لاشك أن ما يطرح السؤال عن هل يجوز تخصيص يوم لزيارة القبور أو وقت بعينه؟ هو أنها صارت عادة البعض، الذين حرصوا على تخصيص أيام بل وأوقات، فيما قد تركنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء ، ليلها كنهارها ، وأرشدنا إلى كل ما فيه خير وفلاح في الدنيا والآخرة ، فبين حقيقة هل يجوز تخصيص يوم لزيارة القبور ؟.
هل يجوز تخصيص يوم لزيارة القبور
قال الشيخ هشام ربيع، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن زيارة القبور مشروعة في أي وقت من اليوم، سواء بالنهار أو بالليل، وفقاً لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأوضح “ ربيع” في إجابته عن سؤال: هل يجوز تخصيص يوم لزيارة القبور ؟ أو ما حكم تخصيص زيارة القبور بيوم أو وقت؟، أن سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد نهى في البداية عن زيارة القبور.
وتابع: لكنه عاد وأذن بها لتذكير الناس بالآخرة، وهذا يعني أن الزيارة مباحة في كل الأوقات، طالما لم يتم التعدي على حقوق الآخرين أو ارتكاب أي مخالفات شرعية أثناء الزيارة.
واستشهد بالحديث النبوي الشريف، حين قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها"، منوهًا بأن زيارة القبور تكون، بقراءة القرآن أو وضع فرع نخلة على القبر.
وأشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لإظهار الرحمة وتخفيف العذاب عن أصحاب القبور، كما حدث عندما مر على قبرين وكان أحدهما يعذب بسبب عدم الاستتار من البول والآخر بالنميمة.
حكم تخصيص يوم لزيارة القبور
ورد في ذلك حديث صحيح رواه الإمام مسلم وغيره، ولفظه عند مسلم: عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم كلما كان ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون، غدا مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد، ولكنه ليس في هذا الحديث ما يدل على تخصيص الزيارة بليلة معينة؛ فإن نوبة عائشة لم تكن في يوم معين؛ بل إنما تكون إذا حان عليها القسم فهي - في الغالب - ليلة من كل تسع ليال -فقصارى ما يدل عليه الحديث أن زيارة المقابر كانت عادة مستمرة له صلى الله عليه وسلم في نوبة عائشة.
وقال المباركفوري: أي كان من عادته أنه إذا بات عندها أن يخرج. وقال أيضا: فهذا ظاهر في أن ذهابه إلى البقيع في نوبة عائشة كان عادة له مستمرة. وقد ذكر بعض أهل العلم أن هذا كان بعد حجة الوداع. يقول المباركفوري أيضا: أي في آخر عمره بعد حجة الوداع، قاله السندي.وإذا تبين أنه ليس في هذا الحديث ما يدل للتخصيص، فلم يثبت أيضا في تخصيص زيارة القبور بيوم معين أثر يعتمد عليه كما قال أهل العلم، وتخصيصها بيوم معين لقصد اليوم نفسه واعتقاد فضل فيه، بدعة .
وقال خليل ممزرجا بمنح الجليل: (وَ) جَازَ (زِيَارَةُ الْقُبُورِ) بَلْ هِيَ مَنْدُوبَةٌ (بِلَا حَدٍّ) بِيَوْمٍ أَوْ وَقْتٍ، أَوْ فِي مِقْدَارِ مَا يَمْكُثُ عِنْدَهَا، أَوْ فِيمَا يُدْعَى بِهِ أَوْ الْجَمِيعُ، وَيَنْبَغِي مَزِيدُ الِاعْتِبَارِ حَالَ الزِّيَادَةِ وَالِاشْتِغَالُ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ، ومن ثم لا يجوز تخصيص يوم معين من السنة لا الجمعة ولا أول يوم من رجب، ولا آخر يوم، في زيارة المقابر؛ لعدم الدليل على ذلك، وإنما المشروع أن تزار متى تيسر ذلك، من غير تخصيص يوم معين للزيارة.
وقد ورد عن العلماء، أنهم قالوا: لا أعلم في ذلك سنة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يخص يوم الجمعة بزيارة المقبرة، وكذلك لا يخص يوم العيد بزيارة المقبرة. وعلى هذا فلا ينبغي أن نخصص يوما من الأيام لزيارة القبور، فزيارة القبور مستحبة كل وقت ليلا أو نهارا في أي شهر وفي أي يوم، وتخصيص يوم معين للزيارة لا أصل له في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
هل يشعر الموتى بمن يزورهم
جاءأن الشخص المتوفى يعلم بمن يزوره عند قبره، ويأنس لهذه الزيارة، ويرد السلام على من يسلم عليه، وقدوردت أحاديث تفيد سماع الميت لبعض ما يقوله الأحياء، مًستشهدًا بما ورد عن ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «اطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ القَلِيبِ، فَقَالَ: وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَقِيلَ لَهُ: تَدْعُو أَمْوَاتًا؟ فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ، وَلَكِنْ لاَ يُجِيبُون»َ.
و ورد فيمايتعلق بحال حياة الأحياء من: معيشة وزواج ونجاح وغير ذلك من متُع الدنيا؛ فليس هناك حديث صحيح يؤيد ذلك، ولأن الميت مشغول بحياته البرزخية عن حياة الدنيا؛ فلا يهمه إلا ما يتعلق بثواب يصل إليه دون غرور الدنيا وزخرفها.
هل يشعر أهل القبور بمن يسلم عليهم
فقد ذهب الفقهاء إلىأن الميت يشعر بمن يسلم عليه، لما روي عن بريدة رضي الله عنه قال: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ، فَكَانَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ لَلَاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ" أخرجه مسلم في "صحيحه".
و روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا مِنْ رَجُلٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ رَجُلٍ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا، فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ، إِلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ» أخرجه تمام في "فوائده"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد".
ففيه كذلكأنه صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه أمر بقتلى بدر، فأُلقوا في قَلِيب، ثم جاء حتى وقف عليهم وناداهم بأسمائهم: «يَا فُلانُ بْنَ فُلانٍ، وَيَا فُلانُ بْنَ فُلانٍ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَإنَّي وَجَدت ما وعدني ربي حقًّا»، فقال له عمر رضى الله عنه: يا رسول الله، ما تخاطب من أقوام قد جيفوا؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «والَّذِي بَعَثَنِي بِالحَقِّ مَا أَنتُمْ بِأَسْمَع لِمَا أَقُولُ مِنهُم، وَلَكِنَّهُم لَا يَستَطِيعُونَ جَوابًا» أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحيهما" بألفاظ مختلفة.