لعل ما يطرح السؤال عن هل العقيقة فرض واجب أم سنة ؟ ، هو كثرة المواليد كل يوم مع ضيق العيش الذي يتعذر معه عمل عقيقة احتفاءً واحتفالاً بقدوم مولود جديد، ومن ثم ينبغي الوقوف على حقيقة هل العقيقة فرض واجب أم سنة ؟.
هل العقيقة فرض
قال الشيخ محمد كمال، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن العقيقة تُعتبر سنة مؤكدة وليست فرضًا، مستندًا إلى ما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي فعل العقيقة وحث عليها.
وأوضح " كمال " في إجابته عن سؤال : هل العقيقة فرض واجب أم سنة ؟، أن معنى "سنة" في هذا السياق هو أنها مستحبة يثاب فاعلها ولا يُعاقب تاركها وذلك على عكس الفريضة .
وتابع: أي أن من يقوم بها يحصل على ثواب عظيم عند الله سبحانه وتعالى، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام الترمذي عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه، والذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحيا سنتي فقد أحبني، ومن أحبني فله الجنة".
وأشار إلى أن العقيقة تكون في حق القادر عليها فقط، وليست ملزمة كالصلاة، لذلك، فإن من لا يستطيع القيام بها لا يكون عليه إثم، حيث إنها سنة تقرب إلى الله وتُظهر الفرح والسرور بنعمة المولود، سواء كان ذكرًا أو أنثى.
ما هي العقيقة
بيّنت المذاهب الفقهيّة الأربعة المقصود بالعقيقة في الشرع، وبيان مُرادهم فيما يأتي:
الحنفيّة: العقيقة عندهم هي: ما ينحر عن المولود في الأسبوع الأول له، وعرّفها ابن عابدين بأنّها: شاةٌ صالحةٌ للتضحية عن المولود؛ سواءً عن الذكر، أو الأنثى، وبناءً على ما سبق، لم يشترط الحنفيّة حصر العقيقة في الشاة، إذ يُضاف إليها البقر، والإبل.
المالكيّة: العقيقة عندهم هي: الشاة التي تُؤدّى عن المولود في اليوم السابع من ولادته، وعرّفها ابن عرفة بأنّها: ما يُؤدّى عمّن وُلد حيّاً، في اليوم السابع من ولادته ممّا سَلِم من الضأن، أو سائر الأنعام، واشترط بعض من المالكيّة ألّا تكون العقيقة من الطير، أو الوحوش.
الشافعيّة: العقيقة عندهم هي: الشاة التي تُؤدّى عن المولود عند حلق شعر رأسه، وعرّفها البغوي والحافظ العراقي بأنّها: اسمٌ لكلّ ما ينحر عن المولود، ووِفْقَ تعريفهم، فلا يُشترط في العقيقة الاقتصار على الشاة، بل تؤدّى بالإبل، أو البقر.
الحنابلة: العقيقة عندهم هي: الشاة التي تنحر عن المولود في سابع يومٍ من ولادته، وقِيل بأنّها: الطعام الذي يُدعى إليه من أجل المولود.
حكم العقيقة
ذهب جمهور أهل العلم من الشافعيّة، والمالكيّة، والحنابلة إلى أنّ العقيقة عن المولود سُنّةٌ فعلها وحثّ عليها النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، ولا تصل إلى حدّ الوجوب، وقيّد الشافعية سُنّيتها بمَن تلزمه نفقة المولود، وقد استدلّ الجمهور على قولهم بما ثبت في السنّة النبويّة، من قول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (كلُّ غلامٍ رَهينةٌ بعقيقتِهِ تُذبحُ عنهُ يومَ سابعِهِ ويُحلقُ ويسمَّى)، وبقوله -عليه السلام-: (مع الغُلَامِ عَقِيقَةٌ، فأهْرِيقُوا عنْه دَمًا، وَأَمِيطُوا عنْه الأذَى)، واستدلالاً بما ورد من فعل النبي -صلّى الله عليه وسلّم-؛ إذ عقَّ عن الحسن والحسين، روى ذلك عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: (أنه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عقَّ عن الحسنِ والحُسينِ كبشًا كبشًا)، وخالف مذهبُ الحنفيّة جمهورَ العلماء؛ فقالوا: العقيقة من الأمور المُباحة في الشريعة الإسلاميّة، ولا تعدُّ من المستحبّات؛ استدلالاً بما ورد عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- من أنّ تشريع الأضحية نَسَخ كلّ ما شُرِع من الذبح قبلها.
شروط العقيقة
لا تختلف شروط العقيقة عن شروط الهدي والأضاحي، وبناءً على ذلك يُشترَط في العقيقة ما يأتي:
- السلامة من العيوب؛ فيُسَنّ للمسلم في العقيقة أن يتخيّر الأفضل، والأجود منها.
- سُنّية أن تكون العقيقة من الغنم، مع جوازها من الإبل، أو البقر.
- بلوغ العقيقة السنَّ المُعتبَرة شرعاً؛ فإن كانت العقيقة من الإبل، فلا بُدّ أن تبلغ الخمس سنواتٍ، وإن كانت من البقر، فلا بدّ أن تبلغ السنتَين، وإن كانت من الماعز، فسَنةً، أو من الضأن، فستّة أشهرٍ.
- جواز الأكل من العقيقة، أو توزيعها بأيّ حالٍ كانت؛ سواءً طُبِخت، أم لا، ويجوز أيضاً صُنع الطعام منها، والدعوة إليه.
