متى يجوز التصرف في الأموال التي عثر عليها؟، سؤال أجاب عنه الدكتور محمود شلبي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، لافتًا أن الفقه الإسلامي يعير اهتماماً كبيراً لحماية أموال الناس واحترامها، حيث يعتبر الحفاظ على المال من مقاصد الشريعة الإسلامية الأساسية، وأن الشرع الشريف وضع كيفية للتعامل مع اللقطة، وهي المال الذي يُعثر عليه في الأماكن العامة ولا يُعرف صاحبه.
أحكام اللقطة
وأوضح أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، اليوم الأربعاء: "اللقطة تُعرف بأنها المال الذي يُعثر عليه في مكان عام ليس ملكاً لأحد، والفقه الإسلامي يميز بين أنواع اللقطة حسب قيمتها، اللقطة البسيطة تشمل الأموال ذات القيمة الضئيلة، بينما تشمل اللقطة ذات القيمة الكبيرة الذهب والمجوهرات وأشياء ذات قيمة عالية".
وأوضح أنه عند العثور على اللقطة ذات القيمة الكبيرة، يجب الإعلان عنها في أماكن تجمع الناس مثل الأسواق والمساجد، ويجب تسليمها إلى السلطات المختصة مثل أقسام الشرطة، مؤكدا أن الإعلان كان في السابق يستمر لمدة سنة، ولكن مع التطور أصبحت الإجراءات تشمل تسليم المال للشرطة أو الجهات المختصة التي تقوم بالإعلان عنه في وسائل الإعلام.
فيما يتعلق باللقطة ذات القيمة البسيطة، أوضح أنه إذا لم يكن بالإمكان الإعلان عنها، يمكن للشخص أن يتصرف فيها وفقاً للعرف المحلي، مثل التصدق بها، مشددا على أهمية الأمانة والعدل في التعامل مع المال المفقود، خاصة فى الإجراءات المتبعة التي تهدف إلى احترام حقوق الآخرين وتقدير قيمة المال بما يتماشى مع تطورات الزمان والمكان.
معنى اللقطة
اللُّقَطَة: هي الشيء الضائع الذي فقده صاحبه، ووجده آخر فالتقطه.
ويمكن أن نُعَرِّفها شرعًا بعبارة أدق فنقول: "هي ما وُجِد مِن حَقٍّ مُحترم غيرِ مُحْتَرَزٍ لا يَعرفُ الواجِدُ مُستَحِقَّه". انظر: "حاشية البجيرمي على الإقناع" (3/ 273، ط. دار الفكر).
ومن أحكام اللقطة الشرعية المقررة أن ضياعها من صاحبها لا يخرجها عن ملكه، بل هي لا تزال في ملكه، والمجتمع مكلَّف ما استطاع بإيصالها إليه، والشرع الإسلامي إنما أَذِنَ في التقاطها لتيسير ذلك، ولذلك وضع من الضوابط في تناول اللقطة ما يكفل- بقدر المستطاع- عدم التقصير والخيانة في البحث عن صاحبها.
وقد تكلم الفقهاء عن أنَّ الإذن بالالتقاط مرهون بأمانة الملتقِط، وأنّ من علم من نفسه الخيانة فليس له أن يلتقطها، وإلا فهو كالغاصب لها.
وذكروا أن مَن نوى التقاطَها لنفسه فإنه يضمنها؛ لأنه أخذها بدون إذن صاحبها وبدون إذن الشرع.
كما تكلموا عن صور تعريفها وأنَّ ملتقطها إذا كان فاسقًا، فإن الحاكم يضم إليه آخر أمينًا في تعريفها وحفظها، إلى غير ذلك مما يبين أن مراد الشرع وغرضه في الالتقاط هو العمل على حفظ الأمانة ووصول اللقطة إلى صاحبها.
وكذلك ذكروا أنه إذا جعل صاحب الحق الضائع جُعلًا معينًا لمن يأتيه به جاز له ذلك، وجاز قبوله لمن يحقق مأربه، ولا عبرة بالعمل الواقع قبل إعلان الجُعل، فهو محض تبرع.
قال الشيخ عليش المالكي في "منح الجليل" (8/ 71، ط. دار الفكر): [إنما يجوز الجُعل على طلب آبق يجهل مكانه، وأما من وجده آبقًا أو ضالًّا أو ثيابًا؛ فلا يجوز له أخذ الجُعل على رده، ولا على أن يدل على مكانه؛ إذ ذلك واجب عليه، فأما مَن وَجَده بعد جَعل رَبِّه فيه جُعلًا فله الجُعل، علم بما جعل فيه أو لم يعلم ما تكلف طلب هذه الأشياء أو لم يتكلفه] اهـ.
وقال العلامة الشَّمس الرمليّ الشافعي في "نهاية المحتاج" (5/ 471، ط. دار الفكر): [ولو قال: (مَن دَلَّني على مالي فله كذا)، فدَلَّه غير من هو بيده استحق؛ لأن الغالب أنه تلحقه مشقة بالبحث عنه، كذا قالاه -يعني: الرافعي والنووي-. قال الأَذرَعي: ويجب أن يكون هذا فيما إذا بحث عنه بعد جعل المالك، أما البحث السابق والمشقة السابقة قبل الجُعل فلا عبرة بهما] اهـ.