السؤال عن كيف تموت الملائكة وماذا تطلب من الله في لحظاتها الأخيرة؟ يعد أحد أسرار نهاية الدنيا و قيام الساعة ، التي تعد أكثر الخفايا المرعبة ، حيث تنقطع فرصة الإنسان في التوبة والرجوع إلى الله تعالى ويحين وقت الحساب، إلا أن معرفة كيف تموت الملائكة وماذا تطلب من الله في لحظاتها الأخيرة؟ يعد من المسائل المحيرة والمثيرة للفضول عن تلك الملائكة التي لم تقترف مثلنا ذنوبًا، كما أن منها ما كُلف بقبض أرواحنا.
موت الملائكة
ورد عن مَوتُ المَلائِكةِ، من عقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ أنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ قد كتب على جميعِ الأحياءِ الموتَ، وتفَرَّد وَحْدَه بالبقاءِ، وعلى هذا فهُم يؤمِنون بأنَّ المَلائِكةَ عليهم السَّلامُ يجوز عليهم الموتُ، واللهُ قادِرٌ على ذلك. قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن: 26، 27].
وقال ابنُ كثير: (يخبِرُ تعالى أنَّ جميعَ أهلِ الأرضِ سيَذهَبون ويموتون أجمَعون، وكذلك أهلُ السَّمَواتِ، إلَّا من شاء اللهُ، ولا يبقى أحَدٌ سِوى وَجْهِه الكريمِ؛ فإنَّ الرَّبَّ تعالى وتقَدَّسَ لا يموتُ، بل هو الحيُّ الذي لا يموتُ أبدًا) ، وقال الحليمي: (الإيمانُ بالمَلائِكةِ ينتَظِمُ معانيَ -وذكر منها-: إنزالَهم منازِلَهم، وإثباتَ أنَّهم عِبادُ اللهِ وخَلْقُه، كالإنسِ والجِنِّ، مأمورون مُكَلَّفون، لا يَقدِرون إلَّا على ما يُقدِرُهم اللهُ تعالى عليه، والموتُ جائِزٌ عليهم) .
وقال عبدُ القاهِرِ البغداديُّ: (أجمعوا أيضًا على جوازِ الفَناءِ على العالمِ كُلِّه من طريقِ القُدرةِ والإمكانِ، وإنما قالوا بتأبيدِ الجنَّةِ ونعيمِها، وتأبيدِ جَهنَّمَ وعَذابِها من طريقِ الشَّرعِ) . وقد سُئل ابنُ تَيمِيَّةَ: هل جميعُ الخَلقِ حتى المَلائِكةُ يموتون؟ فأجاب: (الذي عليه أكثَرُ النَّاسِ أنَّ جميعَ الخَلقِ يموتون حتى المَلائِكةَ، والمُسلِمون واليهودُ والنَّصارى مُتَّفِقون على إمكانِ ذلك، وقُدرةِ اللهِ عليه) . وقال أيضًا: (اللهُ سُبحانَه قادِرٌ على أن يميتَهم ثمَّ يحيِيَهم، كما هو قادِرٌ على إماتةِ البَشَرِ والجِنِّ، ثمَّ إحيائِهم. وقد قال سُبحانَه: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) . وقال السيوطيُّ: (سُئِلْتُ: هل تموتُ المَلائِكةُ بنَفْخةِ الصَّعقِ ويَحْيَون بنَفخةِ البَعثِ؟ والجوابُ: نعم).
كيف تموت الملائكة
ورد أن الملائكة يموتون كما يموت غيرهم من الأحياء، ويدل لذلك كما قال القرطبي وابن حجر قول الله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ {القصص: 88}. وقال المناوي في "فيض القدير": وأما الملائكة فيموتون بالنص والإجماع، ويتولى قبض أرواحهم ملك الموت، ويموت ملك الموت بلا ملك الموت.
ونقل في كتاب ابن الجوزي رحمة الله ( بستان الواعظين ورياض السامعين)
مقدمة : بعدما أن ينفخ اسرافيل عليه السلام في الصور النفخة الأولى، تستوي الأرض من شدة الزلزلة فيموت أهل الأرض جميعا، وتموت ملائكة السبع سموات والحجب والسرادقات والصافون والمسبحون، وحملة العرش وأهل سرادقات المجد والكروبيون ويبقى جبريل وميكائيل واسرافيل وملك الموت عليهم السلام.
