وجدت مبلغ من المال ماذا أفعل؟ هذا يسمى في الفقه اللقطة والواجب على من وجد شيئًا ضائعًا مما له قيمةٌ ماليةٌ أن يبادر بتسليمه إلى الشرطة، ولو علم صاحبه فله أن يطلب منه أن يتبرع له بشيءٍ دون أن يشترط ذلك عليه، ولو بذل صاحب الشيء الضائع مكافأةً للملتقط ابتداءً دون طلبٍ منه فهو جائزٌ أيضًا، وتقدير المكافأة في الحالين موكولٌ لصاحب الشيء.
اللقطة التي يجدها عامل الفندق
من المعلوم شرعًا أنَّ حفظ المال وعدم إضاعته أو إتلافه من مقاصد الشريعة الاسلامية؛ إلا أنه قد يفقده صاحبه أو يضيع منه ويجده شخص آخر، وهو ما يُسمى بـ «اللقطة»، ومن المقرر شرعًا أنَّ ضياعَ المال من صاحبه لا يخرجه عن ملك صاحبه، والشرع إنما أَذِنَ في التقاطه أي: -أخذ المال المفقود-؛ لتيسير وصوله إلى صاحبه، وتختلف طُرق إيصال المال إلى صاحبه بحسب اختلاف النظم والأعراف في ذلك، وهو في هذا العصر إنما يكون بتسليم الُلقطة إلى أقسام الشرطة عند صعوبة الوصول إلى أصحابها؛ كما أن عامل الفندق الذي وجدها عليه أن يُسلم ما يجده في الغُرف سواءً كان شيء له قيمة أو شيء حقيرًا إلى إدارة الفندق لتتخذ من الإجراءات ما يجب عليها لرده إلى صاحبه.
لو لقيت فلوس فى الشارع تعمل إيه؟
أجاب الدكتور محمود شلبي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، عن سؤال حول التصرف الأمثل عند العثور على مبلغ مالي في وسائل المواصلات العامة؟، مؤكدًا أن التصرف الصحيح في مثل هذه الحالات يتطلب اتباع عدد من الخطوات الشرعية والأخلاقية.
وأوضح أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن الخطوة الأولى هي محاولة تحديد صاحب المال إذا أمكن: "إذا كان هناك احتمال أن يكون المال من ممتلكات السائق أو أي شخص آخر في السيارة، فيجب أولاً الاستفسار من السائق أو من الأشخاص الموجودين في الوسيلة عن هذا المال، إذا كان المال يعود لأحدهم، فيجب إعادة المبلغ إليه".
وأضاف: "إذا كان المبلغ كبيراً، فمن الأفضل تسليمه للشرطة أو أقرب مكتب تابع للجهات المسؤولة في المكان الذي تواجدت فيه. أما إذا كان المبلغ زهيداً، فالتصرف في المبلغ قد يعتمد على العرف المحلي، في حالة عدم وجود وسيلة لتسليم المال أو الإعلان عنه، يمكن التفكير في التصرف فيه بطريقة أخلاقية، مثل التصدق به".
وأشار إلى أن الأمانة في التعامل مع المال المفقود أمر أساسي، موضحا: "إذا لم يكن بالإمكان معرفة صاحب المال أو تسليمه للجهات المسؤولة، يجب التصرف بنية صافية وأمانة، مع تجنب أخذ ما لا يخصنا، إن التصرف الصحيح هو الحفاظ على الأمانة وعدم استغلال الموقف"، مضيفا: "من المهم أيضاً الإعلان عن المال المفقود إذا كان ذلك ممكناً، لأن هذا يساعد في العثور على صاحبه، وفي حالة عدم القدرة على الإعلان، يجب ترك المال وعدم الاحتفاظ به، وذلك تجنباً لأي شبهة تصرف غير لائق".
متى يجوز لى التصرف فى أموال عثرت عليها
أوضح الدكتور محمود شلبي، أن الفقه الإسلامي يعير اهتماماً كبيراً لحماية أموال الناس واحترامها، حيث يعتبر الحفاظ على المال من مقاصد الشريعة الإسلامية الأساسية، لافتا إلى الشرع الشريف وضع كيفية للتعامل مع اللقطة، وهي المال الذي يُعثر عليه في الأماكن العامة ولا يُعرف صاحبه.
وواصل: "اللقطة تُعرف بأنها المال الذي يُعثر عليه في مكان عام ليس ملكاً لأحد، والفقه الإسلامي يميز بين أنواع اللقطة حسب قيمتها، اللقطة البسيطة تشمل الأموال ذات القيمة الضئيلة، بينما تشمل اللقطة ذات القيمة الكبيرة الذهب والمجوهرات وأشياء ذات قيمة عالية".
