2015 والبيان الرئاسي لمجلس الأمن الصادر في 15 سبتمبر 2021، منوهاً بأن تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي "آبي أحمد" حول حجز كمية من مياه النيل الأزرق هذا العام واستكمال بناء الهيكل الخرساني للسد الإثيوبي، تُعد غير مقبولة جملة وتفصيلاً للدولة المصرية.
وقال إن هذه الممارسات تعد استمراراً للنهج الإثيوبي المثير للقلاقل مع جيرانها والمهدد لاستقرار الإقليم الذي تطمح أغلب دوله لتعزيز التعاون والتكامل فيما بينها، بدلاً من زرع بذور الفتن والاختلافات بين شعوب تربطها وشائج الأخوة والمصير المشترك.
قال الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، إنه يستمر تدفق مياه النيل الأزرق بعد فتح بوابات المفيض العلوية لسد النهضة للمرة الثانية يوم 5 سبتمبر 2024، والمرة الأولى كانت في 24 أغسطس الماضي لمدة أربعة أيام فقط، وأغلقت من 28 أغسطس إلى 4 سبتمبر الجاري.
وأشار خبير المياه إلى أن متوسط التدفق حوالى 250 مليون م3/يوم، ومتوسط الإيراد المائي عند سد النهضة حاليا حوالى 400 مليون م3/يوم بفارق 150 مليون م3، في حالة تشغيل بعض التوربينات الأربعة يتم تصريف 50 - 100 مليون م3/يوم، ويتبقى جزء قليل 50 - 100 مليون م3 يضاف إلى المخزون 60 مليار م3، عند مستوى 638 م فوق سطح البحر كل متر ارتفاع يعادل 2 مليار م3.
وأضاف شراقي لصدى البلد أن منسوب البحيرة يزيد عدة سنتيمترات يوميا (25 سم خلال الأيام الخمسة الأخيرة)، وبالتالي فإن المنسوب النهائي اليوم 10 سبتمبر حوالي 638.25 م بإجمالي 60.5 مليار م3، وسوف تصل مياه النيل الأزرق بعد الفتح الأخير إلى السد العالي نهاية الأسبوع القادم.
وكانت إثيوبيا قد قررت غلق بوابات سد النهضة، ما يعني وقف تدفق المياه لمصر والسودان واستمرار التخزين الخامس الذي يجري حاليا بدون تنسيق مع مصر والسودان.
وكشفت صورة فضائية حديثة استمرار التخزين الخامس بعد غلق بوابات المفيض العلوية.
مراحل مفاوضات سد النهضة
والجدير بالذكر، أن مصر سعت إلى التوصل لاتفاق قانوني ملزم بشأن سد النهضة، حيث قدمت مقترحات فنية كثيرة تراعي المتطلبات الإثيوبية، وواجهت مصر تعنتاً من الجانب الإثيوبي في ملف سد النهضة، مؤكدا أن إثيوبيا سعت إلى مشاورات طويلة دون التوصل إلى نتيجة.
وإثيوبيا تهربت من الوصول لاتفاق بشأن السد، وتعاملت مع الملف بأسلوب المراوغة، كما أن إثيوبيا ليست لديها رغبة في التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم"، بعدما طرحت حلولا غير منطقية لا ترضى الأطراف بشأن ملء السد.
وخرجت إثيوبيا عن مسار التفاوض في ملء وتشغيل السد، موضحا أن تم الانتهاء المسار التفاوضي مع إثيوبيا، والملء الأحادي للسد يحدث ارتباكا في المنظومة المائية بدولتي المصب، والضرر منه يكون في حدوث جفاف ممتد لـ 10 سنوات، وطلبت مصر البيانات الإنشائية للسد لكن إثيوبيا تراوغ، إضافة إلى أن إثيوبيا ترفض مشاركة أي بيانات بشأن السد مع دولتي المصب.
وأعلنت مصر انتهاء الجولة الرابعة والأخيرة من مفاوضات سد النهضة بينها والسودان وإثيوبيا، قائلة إنها تحتفظ بحقها "في الدفاع عن أمنها المائي والقومي في حالة تعرضه للضرر"، بعد فشل الدول الثلاث في التوصل إلى اتفاق.
وخاضت مصر والسودان وإثيوبيا مفاوضات ماراثونية على مدار أكثر من عقد من الزمن دون الوصول إلى اتفاق تطلبه دولتا المصب من أديس أبابا، وذلك بشأن قواعد تشغيل وملء أكبر سد في قارة إفريقيا.