موت جبريل
ورد أنه يقول الجبار جل جلاله : يا ملك الموت من بقي؟ _ وهو أعلم_، فيقول ملك الموت : سيدي ومولاي أنت أعلم، بقي إسرافيل وبقي ميكائيل وبقي جبريل وبقي عبدك الضعيف ملك الموت خاضع ذليل قد ذهلت نفسه لعظيم ما عاين من الأهوال، فيقول له الجبار تبارك وتعالى : انطلق إلى جبريل فأقبض روحه فينطلق إلى جبريل فيجده ساجدا راكعا فيقول له : ما أغفلك عما يراد بك يا مسكين قد مات بنو ادم وأهل الدنيا والأرض والطير والسباع والهوام وسكان السموات ، وحملة العرش والكرسي والسرادقات وسكان سدرة المنتهى وقد أمرني المولى بقبض روحك!، فعند ذلك يبكي جبريل عليه السلام، ويقول متضرعاً إلى الله عز وجل : يا الله هون علي سكرات الموت، فيضمه ضمه فيخر جبريل منها صريعا.
وورد أنه يقول الجبار جل جلاله : من بقي يا ملك الموت_ وهو أعلم_ فيقول: مولاي وسيدي بقي ميكائيل وإسرافيل وعبدك الضعيف ملك الموت .
موت ميكائيل
وورد أن ميكائيل -عليه السلام- هو الملك المكلف بالماء والقطر ، فيقول الله عز وجل انطلق الى ميكائيل فأقبض روحه، فينطلق الى ميكائيل فيجده ينتظر المطر ليكيله على السحاب، فيقول له : ما أغفلك يا مسكين عما يراد بك، ما بقي لبني ادم رزق ولا للأنعام ولا للوحوش ولا للهوام ، قد أهلك أهل السموات والارضين وأهل الحجب والسرادقات وحملة العرش والكرسي وسرادقات المجد والكروبيون والصافون والمسبحون، وقد أمرني ربي بقبض روحك، فعند ذلك يبكي ميكائيل ويتضرع إلى الله ويسأله أن يهون عليه سكرات الموت ، فيحضنه ملك الموت ، ويضمه ضمة يقبض روحه فيخر صريعا ميتا لا روح فيه .
وجاء أنه يقول الجبار جل جلاله : من بقي_ وهو أعلم _ يا ملك الموت؟ ، فيقول مولاي وسيدي أنت أعلم، بقي إسرافيل وعبدك الضعيف ملك الموت .
موت إسرافيل
وورد أن إسرافيل -عليه السلام- هو الملك الموكل بنفخ الصور، فيقول الجبار تبارك وتعالى : انطلق إلى إسرافيل فاقبض روحه . فينطلق كما أمره الجبار إلى إسرافيل (واسرافيل ملك عظيم ) ، فيقول له ما أغفلك يا مسكين عما يراد بك!، قد ماتت الخلائق كلها وما بقي أحد وقد أمرني الله بقبض روحك ، فيقول إسرافيل: سبحان من قهر العباد بالموت، سبحان من تفرد بالبقاء ، ثم يقول مولاي هون علي مرارة الموت . فيضمه ملك الموت ضمه يقبض فيها روحه فيخر صريعا، فلو كان أهل السموات والأرض في السموات والأرض لماتوا كلهم من شدة وقعته .
موت ملك الموت
وورد أن ملك الموت -عليه السلام- هو الموكل بقبض الأرواح ، فيسأل الله ملك الموت من بقي يا ملك الموت؟ _ وهو أعلم _ فيقول مولاي وسيدي أنت اعلم بمن بقي . بقي عبدك الضعيف ملك الموت، فيقول الجبار عز وجل : وعزتي وجلالي لأذيقنك ما أذقت عبادي انطلق بين الجنة والنار ومت فينطلق بين الجنة والنار ، فيصيح صيحة لولا أن الله تبارك وتعالى أمات الخلائق لماتوا عن أخرهم من شدة صيحته فيموت . ثم يطلع الله تبارك وتعالى إلى الدنيا فيقول : يا دنيا أين أنهارك أين أشجارك وأين عمارك؟، أين الملوك وأبنا ء الملوك وأين الجبابرة وأبناء الجبابرة؟ أين الذين أكلوا رزقي وتقلبوا في نعمتي وعبدوا غيري، لمن الملك اليوم؟، فلا يجيبه أحد فيرد الله عز وجل فيقول : الملك لله الواحد القهار.