ولفت إلى أنه عند العثور على اللقطة ذات القيمة الكبيرة، يجب الإعلان عنها في أماكن تجمع الناس مثل الأسواق والمساجد، ويجب تسليمها إلى السلطات المختصة مثل أقسام الشرطة، مؤكدا أن الإعلان كان في السابق يستمر لمدة سنة، ولكن مع التطور أصبحت الإجراءات تشمل تسليم المال للشرطة أو الجهات المختصة التي تقوم بالإعلان عنه في وسائل الإعلام.
بيان مفهوم اللقطة
إن السعي في مصالح المسلمين، والاجتهاد في إيصال الحقوق الضائعة إلى أصحابها، عمل مشكور مثاب عليه صاحبه؛ وقد روى مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه».
ومن ذلك السعي المشكور: إعادة اللقطة لصاحبها.
واللقطة: هي الشيء الضائع الذي فقده صاحبه، ووجده آخر فالتقطه.
ويمكن أن نعرفها شرعا بعبارة أدق فنقول: "هي ما وجد من حق محترم غير محترز لا يعرف الواجد مستحقه".
المقابل المادي لمن يجد شيئا ضائعا وضوابط ذلك
من أحكام اللقطة الشرعية المتقررة أن ضياعها من صاحبها لا يخرجها عن ملكه، بل هي لا تزال في ملكه، والمجتمع مكلف ما استطاع بإيصالها إليه، والشرع الإسلامي إنما أذن في التقاطها لتيسير ذلك، ولذلك وضع من الضوابط في تناول اللقطة ما يكفل -بقدر المستطاع- عدم التقصير والخيانة في البحث عن صاحبها.
وقد تكلم الفقهاء عن أن الإذن بالالتقاط مرهون بأمانة الملتقط، وأن من علم من نفسه الخيانة فليس له أن يلتقطها، وإلا فهو كالغاصب لها.
وذكروا أن من نوى التقاطها لنفسه فإنه يضمنها؛ لأنه أخذها بدون إذن صاحبها وبدون إذن الشرع.
كما تكلموا عن صور تعريفها وأن ملتقطها إذا كان فاسقا، فإن الحاكم يضم إليه آخر أمينا في تعريفها وحفظها، إلى غير ذلك مما يبين أن مراد الشرع وغرضه في الالتقاط هو العمل على حفظ الأمانة ووصول اللقطة إلى صاحبها.
وكذلك ذكروا أنه إذا جعل صاحب الحق الضائع جعلا معينا لمن يأتيه به جاز له ذلك، وجاز قبوله لمن يحقق مأربه، ولا عبرة بالعمل الواقع قبل إعلان الجعل، فهو محض تبرع.
قال الشيخ عليش المالكي في "منح الجليل": «إنما يجوز الجعل على طلب آبق يجهل مكانه، وأما من وجده آبقا أو ضالا أو ثيابا؛ فلا يجوز له أخذ الجعل على رده، ولا على أن يدل على مكانه؛ إذ ذلك واجب عليه، فأما من وجده بعد جعل ربه فيه جعلا فله الجعل، علم بما جعل فيه أو لم يعلم ما تكلف طلب هذه الأشياء أو لم يتكلفه».
وقال العلامة الشمس الرملي الشافعي في “نهاية المحتاج”«ولو قال: (من دلني على مالي فله كذا)، فدله غير من هو بيده استحق؛ لأن الغالب أنه تلحقه مشقة بالبحث عنه، كذا قالاه -يعني: الرافعي والنووي-. قال الأذرعي: ويجب أن يكون هذا فيما إذا بحث عنه بعد جعل المالك، أما البحث السابق والمشقة السابقة قبل الجعل فلا عبرة بهما»
وكذلك ذكروا أن الأصل أن الملتقط يقوم بتعريف اللقطة بنفسه، وأنه إن استناب غيره ليقوم بالتعريف جاز له ذلك، ولكن أجرة الوكيل حينئذ تقع على الملتقط لا على صاحب اللقطة الأصيل؛ قال العلامة ابن قدامة في "المغني" (6/ 5، ط. دار إحياء التراث العربي): [وللملتقط أن يتولى ذلك -أي: التعريف- بنفسه، وله أن يستنيب فيه، فإن وجد متبرعا بذلك، وإلا إن احتاج إلى أجر فهو على الملتقط. وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي.. ولنا: أن هذا أجر واجب على المعرف، فكان عليه، كما لو قصد تملكها، ولأنه لو وليه بنفسه لم يكن له أجر على صاحبها، فكذلك إذا استأجر عليه لا يلزم صاحبها شيء، ولأنه سبب لتملكها، فكان على الملتقط، كما لو قصد تملكها].