كيفية تقسيم لحم العقيقة
اتّفق العلماء على أنّ الوجوه التي تُصرَف فيها العقيقة لا تختلف عن وجوه صرف الأضحية؛ لتحقُّق الشبه بينهما من ناحية الحكم، والشروط، والصفة، وبيان مصارف كلٍّ من العقيقة والأضحية فيما يأتي، مع بيان أقوال العلماء في تحديد تلك المصارف:
القول الأول: قال المالكيّة، والظاهريّة باستحباب الجمع بين مصارف العقيقة الثلاثة؛ إذ يُندَب الأكل، والتصدُّق، والإطعام منها، دون وجود تقديرٍ مُعيّنٍ لكلّ مصرفٍ من هذه المصارف، وقد استدلّوا بقول الله -تعالى-: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)، وقوله: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)، ووجه الاستدلال ممّا سبق الجمع بين الأكل والصدقة في الهدي بشكلٍ مُطلقٍ دون تقييدٍ، ولأنّ العقيقة تُشابه الهدي، وتدخل في معناه، فتأخذ الحُكم ذاته.
القول الثاني: ذهب الحنابلة والحنفية، وقول عند الشّافعية إلى استحباب تقسيم العقيقة إلى ثلاثة أقسامٍ متساوية؛ فيُجعَل للنفس ثلثٌ، ويُتصدَّق بثلثٍ، ويُهدى ثلثٌ، واستدلّوا أيضاً بقوله -عزّ وجلّ-: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)، ووجه الاستدلال من الآية أنّها تضمّنت ثلاثة أصنافٍ للهدي، ولا تختلف العقيقة عنه؛ أي أنّه يُستحَبّ تقسيمهما ثلاثاً.
القول الثالث: ورد عن الشافعية قولٌ آخرٌ مفاده أنّ العقيقة تٌقسَم نصفَين؛ نصفٌ يُؤكَل منه، ونصفٌ يُطعَم منه؛ استدلالاً بقول الله -تعالى-: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)، فقالوا بأنّ الله جعل الهدي والأضحية للنفس وللفقراء، وتُقاس عليهما العقيقة.
الاشتراك في العقيقة
تناول أهل العلم بالبحث مسألة الاشتراك في العقيقة وأدائها عن أكثر من مولودٍ، كأنّ تُؤدّى عقيقةٌ واحدةٌ من البقر عن سبعة أولادٍ، وذهبوا في ذلك إلى قولَين، بيانهما فيما يأتي:
القول الأول: قال الشافعيّة بجواز الاشتراك في العقيقة، ونصّ الإمام النووي -رحمه الله- على أنّ اشتراك سبعة أولادٍ في نحر بقرةٍ أو ناقةٍ أمر جائز؛ سواءً كانت النيّة لدى الكلّ العقيقة، أو اختلفت عند بعضهم؛ قياساً على جواز الاشتراك في الأضحيّة والهدي، كما ثبت في صحيح الإمام مسلم عن جابر بن عبدالله أنّ الصحابة أدّوا الهدي في الحجّ عن سبعةٍ، إذ قال: (نَحَرْنَا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ البَدَنَةَ عن سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عن سَبْعَةٍ).
القول الثاني: قال الحنابلة، والمالكيّة بعدم جواز الاشتراك في العقيقة؛ فلا تُجزئ البقرة، أو الناقة إلّا عن مولودٍ واحدٍ؛ احتجاجاً بأنّ العقيقة عبادةٌ من العبادات، ولا يصحّ الاجتهاد فيها، ويُعمَل بها بما ورد النصّ فيه بأدائها عن واحدٍ، كما أنّ العقيقة فداءٌ، ولا تبعيض فيه.
حكمة مشروعية العقيقة
شُرِعت العقيقة عن المولود في الإسلام؛ لحِكمٍ عديدةٍ، يُذكَر منها:
- شُكر العبد لربّه على ما أنعم عليه من الذريّة؛ فالبنون من زينة الحياة الدنيا، حيث فطر الله العباد على حبّ تلك النعمة، قال الله -تعالى-: (المالُ وَالبَنونَ زينَةُ الحَياةِ الدُّنيا وَالباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوابًا وَخَيرٌ أَمَلًا)، كما ورد في الأثر عن الحسين بن علي -رضي الله عنهما- الدعاء للمولود، بقول: "بارك الله لك في الموهوب، وشكرت الواهب، وبلغ أشُدّه، ورُزِقتَ بِرّه"؛ ولذلك كانت العقيقة صورةً من شُكر الله على الولد، إضافةً إلى أنّها وسيلةً للتقرُّب منه -سبحانه-.
- سُنّةٌ حثّ عليها النبيّ -عليه الصلاة والسلام-؛ اقتداءً بإبراهيم حينما ذبح كبشاً؛ فداءً لابنه إسماعيل -عليهما السلام-، ولذلك كانت العقيقة نُسكَاً للمولد، وقال رسول الله في ذلك حين سُئِل عن العقيقة: (من أحبَّ منكم أن ينسِكَ عن ولدِه فلْيفعلْ).
- زيادة الألفة والمحبّة بين المسلمين؛ وذلك بتوزيع العقيقة على الفقراء، والمحتاجين، وسَدّ حاجتهم.
- الإشهار، والإعلان بما منحه الله لعباده من الذرّية.