الشائع بين الناس من أن من وجد شيئا فله 10% من قيمته
وأما الشائع بين الناس من أن من وجد شيئا فله 10% من قيمته فأصله: ما جاء في الأمر العالي الصادر في 18 مايو سنة 1898م، والذي يقضى بأن من يعثر على شيء أو حيوان ضائع؛ فإنه يجب عليه أن يبلغ عنه أمام أقرب نقطة للشرطة في المدن وأمام العمد في القرى، وأن يسلمه، فإذا لم يطالب به مالكه بيع الشيء في خلال سنة من تسليمه، أو الحيوان في خلال عشرة أيام، في المزاد العلني بواسطة الإدارة، ويصح تقصير الميعاد الذي يتم فيه البيع إذا كان الشيء الضائع يخشى عليه من التلف، ويكون لمن عثر على الشيء الضائع عشر الثمن، وتحتفظ الإدارة بالباقي لحساب المالك مدة ثلاث سنوات، فإذا لم يتقدم المالك في خلال هذه المدة لتسلمه فإنه يؤول إلى الدولة، أما إذا احتفظ من عثر على الشيء الضائع به ولم يبلغ عنه ولم يسلمه في خلال ثلاثة أيام في المدن، وثمانية أيام في القرى؛ فإنه يحرم من حقه في العشر، ويحكم عليه بغرامة، وإذا احتفظ به بنية تملكه فإنه يعد سارقا -بالاصطلاح القانوني الذي يوسع من مفهوم السرقة عن المفهوم الشرعي-.
وهذا القانون إنما هو في خصوص اللقطة، وهي: الشيء الضائع الذي يفقده صاحبه ولا يعثر عليه، فيعثر عليه غيره ويلتقطه، وهي لا تكون إلا في المنقولات التي لها مالك، فتضيع منه؛ بأن يفقد حيازته المادية لها، وتخرج من حوزته تماما، وتنتفي سيطرته عليها، مع ثبوت ملكيته لها. انظر: "الوسيط في شرح القانون المدني للسنهوري" (9/ 35-36، ط. دار النشر للجامعات).
ولو طلب الملتقط من أصحاب الحق أن يتبرعوا له بشيء دون أن يشترط ذلك عليهم فلا حرج عليه من أخذه حينئذ، ومن باب أولى لو بذلوا هم شيئا له على سبيل المكافأة دون طلب منه، وتقدير المكافأة في الحالين موكول لهم؛ لأنه تبرع منهم وليس واجبا عليهم.
مراعاة العرف في الأحكام الشرعية وأثره في الفتوى
الناظر في نصوص الفقهاء التي تناولت أحكام تعريف اللقطة يرى ارتباط ذلك بالعرف ارتباطا وثيقا، بداية من تحديد مفهوم اللقطة التي يجب تعريفها والفرق بينها وبين المتروكات التي يمكن أخذها، وانتهاء بكيفية التعريف ومدته التي يغلب على الظن بعدها عدم وجدان صاحبها؛ فإذا تغير الواقع كان ذلك مستلزما لتطور مفهوم التعريف حسب ما آلت إليه أعراف الناس في هذا العصر وصار هو المألوف والمتبع لديهم في البحث عن الأشياء والأشخاص -وهو أقسام الشرطة-، فإذا كان أصحاب الأشياء الضائعة يتجهون للتبليغ عنها في أقسام الشرطة، فإن من البدهي أن التعريف بها ممن عثر عليها لا يتم ولا يبرأ الملتقط من عهدته إلا بالتبليغ عنها في أقسام الشرطة أيضا.
وقد فطن المقنن المصري إلى ذلك وأن التنظيم الفقهي لأحكام اللقطة هو من باب السياسة الشرعية التي قد تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والأعراف، فوضع من اللوائح في ذلك ما يتناسب مع طبيعة العصر ويحقق غرض الشرع في العمل على إيصالها لصاحبها؛ فنصت المادة 873 من القانون المدني المصري على أن: [الحق في صيد البحر والبر، واللقطة، والأشياء الأثرية، تنظمه لوائح خاصة].
وصدرت لوائح في هذا الصدد تحدد مكان التعريف الذي تسلم إليه اللقطة وهو أقسام الشرطة، والمدة التي تحفظ في خلالها الأشياء الضائعة، وتنظم كيفية التصرف في هذه الأشياء بعد انقضاء المدة، وحفظ ثمنها لحساب المالك، ومتى تؤول هذه المبالغ للدولة إذا لم يتقدم أصحاب الأشياء الضائعة لتسلمها.
ومن اللوائح المعمول بها في ذلك: الأمر العالي الذي سبق ذكره، كما نصت المادة 321 مكرر من قانون العقوبات المصري على أنه: [كل من عثر على شيء أو حيوان فاقد ولم يرده إلى صاحبه متى تيسر ذلك أو لم يسلمه إلى مقر الشرطة أو جهة الإدارة خلال ثلاثة أيام يعاقب بالحبس مع الشغل مدة لا تجاوز سنتين إذا احتبسه بنية تملكه، أما إذا احتبسه بعد انقضاء تلك الفترة بغير نية التملك فيستحق الغرامة التي لا تتجاوز مائة جنيه].
ومن المقرر شرعا أن حكم الحاكم يرفع الخلاف، وأن للحاكم تقييد المباح، وأن له أن يتخير ما شاء من أقوال المجتهدين، والعمل به واجب؛ إقرارا للنظام العام وحفظا للحقوق.